صحيفة المثقف

عبد الجبار الرفاعي: رحيل الصديق محسن بيدارفر.. العارف الذي عاش يكتفي باليسير من كل شيء

عبد الجبار الرفاعيتغمد الله الصديق العلامة المرحوم محسن بيدارفر ‏برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جناته. رحل محسن بيدارفر عن عالَمنا هذا اليوم، بعمر 77 عامًا، إلى الدار الآخرة. ‏

فقد العرفان برحيله عارفا نبيلًا، وخسرت الفلسفة الإسلامية والعرفان والتفسير بغيابه محققًا دقيقًا، وباحثًا متمرسًا خبيرًا. وخسرت أنا صديقًا روحانيًا أخلاقيًا نادرًا.

 كان محسن بيدارفر ‏ملهما ودودًا دافئًا مهذبًا، إنه من أولئك الأفذاذ الذين يتعلم الإنسان من صمتهم وتأملهم وتدبرهم.

‏ قبل 40 سنة أمضيت أكثر من سنة اتردد عليه، واقتني من مكتبته الكتب، وأقرأ اسمه على بعض الأعمال. كان لا يجيب إلا على قدر السؤال، إجاباته مكثفة لا فائض لفظي فيها.

لم أكن أعرف ‏أنه هو محسن بيدارفر ، الذي يتكرر اسمه على بعض الكتب، حتى سألته في أحد الأيام: من هذا المحقق محسن بيدارفر، الذي أنجز تحقيق هذه المؤلفات، فابتسم بلطف خجلًا، ولم يقل أنا.

كلما زرته في مكتبته وجدته منكبّا على تحقيق المخطوطات القديمة.         

ولد ‏ محسن بيدارفر في تبريز سنة 1944، ‏تخرج في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية، ثم هاجر إلى قم سنة 1975، أسس دار نشر متخصصة في نشر مؤلفات العرفان والفلسفة الإسلامية، باسم: "‏أنتشارات بيدارفر".

2803 محسن بيدار‏اقتنيت من مكتبته أكثر كتب العرفان والفلسفة ‏لمكتبتي، ‏عندما أراها او اقرأ في أحدها تذهب بي الذاكرة إلى شخصيته المؤثرة الآسرة، ومواقفه المهذبة التي لا تمحوها ذاكرة الأيام مهما تقادمت. ‏كنت أرى محسن بيدارفر يصل من بيته إلى مكتبته كل يوم على دراجة هوائية ويعود إليه على هذه الدراجة، لا يمضي اكثر من ساعتين في المكتبة، من الساعة ‏10 صباحا إلى 12 قبل آذان الظهر، وفي السنوات الأخيرة اختزلها إلى ساعة.

 ‏كان زاهدًا، يعيش عيشة الكفاف الذي اختاره لنفسه برضا، يكتفي باليسير من كل شيء.

محسن بيدارفر من ملهمي الروح الذين خسرت صحبتهم بعد عودتي إلى بغداد، وبصراحة لم أكتشف حتى اليوم وربما لن اكتشف كل حياتي الباقية على ملهم للروح يشبهه ممن تعرفت عليهم.

هذا إنسان مدهش في زهده بكل شيء، ‏لا نعثر على أمثاله إلا عندما نفتش عنهم، لانهم يزهدون بالتعريف بأنفسهم.

الحياة الدينية في بلادنا تفتقر لأمثال هؤلاء، اثر تسيّد السلفية، واختزالها للدين في القشور والتدين في الشكل دون المضمون الروحي والأخلاقي.

محسن بيدارفر وأمثاله ملهمون، ‏حضورهم في الحياة يعكس أنبل وأجمل واطهر ما في الدين. ‏افتقار الحياة ‏الدينية إليهم، يعني افتقارها لأجمل معانيها الإنسانية العظيمة.

بكى قلبي بحرقة لرحيله لكني اطمئننت عندما استمعت إلى صوت الله يعد هذا الرجل الملهم وأمثاله بالبشرى: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ".

2802 محسن بيدار

من آثاره:

1- ترجمة كتاب «كسر اصنام الجاهلية»، لملاصدرا

2- تحقيق كتاب «المباحثات»، لابن سينا.

3- تحقيق كتاب «علم اليقين في اصول‌الدين»، للفيض الكاشانى.

4- تحقيق شرح منازل السائرين، الخواجه عبدالله الأنصاري… فاز تحقيقه بالجائزة السنوية الأولى للكتاب.

5- تحقيق الـجوهر النضید في شرح منطق التجرید

6- تحقيق أنوار الحكمة، للفيض الكاشانى.

 

عبد الجبار الرفاعي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم