صحيفة المثقف

يحيى السماوي: علي حسين المالكي.. أديب مبدع لا يعرف أنه أديب مبدع

يحيى السماويمنذ زمن ليس بالقليل، يتواصل معي عبر صفحتي في " الفيسبوك " أحد القراء.. بهرتني رسائله لما فيها من انزياحات لغوية وبراعة في نسج الجملة، ومخيال شاسع، وابتكار للصور الشعرية.. كان يراسلني أول الأمر بأسماء مستعارة قبل أن يكشف عن اسمه الحقيقي حين عرف أنه أضحى مني بمنزلة الإبن.. رجوته أن ينشر نصوصه، لكنه آثر الإنزواء وكأنّ به لا يريد معرفة أن فيه شاعرا أو ساردا مبدعا  ـ وقد لفت انتباهي أنه اختار لمتصفحه في صفحات التواصل الاجتماعي صورة يظهر فيها من وراء جدار..

 أمس وصلتني منه قصة قصيرة وجدت فيها حجما كبيرا من الشعرية، فقررت نشرها دون استئذانه، رغبة مني في إخراج حمامات نصوصه من قفص بيته لتحلق في فضاء المثقف، وأيضا لأقدّم للأحبة القراء أنموذجا لكثيرين لا يعرفون أنهم أدباء مبدعون..

أدناه القصة ـ أنشرها بدون عنوان لأنه لم يضع عنوانا لها ـ ولكم الحُكم أحبتي أدباء وقراء المثقف:

 

يحيى السماوي

.....................

قصة قصيرة

علي حسين المالكي

علي حسين المالكيسأستأصلني منها: الطرقات، الساحات، ضفاف الأنهار، الحدائق العامة، والجسور، لا أريد أقدام ذاكرتي تخطوها مجدداً.. أسحب من رأسي صدى الناي الذي لا يموت في المسامع العميقة.. سأجعل السطوح تنزل السلالم وتستقر في الغرف المهجورة، كنبضة تسافر بين اللحظة واللحظة، تُجلسها بداخلي، فكلما اشتقتها، سكبُت بعض الندم، ألتهم الضلوع، فرأسي المكتظ بأواني الندم، لن يترك بعد اليوم مقعداً بأسنان الذكرة القاسية، آآآه ليتني أفعى أنزع جلدي، رائحتها باقية تملأ رفوف ذاكرة أنفاسي، سأهطل على أصابع لهفتي، عضاً و أجعل رائحتها تترنح مشنوقةً بحبلٍ خيوطه نُسجت من الضمير الميت، وأدخل في ثلوج الصبر، أقتل دفئها، أنسى ضحكاتها الخادعة.. ضحكاتها تحيط بي كنسيج العناكب في زاويا مسامعي، فلا أسمع غير الصدق الذي في داخله ينام شيطان الخديعة، سأقشّر لونها الذي كان مرآتي ولو أغلقت نافذة عيوني ما بقي من العمر، وأسكب قهوتها مني، وأكنس لونها من أرض عيني، أرمي العصائر التي ما تزال باردة بيدي، أكسر أقدام الكرسي الذي ُيجلسها كلما انطفأت الشمس، وغابت عيون الناس، سأبتلع المركبات، وأرمي من المسجل كل أغاني الحب التي غطتني برداء الخديعة، وما جعلتني أرى الوحش خلف غزلان عيونها، أرى التمساح المتساقط بدموعها التي كنت أقبلها دمعة دمعة، سأمزق ثياب الأغاني، لتشرئب شجرة الحقيقة وأرويها من مياه اليقين، وأبصق على وجه ظني، كلما قال إمنحها فرصة ثانية، سأقذف الهدايا في البحيرة التي وقفنا عندها ذات عناق، ونحن نتبادل الصدمة.. الصدمة على مسافة، بل ونرمي حجارة الخجل التي أثقلتنا، نرمي الماضي الذي لم أتعظ منه، كرمي سيجارة مات نفسها الأخير، الذي قبل قليل كان حياً من فمها لفمي، سأعصب عيون السكين التي كانت تغوص في الفاكهة، وتغرق في الكعكة، لا اريد ذكرى أناملها على خاصرة السكين، تطأ أطراف مائدة خيالي، سأجفف البحر قبل أن تستيقظ كِسَر مجاذيفي وأثقب قاربي، وأغير مسار النهر، أحصد حقول اللمسات، وأقص جذور النظرات، وأطعم القُربَ الصحارى، سفينتها والتلال، والسهول والجبال، فكلما كبر جسد القرب فهو إبتعاد، سأنشر الظلام لكي لا تُحلق فراشات المواعيد، ولا تسقسق عصافير إنتظاري عند نافذتها، ولا ينبت قوس ألوان اللقاء بين غيمة الوصول وضوء شمس قدومها، سأحرق ساعاتنا، أيامنا، شهورنا، والسنوات، وكلما خمدت فالوقود رسائلها وكلمات الوفاء، أنزع الوقت الذي ألبستني إياه في يميني، ولن أتبرع بالثياب، وبزجاجات العطور، والأقلام والتحفيات القديمة والجديدة، والأواني والزهور، لا أتبرع بكل الهدايا، لا أريد لحبها أن ينبت في بيوت الفقراء، سأبعث الرياح العاصفة، لتستأصل من عيني ملايين الصور، وها هو الرحيل يفتح بابه بهدوء، كم تُفتح الشفاه للقُبل..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم