صحيفة المثقف

نيرمين ماجد: فَاتَك القِطَار...!

نيرمين ماجد البورنوعبارة "فاتك القطار" استوقفتني كثيراً عندما قرأتها جعلتني أسرح وأحلل حروفها ومعانيها وأطرح على نفسي تساؤلات عديدة! لماذا ننظر بحسرة الى القطارات التي تفوتنا! ولماذا نرهق أنفسنا بالتفكير كثيرا ونحن لا نعلم غيب الغد! ولماذا ننتظر أشخاص رحلوا وأغلقوا وسدوا كل أبوب وشبابيك ومنافذ الانتظار! ولماذا نحمل القطار مسؤولية تأخرنا وعدم التحرك للحاق بالقطار! وهل عبارة فاتني القطار باتت ثقافة تبرير للهروب من المسؤولية وتبعاتها!

لا يوجد شيء اسمه "فاتك القطار" أو راحت عليك الفرص، فجميع القطارات تعود لنفس المحطة، والقطار ما يزال على السكة حتى لو ابتعد عنك" وأنت تختار متى تشاء أن تركب القطار فقد تجده في انتظارك في المحطة التي تختارها وفي الزمان الذي تقرره وقد تعود بأثقال مختلفة، فقد تذهب بحقيبة هم واحدة وتعود بعشرة حقائب هموم متراكمة، وقد تضل الطريق وتفوتك المحطة ويخونك رفاق السفر، وقد تذهب بأشخاص وتعود بأشخاص آخرين! ونحن هنا في محطة الحياة المتنقلة بين ذهاب واياب!

هناك قطارات كثيرة قادمة فلا تعاتب نفسك وتتحسر وتندم بالانتظار فيجب أن تثق كل الثقة بان القطار لن يفوتك ما دمت على قيد الحياة، وكل ما هنالك فقط ان محطة القطار تتبدل بين الفانية والاخرى وما ذهب الان سيعود غدا، فقط اسع وابحث عن الفرص وعن سر الحياة فان لم تجدها في المرة الأولى فلا تترك السعي والبحث وتقعد متحسرا مكلوما حزينا، فالعلم والجد لا يحصل الا بالتعب، والرزق لا يجمع الا بالسعي، والفجر لا يشرق الا بعد ظلام دامس وليل طويل، والباب لا يفتح الا بعد القرع بشدة وحدة، فحاول مجددا وحب الحياة واثبت على الايمان فلا بد ان يفتح لك يوما ما،  ليس المُهّم أن تركب القطار، المهم أن تركب قطارك أنت الذي تصنعه بذاتك والذي يبدأ بالتحرك وقت ما شعرت أنت بأن الوقت قد حان، وأنك في أتم الاستعداد للانطلاق فانت لك توقيت في الوصول الى مبتغاك حتى ولو سبقك الآخرين بأميال وخطوات كانت أو أيام أو حتي سنين، فالسكة ما زالت ماثلة أمام عينيك تدلك على القطار إن أردت اللحاق به وركوبه.

2832 فاتك القطاربتنا نقرا  ونسمع عن ثقافة" فاتني القطار" فهل تلك العبارة هي تبرير للهروب من تبعات المسؤولية وتحميلها على القطار! ام هي هروب من تحمل المسؤولية الكاملة ! رغم ان الجميع يعرف ان القطارات تسير بتوقيت محدد ومعلوم، وهل بات مفهوم فاتني القطار مقرون بالزواج وعدم اللحاق بركاب الحياة باي سعي وانجاز الحياة عبارة عن محطة مهمة فيها العديد من القطارات، ولكل قطار مساره، فيها تتبدل الحقائب والأشكال والوجوه، قد نخطئ في اختيار القطار المناسب وقد يتعطل القطار وقد ينحرف عن مساره وقد نلجأ في بعض الاحيان ان نقفز من القطار قبل وصوله لشعورنا بعدم الارتياح لاختيار قطار اخر اكثر راحة وأكثر أمان، ولكن الحياة تستمر بنفس طريقتها صعود وهبوط وسفر ورجوع وفرح وحزن وشوق ولقاء، فاختاروا قطاراتكم بعناية ولا تركبوا ذاك القطار لمجرد أن الناس اختارته وهرولت في ركوبة، فاذا كنت قد اخترت قطارك المناسب فلتصحبك السلامة واذا كنت مترددا خائفا فاختر واجهتك ومسارك وقطارك بحكمة وعناية، وان لم يعجبك القطار فانزل واتركه واختار قطارك بحرص ولا تتعجل الطريق ولا الركاب ولا الصحبة فان لكل مرحلة ومحطة رفاق، وكل القطــارات لهـــا طريق عوده تفاءلوا خـــيراً بالأحسن والأفضل فسوف ستجدونـه، فالحياة ما هي الا محطات كثيرة متتالية ولكل منا قطارة السريع المملوء بالذكريات فاجعل نفسك وروحك مشرقة مبتهجة واثقة بعطاء الله، وكن على يقين بأن هناك شيء ينتظرك بعد الصبر ليبهرك وينسيك مرارة الألم والوجع، وكن على يقين بأن من داس على همومه انتصر ومن داست عليه همومه انكسر، وأعلم ان هناك كثيرون يعيشون ظروفا أسوا منك بمراحل ومع ذلك سعداء وهناك كثيرون يعيشون ظروفا أفضل منك ومع ذلك تعساء، فالسعادة قرار تتخذه أنت بكل قواك حتى لو كنت تعاني، فجاور السعداء تنعم وتسعد، واحذر من يحيطك بطاقته السلبية ويستكثر عليك النعم ويحاول دوما كسر فرحتك وتعطيل سعادتك فالبعد عنهم غنيمة والحذر منهم واجب، ولا تحزن اذا جاء أحدهم وهمس وقال لك ان القطار قد فاتك فقط ابتسم له وقل ان هناك قطارات اخري سوف تأتي أسمع صوتها جليا بكل أمل.

 

د. نيرمين ماجد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم