صحيفة المثقف

بكر السباتين: الإمارات تطلق حملة "الإمارات العالمية المتحدة" وأكثر من سؤال

بكر السباتينحالة من الجدل علي مواقع التواصل الاجتماعي عقب إطلاق الحكومة الإماراتية حملة "الإمارات العالمية المتحدة"، وهي حملة إعلامية عالمية منظمة تهدف شكلياً إلي التعريف بالمميزات الاقتصادية والاستثمارية في دولة الإمارات.. بينما يرتبط مشروع "تغيير الاسم" بمحاولة تفكيك العروبة وتحويل الشرق الأوسط إلى دويلات علمانية غير ديمقراطية تدور في فلك الأقوى اقتصادياً في المنطقة، وهي مكانة تطمح إليها ما تسمى ب"إسرائيل"! التي حظيت بتجنيس عشرة آلاف إسرائيلي أماراتياً.

كذلك لا استبعد الهند عن هذه الأطماع نظراً لأن الهنود يشكلون نسبة عالية من سكان الإمارات وينتشر تواجدهم في كل القطاعات منذ اكتشاف البترول في الإمارات، ونسبة المجنسين منهم عالية.. وقد شيدت لهم المعابد الكبرى في البلاد.. ولا نريد أن نقول إيران لحساسية العلاقة التاريخية بين البلدين منذ أن كانت الإمارات تسمى "ساحل عمان المتصالح" رغم تواجد عدد كبير من الإماراتيين الفاعلين في التنمية الإماراتية من ذوي الأصول الإماراتية.

ويبدو أن ملامح العالمية -وفق تغريدات منتقدي هذا التوجه- تجلت بالمظاهر التالية:

1- التخلص من النسب إلى العروبة بتبني اسم "العالمية" خلافاً للتبريرات التي يحاول العاملون على الحملة تسويقها في أن كلمة "الإمارات" تشير إلى العروبة" أما "العالمية" فتشير إلى عالمية التوجه الإماراتي في كافة الصعد التنموية. وهذا تبرير ساذج، وشطب كلمة "العربية" لا يعني إلا التبرؤ من العروبة.. فهل حصل اختلال في تركيبة السكان هناك استرعت هذا التغيير المزمع تنفيذه في وقت لاحق أو بانتظار مناسبة ما!،

2- شطب الهوية الدينية الإسلامية باعتماد اسم غير معلن يتجلى بالديانة الإبراهيمية التي تضم الديانات السماوية الثلاث، وهي:

الإسلام والمسيحية، بالإضافة إلى اليهودية التي اخترقت المجتمع الإماراتي بمنح عشرة آلاف إسرائيلي الجنسية الإماراتية.

وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً عن خطط لبناء صرح يجمع بين الديانات السماوية الرئيسية الثلاثة، أي المسيحية، واليهودية، والإسلامية، وهو يُدعى بيت العائلة الإبراهيمية. ومن المقرر تشييده في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي. وغاية المشروع في الظاهر، تعزيز الحوار بين الأديان بينما في باطنه، التمهيد للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وكانت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية- القائمة على المشروع- قد عقدت اجتماعها العالمي الثاني في مدينة نيويورك الأمريكية في 20 سبتمبر من عام 2019، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية "وام".

أيضاً الانفتاح على الديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية.. حيث تم بناء أكبر معبد هندوسي في الإمارات وذلك في منطقة الوثبة بإمارة أبوظبي.

ونصب تمثال بوذا الضخم بارتفاع عشرة أمتار على الطريق السريع بين دبي وأبو ظبي.. وذلك في إطار النسخة الثانية من "متحف الطريق السريع".

وفي الحقيقة أن التنوع مطلب حداثي، لولا تكشف النية باتجاه تغيير الهوية الإماراتية بالتدريج.. والخطوات على الأرض تشير إلى ذلك.

3- تغريب المجتمع الإماراتي الذي كان يتسم بالأصالة ويتمتع بالعادات والتقاليد المتوارثة كابراً عن كابر؛ وذلك بالانفتاح الاجتماعي الواسع وتقبل بعض الظواهر التي لا تنسجم مع الأخلاق الإسلامية الحميدة، مثل انتشار الدعارة والشذوذ الجنسي، مع أن ذلك يخالف نصوص القوانين الاتحادية الإماراتية، حيث تفرض المادة 177 من قانون العقوبات في دبي عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات للمتهمين بممارسة أفعال جنسية مثلية. بينما تنص المادة 359 من قانون العقوبات الاتحادي الإماراتي، على أنّه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف درهم (حوالى 2700 دولارا أميركيا) أو بإحدى هاتين العقوبتين من تعرض للأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل في طريق عام أو مكان مطروق .

ويذكر أنّ الزنا والفسق جريمتان يعاقب عليهما بالإعدام، ويمكن أيضاً محاكمة الشخص المدان بالمثلية الجنسية بتهمة الزنا إذا كان متزوجاً من شريك من الجنس الآخر.

إذن كيف تفسر الظواهر التالية على ضوء هذه القوانين؟ هل هي ازدواجية أم خطوات تمهيدية نحو تطويرها أو تغييرها.

دعونا نستعرض في عجالة بعض هذه الظواهر والتوجهات:

أولاً: تخفيف الاعتماد على الشريعة الإسلامية

ففي 11 يناير 2021، ذكر موقع "LGBTQ Nation" بأن "هناك توجه إماراتي بتحديث النظام القانوني وتخفيف الاعتماد على الشريعة الإسلامية وجعل المجتمع أكثر انسجاماً مع الدول الأخرى".

وأضاف أنّ "تعديلات قانونية حصلت مؤخراً، أبرزها فيما يخص تخفيف القيود على شراء الكحول، تغيير قوانين الطلاق والزواج، وتوفير حماية أكبر للنساء".

السماح بتغيير الجنس بتدخل طبي.

ثانياً: ظاهرة الشذوذ الجنسي

في سبتمبر 2016، أصدرت الحكومة المرسوم الاتحادي رقم 4، سلسلة من التغييرات للحد من المسؤولية الجنائية للأطباء. يسمح القانون الجديد للأطباء بإجراء التدخل الطبي على الأشخاص ثنائيي الجنس من أجل "تصحيح" جنسهم، وإزالة الأعضاء التناسلية الذكورية أو الأنثوية بشكل فعال.

رعاية مؤتمر الشذوذ الجنسي في مايو 2021 بتنظيم الأكاديمية العالمية للعلوم والهندسة والتكنولوجيا ويهدف المؤتمر إلى الجمع بين كبار العلماء الأكاديميين والباحثين لتبادل خبراتهم ونتائج أبحاثهم حول جميع جوانب الهوية الجنسية وحقوق المثليين.

ثالثاً: الدعارة والاتجار بالبشر

في عام 2007، وضعت وزارة الخارجية الأمريكية دولة الإمارات العربية المتحدة في خانة "المستوى 2" في تقاريرها السنوية عن الاتجار بالأشخاص، مما يعني أنها لا تلتزم التزامًا تامًا للحد الأدنى من معايير القضاء على الاتجار بالبشر، ولكنها تبذل جهودًا كبيرة للقيام به وبالتالي. تعد الإمارات العربية المتحدة بلد مقصد وعبور للنساء اللائي يتعرضن للاتجار بالجنس. بعض النساء، ومعظمهن من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا والعراق وإيران والمغرب، يتعرضن للدعارة القسرية في الإمارات العربية المتحدة. في عام 2016، عُرضت 22 قضية تتعلق بالاتجار بالجنس على المحاكم.

مع أن الدعارة في الإمارات العربية المتحدة غير قانونية، حيث تشمل العقوبات المفروضة على ممارسة الدعارة غرامات كبيرة والسجن، مع ترحيل العاهرات الأجانب عادةً، إلا أن الدعارة منتشرة على نطاق واسع، خاصة في دبي وأبو ظبي. حيث تغض عنها السلطات النظر عمومًا بشرط أن تبقى بعيدة عن الأنظار العامة.. وهذه سمة تشترك فيها معظم الدول العربية ولكنها في الإمارات مستفحلة جداً

رابعاً: غسيل الأموال والملاذ الآمن للمجرمين

قالت منظمة الشفافية الدولية في مايو 2020"إن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد جزءاً من منظومة عالمية لغسل الأموال، مؤكدة أن تقرير مجموعة العمل المالي الأخير بشأن غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الإمارات يؤكد ارتباطها بفضائح فساد كبرى عابرة للحدود".

وأكد التقرير " أن الإمارات لا تفعل ما يكفي لمنع غسل الأموال، رغم تحقيقها تقدماً في الآونة الأخيرة".

وكانت البنود أعلاه مادة غنية تناولها مغردون عبر منصات التواصل في سياق الرد على حملة "الإمارات العالمية المتحدة".

وذهب كثيرون إلى أن ذلك يحصل بعيداً عن التشاور مع الإمارات الأخرى الرافضة لبعض هذه التوجهات، مثل الشارقة التي تمنع قوانينها الطارئة استقبال أي إسرائيلي حتى لو كان حاملاً للجنسية الإماراتية، تحت عنوان رفض التطبيع.. رغم أن دولة الإمارات ظلت تنفذ مشروع هوية وطنية منذ عقود يهدف إلى توحيد إماراتها السبع، والأسر الحاكمة، والعائلات والقبائل المتباينة في دولة قومية واحدة.

وقد تم تصميم مشروع الهوية الوطنية في البداية لمنع تفكك "الإمارات العربية المتحدة" المحتمل إلى دول مستقلة خلال السنوات الأولى بعد الاستقلال في 1971. ومنذ ذلك الحين، تمت إعادة صياغة المشروع للتأكيد على السمات الوطنية.

ولكن إمارة أبو ظبي تقوم بخلاف ذلك، ففي تقرير نشره موقع "ستراتفور" الأمريكي في 7 أوغسطس 2021، يقول:" إن إمارة أبو ظبي تعطي الأولوية لنفسها على حساب بقية الإمارات الأخرى بدولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي يهدد بتقويض مشروع الحكومة الفدرالية".

وقال: "إن ثروة أبو ظبي، المدعومة باحتياطيات نفطية عميقة وصندوق ثروة سيادي تبلغ قيمته حوالي 900 مليار دولار، ستسمح لها بإبعاد نفسها عن التفاعلات التجارية العادية، والتجارة والسياحة التي تعتمد عليها الإمارات الأخرى للحفاظ على استمرارية اقتصاداتها خلال الأزمات".

وهذا يمنح أبو ظبي القوة الكافية للاستحواذ على القرارات الفيدرالية الخارجية من خلال ممارسة سياسة الاستقواء والتنمر على الإمارات الأخرى حيث تتحول اعتراضاتها إلى مجرد وجهات نظر لا يؤخذ بها عند القرارات المفصلية.. فيما يرى كثيرون أن ذلك من شروط الاتحاد.

لذلك لجأ القائمون على حملة "الإمارات العالمية المتحدة" إلى طرح تغيير "الإمارات العربية" إلى "الإمارات العالمية" على مواقع التواصل الاجتماعي لتهيئة الرأي العام الإماراتي بالدرجة الأولى، والعربي بالدرجة الثانية لتقبل الفكرة وفق تفسير الرؤية الإماراتية لها بعيداً عن التأويلات المحتملة.

هذه سابقة غير معهودة في دولة حارس الهوية الإماراتية العربية، الراحل الشيخ زايد بن سلطان، التي نكن لها الاحترام من باب الهوية العربية وبعيداً عن سياساتها الخارجية.. فلماذا إذن لا تتأسى هذه الدولة بدول أخرى تقدمت في كافة الصعد مع أنها كانت متخلفة، اقتصادياً وعلمياً دون أن تتخلى عن هويتها العرقية والدينية بدءاً من سنغافورا متعددة الأعراق، ورواندا الأفريقية التي كانت تعاني من الفقر والمجاعات والحروب العرقية الطاحنة لتتحول إلى المرتبة السابعة عالمياً من حيث النمو الاقتصادي السليم القائم على محاربة الفساد وغسيل الأموال، ورغم ذلك حافظت على أصالتها وثقافتها الوطنية. وتحتاج الإمارات إلى الكثير حتى تتهيأ لنمو اقتصادي سليم وبعيد عن الشبهات وفي جو ديمقراطي صحي.. وهي قادرة على ذلك فالموارد البشرية وحجم الصندوق السيادي الضخم والخبرات المتنوعة والإمكانيات اللوجستية والفنية متوفرة.

إن التقدم ليس لقباً يضاف إلى اسم الدولة حتى تصبح مزدهرة وذات حداثة ورؤية مستقبلية، وليس ترفاً شكلياً؛ بل جوهراً يقوم على الجمع بين الأصالة والحداثة، وفعلاً يرتكز على مقومات مادية ومعنوية كالموارد الاقتصادية والبشرية وقيم العدالة الديمقراطية والأخلاقية.

فهل تضع الإمارات كل ذلك بالحسبان؟ هذا ما نتمناه حتى نشهد قطراً عربياً مزدهراً ينأي بنفسه عن الشبهات.

 

بقلم بكر السباتين

13 سبتمبر 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم