صحيفة المثقف

قلولي بن ساعد: عن النقد الصحفي والنقد الأكاديمي

قلولي بن ساعدأو (كي لا يفترس نصوصنا وحش التاريخ)

غالبا ما يقع بعض الخلط الشنيع في المشهد الأدبي الجزائري، وربما العربي عموما بين كثير من القضايا النقدية والمفاهيم الملتبسة في مخيالات نفر من المثقفين والكتاب.

ومنها على وجه الخصوص إلتباس الرؤية وضبابيتها في الفصل بين النقد الأكاديمي وبين البحث الجامعي .

فالنقد عموما كما أفهمه هو ممارسة وهمٌ ثقافي وأدبي يستمد قوته وثراءه من الاستعداد الفطري للناقد المبدع ومخزونه القرائي وموهبته الأساسية ورغبته المحمومة الملحة في القراءة والمتابعة واستكمال ملف الكتابة الإبداعية وإضاءة مضمراتها على مستوياتها المتعددة .

وبين البحث الجامعي المتيسر لبعض الطلبة أو الراغبين في ذلك من أجل ترقية مهنية أو نيل رتبة علمية .

 وعليه لا ينبغي الخلط بين هذا وذاك، لأنه لوكان الأمرعلى هذا النحو لوجدنا المشهد الثقافي العربي برمته في تخمة معرفية بالنظر للعدد الكبير من الطلبة المتخرجين كل سنة من أقسام اللغة العربية وآدابها والعلوم الإنسانية عموما .

ولصار لدينا عدد كبير من "النقاد" المؤمنين بجدوى الأدب وأهميته في حياة الفرد والمجتمع ، ولتحول المشهد الأدبي العربي إلى ورشة متخمة بروح السؤال والمعرفة.

وإذ كان النقد الأكاديمي هو النقد الذي يعتمد على المنهجية العلمية ويحاول إستثمار أدوات منهج معين من المناهج النقدية سواء منها النسقية أو السياقية المعاصرة أو الكلاسيكية .

فإن هذا النقد ليس في إستطاعته الخروج عن متعاليات المنظومة النقدية التي يستقي منها المنهج الذي يعتمده في قراءة النص الإبداعي ، إلتزاما من مستخدمه أو مستخدمية بالوفاء لروح المنهج ، أو المدرسة التي يستقي منها يعض مواد المفاهيم والأدوات الإجرائية المساعدة على (تفكيك رموز الخطاب الأدبي) بتعبير الأستاذ حسين خمري.

حتى ولو كان نادرا ما يستطيع التخلص من فلسفة التطابق والتماثل التي يفرضها المنهج المستخدم بوسائطه الإجرائية على مستخدمه أو مستخدميه .

والتي عادة ما تلزمه أي الناقد على الإنصياع لمتعالياتها المدرسية ، قصد التعامل مع هذه الوسائط بمرونة ما أمكن ذالك خدمة للنص الإبداعي وللمهمة التي وجد من أجلها النقد .

طالما أن النقد هو (بناء لفهم خاص لعصرنا) بتعبير رولان بارت.

بينما النقد الصحفي فهو النقد الذي يعتمد القراءة الحرة من دون الإستعانة بمنهج معين وقضايا المنهج والمنهجية ليس لإفتقاره لها.

ولكن لأنه يتوجه لقارئ بسيط غير معني بقضايا المنهج والمنهجية ، ولا تهمه أصلا تلك الترسانة من المفاهيم والمصطلحات النقدية التي تتواتر كثيرا في مقالات ودراسات بعض النقاد والباحثين، أحيانا من دون حتى فهم عميق لها أو ضرورة لإستخدامها الإستخدام المنتج للمعنى والدلالة .

بدليل أن هناك بعض النقاد الأكاديميين والأساتذة الجامعيين يقومون بين الحين والآخر بهذا النوع من النقد ونعني بذلك النقد الصحفي .

 وهم وغيرهم من الذين قدموا خدمات جليلة للأدب الجزائري في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من نهاية القرن المنصرم، في وقت كان فيها النقد الأدبي الجزائري المكتوب بالعربية يكاد يكون معدوما.

وهي مرحلة كان لا بد منها في ذلك الزمن بالنظر لحداثة تجربة الكتابة النقدية في الجزائر آنذاك في حدود وسياقات مختلف المواقف والتوجهات الفكرية السابقة منها أو الراهنة .

وما أنتجته في زمنها وبيئتها من منظومات فكرية ومعرفية متباينة تبعا لتحولات تجربة الكتابة النقدية وإحالاتها التاريخية والإيديولوجية .

وطبعا من حق الروائيين والشعراء والقصاصين والكتاب عموما أن يشتكوا من غياب النقد الأدبي عموما، وشخصيا أتصور أن هذا العدد الهائل من النصوص والمنشورات بصرف النظر عن تباين مستويات إبداعيتها لا يمكن أن يتصدى لها ناقد أو باحث جامعي واحد مهما بلغ من الأهمية ومن الكفاءة النقدية والعلمية ومهما تيسر له من وقت وإمكانات.

إنه في حاجة إلى فريق بحث كل يتناول تجربة ما من هذه التجارب أو بعضها من الزاوية القريبة من مجال تخصصه أو تلك التي تثير شهيته النقدية وحسه الإبداعي .

كي لا يفترس (نصوصنا وحش التاريخ) كما قال عبد الكبير الخطيبي  طالما أن القراءة النقدية أية قراءة تبدأ أولا من الإحساس بمكامن الجمال في النص الإبداعي .

ثم تأتي بعد ذلك المعرفة والقدرة على التحليل واستخدام المفاهيم كوسائط إجرائية ليس إلا ولا تفسير أبدا في تصوري للحط من شأن النقد الصحفي سوى التجاهل المقصود للنص الإبداعي في غياب أي بديل يذكر  تماشيا مع الوضع السائد.

ومن يروجون للحط من شأن النقد الصحفي هم في الواقع يشكلون نسبة قليلة لا أثر لها .

ولا يتجاوز صداها بعض المساحات الضيقة ، ولا صلة لهؤلاء بالنقد الأكاديمي ولا بالنقاد الأكاديميين الذين تعلمنا منهم ولا زلنا نتعلم منهم ونشأنا على بعض كتبهم ومشاريعهم النقدية ، حين كنا مجرد تلاميذ على مقاعد الدراسة والتكوين في قرى نائية نادرا ما يستطيع الفرد فيها الحصول على كتاب مثمر ومفيد يؤثث به مخيلته الإبداعية أو الفكرية .

ومن غيرهم من الباحثين الشباب الجامعيين المسلحين بأشكال عدة من الوعي النقدي الجديد المتحقق بفضل الفتوحات المعرفية الطارئة على علوم الإنسان واللغة .

لقد قدم أحد النقاد والباحثين وهو الأستاذ لونيس بن علي تشريحا موضوعيا لهذه الظاهرة عندما أعتبر أن ما هو (مكرس في الجامعة لا ينتمي إلى النقد بل ينتمي إلى حقول أخرى لم يكن النقد يوما الابن الشرعي للجامعة بل كان ينتمي إلى الهامش وما لا يعرفه الكثيرون هو أنّ الصحافة هي المكان الطبيعي للنقد).

ولم يتوقف عند هذا الحد بل نجده يعترف دون مواربة أو تردد بأنه في الجامعة .

(لا نمارس النقد بل ندرس نظريات الأدب ومناهج دراسة الأدب وتاريخ الأدب وتاريخ النقد والنظرية الأدبية) .

وهي مجالات يرى أنه (لا علاقة لها بالحكم او التقييم إنها تدعي الموضوعية في حين أن عمل الناقد هو تقييمي بالدرجة الأولى) .

 لكون الغاية من دراسة الأدب في الجامعة على مايرى (ليست فهم الأدب ولا تأسيس وعي جمالي ونقدي ومعرفي بالتجارب الأدبية بل جمع ما يمكن جمعه من المعلومات حول الآداب والأدباء والنقاد والمدارس ...)

فيستنتج في النهاية بأنه (عمل تأريخي تجميعي أكثر مما هو عمل نقدي وحفري..)

 وعليه فليس من المعقول أبدا أن كل من يحمل شهادة جامعية فهو (ناقد أكاديمي) وليس من المعقول أيضا أن كل من كتب مقالا صحفيا فهو ناقد بالضرورة .

فالمسألة نسبية وهنا حجر الزاوية .

 

قلولي بن ساعد/ قاص وناقد

 

           

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم