صحيفة المثقف

ثامر الحاج امين: الانغلاق آفة العقل

ثامر الحاج امينالانغلاق أو الجمود الفكري واحدة من أخطر المشكلات التي يواجهها العقل البشري، الذي من مظاهره  التعصب المقيت ورفض قبول الرأي الآخر وكذلك القفز على الواقع، وعندما نصف الانغلاق بالمشكلة الخطيرة ذلك ان الخوف من مواجهة التغيير والحماس والاصرار على القناعات والدفاع الأعمى عنها ورفض أي نقاش فيها ينقلب الى عناد وجهل، واذا ما سلمّنا ان هذا الأمر طبيعي ويحدث في مرحلة المراهقة الفكرية التي يعيشها الانسان في بدايات تشكيل وعيه وانفتاحه على الأفكار التي يصف ارهاصاتها الكاتب البرازيلي باولو كويلو (اننا نحاول تفسير الأمور وفق ما نريد، لا وفق ما هي عليه) ولكن من غير الطبيعي ان يبقى الانسان سائرا في ضوء منطق يشوبه القصور والادراك المعتل بعدما يزداد خبرة ونضجا وبعد اصطدام قناعاته بصخرة الواقع .

 هناك من يعتقد ان العناد والمكابرة في التمسك بالرأي دليل على قوة الشخصية، وهذا خطأ جسيم ذلك ان الانسان كيفما كان مستواه المعرفي ومهاراته وقناعاته فانه قابل للتغيير ويبقى بحاجة الى مراجعة افكاره وآرائه التي هي عرضة للتصدع والاهتزاز، فالمفاهيم تتجدد والقناعات تتغير نتيجة المتغيرات المتعددة سواء على صعيد وعيه الشخصي او المتغيرات التي يتعرض لها محيطه، لذا فما عادت صفة المكابرة في التمسك بالرأي صفة حسنة تنسب الى الثقة بالنفس انما هي دليل على ضيق الأفق والانغلاق .

لقد قرأنا أدبيات الاقدمين الكبار فوجدناهم قد تخلصوا من داء التحجر وأقروا ان لا رأي كامل الصحة بالمطلق و أبقوا باب المراجعة واحتمال الخطأ مفتوحا،  فالإمام الشافعي 150 ــ 204 هـ يطرح موقفه في هذا الشأن بدرجة عالية من التواضع والحكمة بقوله (رأيُنا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب) وقبله كان موقف الامام ابو حنيفة 80 ــ 150 هـ منسجما مع هذا التوجه في ضرورة التواضع وعدم التزمت بالرأي وذلك بقوله (رأيُنا هذا أفضل ما قدرْنا عليه فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه)، وامتدت ثقافة التواضع والاقرار بالمتغيرات الى عصرنا الحديث حيث سئُل الفيلسوف الانكليزي "برتراند رسل 1872 ــ 1970 م": هل انت مستعد للموت دفاعاً عن أفكارك؟ قال: لا . أنا متأكد من قيمة الحياة، ولكني لست متأكداً من صحة افكاري .

 

ثامر الحاج أمين

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم