صحيفة المثقف

نبيل عرابي: زهر البنفسج يعانق أباريق فخارية

نبيل عرابيإلى الشاعر الفلسطيني: مروان محمّد الخطيب


 

تأمّل لونَ البُرتُقال، واصرخ بأعلى صوتِكَ: يافا..

ولا تنتظر صدًى عربياً هادراً، يحقّق وتيرةً أعلى من صوتٍ صدّاح يحطّمُ بتردّداته ألواحاً رقيقةً من الزجاج القديم البائس...

تعلّم لغةَ البُرتُقال، وانشد بمفرداتها لحناً يافاويَّ المقام، لا يأنس لنوتاته الموسيقية إلا مَن عرفَ قيمةَ حفنةٍ من تُراب، يعبقُ عبيرها في الذاكرة، وفي كل شمعة أمل معطّرة، تشتعلُ شوقاً لغدٍ آتٍ لا محال...

تزوّد بباقة ورد جوريّ دمويّ اللون، وقد قطعتَ على نفسِكَ عهداً، بأن تجمعها بأخوات لها نبتت في عكّا، فتزيّن بها ما بين أناملك، دون أن تشعر بأشواكها، لأنها ستبقى باقة ورد .. وإن ذبلت...

رافق بواسق النخل والصفصاف، توسّم بأفياء جذوعها خيراً، تغزّل بأعمارها وعمق أسرارها، ولا تنسَ أن تأخذ العبرة من شجرة صبّار تطلّ عليك كلما نفثت أفاعي الغدر حممها الزئبقية...

وامسح جبينك، المتصبب بحبات من الحنطة، بيدِكَ التي تُمسك بها القلم، فسرعان ما ستتحوّل إلى سنابل حبلى بجود العطاء، يتألّق شِعراً ونثراً، ينضحُ من أبارق فخارية، يعانقها زهر البنفسج كلّما همّت لتروي شيئاً من ظمأ طال أمده في الروح والعين والفؤاد...

سِرْ قُدُماً.. فاللوز شجراً وزهراً وعبقاً ينتظرُكَ في حيفا، والقرنفل بألوانه الزاهية يُعدُّ العدّة لاستقبالك، وقد احتلّ البرقوق أكبر مساحة من محيّاك وهجاً، ومن لهيب حلقِكَ حرقة...

أسلُكْ درب الصنوبر الصامت خشوعاً، وردّد تسابيح فجرٍ يُرفَعُ أذانُهُ في غزّة، وتُقامُ صلاتُهُ في القدس، واقترابَ صُبح تُتْلى آياتُ قرآنه في أريحا، وصداها يُسمَعُ في رحاب الأقصى، وإصرارَ نشيج لحناجر دعاء تُرفعُ لهُ الأيدي في امتداد شقائق النعمان والسوسن والعوسج والبيلسان، وفي فيء التفاح والرمان .. ليفيض بعدها دمعُ الياسمين، ويقوى نبض الفؤاد مهللاً:

ها قد عدتُ إليكِ يا فلسطين.. ها قد عُدتُ إليك يا فلسطين...

 

نبيل عرابي

...................

الشاعر الفلسطيني مروان محمد الخطيب: من مواليد العام 1965، مخيم نهر البارد، شمال لبنان. صدر له العديد من الأعمال منها:

- وانشقّ القمر / شعر.

- صهيل الأرجوان / شعر.

- المتنبّي.. متوجّعاً / شعر.

- وجع الذاكرة / نصوص.

- رحيق المداد / دراسات في الأدب.

- الصعود إلى بلقيس / شعر.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم