صحيفة المثقف

كريم المظفر: روسيا الموحدة يحافظ على تفوقه

كريم المظفرجلبت انتباهنا تلك التغريد التي كتبتها الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على صفحتها في "تلغرام" والتي سخرت فيها من الانتقادات التي كالها بيتر ستانو، المتحدث الرسمي باسم المفوض الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن على الانتخابات البرلمانية الروسية التي انتهت قبل أيام والتي أكد فيها بان هذه الانتخابات (أي الروسية) جرت "في جو من ترهيب المنتقدين المستقلين" وفي غياب" مراقبة دولية كافية.

وهنا استرجعت بعض المعلومات التي سبق وان اشرت لها في مقالنا السابق حول الانتخابات البرلمانية الروسية، وقرار روسيا الداعي الى تقليص عدد المراقبين الدوليين من 500 الى 250، ووجهت الدعوة الى جميع المنظمات الدولية والاوربية التي يتواجد فيها التمثيل الروسي، وذلك بسبب الإجراءات الصحية المفروضة على المراكز الانتخابية، ذلك القرار الذي تلقته منظمة الامن والتعاون الأوربي " بامتعاض " شديد، ورفضت ارسال مراقبيها، لان هذا القرار بحسب رأيها يقوض المراقبة الدولية لسير الانتخابات .

وهنا توقفت عند المقارنة التي سردتها الدبلوماسية الروسية في تغريدتها والتي تشير الى عدد المراقبين الذين من المقرر أن يتابعوا انتخابات البوندستاغ الألماني والتي ستجري  في 26 سبتمبر الجاري، والتي سيشارك فيها 47 حزبا و6 آلاف مرشح و60.4 مليون ناخب،، ولكن سيتابعها 4 مراقبين دوليين  فقط عن مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومن 3 بلدان، في حين راقب انتخابات مجلس الدوما  245 مراقبا دوليا من 59 دولة، و10 منظمات دولية و57 دبلوماسيا من البعثات المعتمدة في موسكو، وتساءلت  "وهذا يعتبره الاتحاد الأوروبي غير كاف! ... فهل سيتمكن الاتحاد من إعطاء تقييم واضح للانتخابات في ألمانيا؟"، عندها أحسسنا بحجم الاستفزازات والتضليل الذي تمارسه المنظمات الاوربية ضد روسيا .

الانتخابات البرلمانية جرت رغم صعوبات الإجراءات الصحية التي اتخذت من اجل الحفاظ على التباعد الاجتماعي، الا ان الاقبال كان غير متوقعا، ووصل الى نسبة مايقارب ال(45% )، وهي الأكبر بالمقارنة من انتخابات الدورة السابعة عام 2016 ، فسرها الكثيرون بان ذلك يعود الى انه ولأول مرة فتح المجال للتصويت الالكتروني عبر الانترنت لكبار السن والذين تمنعهم ظروف عملهم من الحضور الشخصي، وغيرهم ممن يجدون صعوبة في التصويت، وآخرون من المراقبين، رأوا في دعوة الرئيس فلاديمير بوتين في التصويت في هذه الانتخابات بمثابة المحفز الرئيس لهم، واثبتوا بحسب تعبير الرئيس بوتين بانهم (أي المقترعين) موقفا وطنيا نشطا .

حزب "روسيا الموحدة" الحاكم  رغم تحقيقه فوزا في انتخابات مجلس الدوما الروسي (مجلس النواب)، التي شارك فيها (14) حزبا، وحصوله عبر نظام القوائم الحزبية تشير إلى تقدم حزب "روسيا الموحدة"، الداعم لرئيس البلاد، فلاديمير بوتين، بـ49.83% ، حصد خلالها نحو 50% من الأصوات بعد فرز 99.84% من بطاقات الاقتراع، الا ان هذه النسبة افقدته جزءا من رصيده من مقاعد البرلمان، فبعد ان كان يحتل  في الدورة السابقة على 343 مقعدا وحصل على دعم 54.2% في التصويت الفدرالي العام كما انتصر في 203 دوائر من المقعد الواحد، الا انه اليوم سيزيد عن  300  بقليل، وهذه النسبة تؤهله للحصول على الأغلبية التامة.

وعلى عكس، فإن بعض الأحزاب الأربعة الأخرى قد حسنت من مواقعها داخل البرلمان بالمقارنة مع انتخابات عام 2016، فالحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية، الذي احتل الموقع الثاني بعد حزب روسيا الموحدة، فقد حصل على نسبة  ـ18.94%  (13,34 % عام 2016 ) ، وكذلك الحال بالنسبة للحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي الذي يترأسه الشخصية الجدلية فلاديمير جيرينوفسكي، واحتل المركز الثالث بـ7.52% ( 13,14 % )، بينما احتل حزب "روسيا العادلة - من أجل الحقيقة" المرتبة الرابعة بـ7.47% ( 6,22 %)، في حين احتل الضيف الجديد على مجلس الدوما بدورته الثامنة المرتبة الخامسة  بـ5.33%.، وبالتالي تمكنت 5 أحزاب من الوصول إلى مجلس الدوما، الغرفة السفلى من برلمان البلاد، لأول مرة منذ العام 1999.

حزب "روسيا الموحدة" تقدم أيضا  في 198 دائرة من دوائر المقعد الواحد، وتفوقه على سبيل المثال، في إقليم خاباروفسك وموسكو وبريموري وأمور وساخاليبينما، وجاء أعضاء "الحزب الشيوعي للاتحاد الروسي" في الصدارة في 9 دوائر، و"روسيا العادلة - من أجل الحقيقة" في 8 دوائر، وبحسب النتائج الأولية، يتجه حزب "روسيا الموحدة" للحصول على أكثر من 300 مقعد في مجلس الدوما، من مجموع مقاعد مجلس الدوما ال  450، ينتخب 225 منهم عبر القوائم الحزبية بتصويت فدرالي عام و225 عبر دوائر المقعد الواحد من خلال اقتراع محلي، وحصل الديمقراطيون الليبراليون - في اثنين، لكن أحزاب " رودينا والمنصة المدنية وحزب النمو "، على الرغم من أنهم لم يذهبوا إلى مجلس الدوما وفقًا للقوائم ولعدم تمكنهم من الحصول على نسبة الخمسة بالمئة المقررة للدخول الى مجلس الدوما ، الا انهم تمكنوا من الفوز في دائرة انتخابية واحدة، وفاز قادة القوى السياسية - أليكسي جورافليف ورفعت شيخوتدينوف، على التوالي،  وسيمثل حزب النمو في البرلمان من قبل أحد سكان سانت بطرسبرغ، أكسانا ديميتريفا، التي سبق وان كانت  نائبة  في مجلس الدوما بدورته  السادسة.

وينتظر قريبا ان يباشر الفائزون عملهم كأعضاء في المجلس الجديد بعد الاعلان المتوقع لنتائج الانتخابات النهائية الرسمية في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الجاري، و يُنظر إلى ترشيح آنا كوزنتسوفا، الممثلة التابعة لرئيس الاتحاد الروسي لحماية حقوق الطفل، كنائبة في البرلمان، أما بالنسبة لوزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو وكبير الأطباء في مستشفى كوموناركا دينيس بروتسينكو، فسيعودون إلى وظائفهم الرئيسية.

في المجموع، انتهت 4.4 ألف حملة انتخابية، والتي جرت في جميع مناطق البلاد البالغ عددها 85، بالإضافة إلى مجلس الدوما، صوت الروس لحكام تسعة مناطق ونواب 39 مجلسًا تشريعيًا،  وفاز القائمون بأعمال رؤساء المناطق في انتخابات حكام الولايات، ففي الشيشان، أصبح رمضان قديروف (روسيا الموحدة، 99.7٪) زعيم السباق الانتخابي، وفي توفا - فلاديسلاف خوفاليج (روسيا الموحدة، 86.8٪)، وفي منطقة تولا - أليكسي دومين (مرشح ذاتيًا، 83.9٪)، وفي منطقة أوليانوفسك - أليكسي روسكيخ (الحزب الشيوعي 83.2٪)، وفي منطقة بيلغورود - فياتشيسلاف جلادكوف (روسيا الموحدة 78.8٪)، وفي موردوفيا، فاز أرتيم زدونوف (روسيا الموحدة  78.3٪)، وفي منطقة بينزا - أوليج ميلنيشنكو (روسيا المتحدة 72.4٪)، وفي إقليم خاباروفسك - ميخائيل ديجاروف (56.8٪ من الحزب الديمقراطي الليبرالي)، وفي منطقة تفير - إيغور. رودينيا (52.3٪).

اما في انتخابات المجالس النيابية الإقليمية، تم تسجيل ما مجموعه 275 قائمة، وفي جميع المناطق الـ 39 التي أجريت فيها انتخابات البرلمانات الإقليمية، حصلت روسيا الموحدة على أغلبية الأصوات، وبالتالي حصلت على الولايات، وبشكل عام، في جميع المناطق، وسيحصل أعضاء روسيا الموحدة على 68.77 ٪ من الانتداب في المراكز الإدارية للمناطق، وحصل أعضاء روسيا الموحدة أيضًا على غالبية المقاعد في الهيئات التمثيلية للمناطق الحضرية، وفي عدد من الكيانات المكونة، أظهرت الأحزاب نفسها بشكل غير متوقع، حيث حصلت على أقل من 5٪ في الانتخابات الفيدرالية، وكان انتقال حزب الديمقراطية المباشرة إلى المجلس التشريعي لمنطقة الحكم الذاتي اليهودي ضجة كبيرة،  وهكذا، في روسيا، ازداد تمثيل الأحزاب في الهيئات التشريعية للسلطة – فقد كان هناك 14 منهم، والآن هناك 15، واستطاع حزبا يابلوكو والشيوعيون الروس، وفقًا للبيانات الأولية، التغلب على حاجز 5٪ في ثلاث مناطق، وتجاوزه الخضر في إقليم كراسنويارسك، ورودينا في منطقة تامبوف.

ووفقا للخبراء، سيتم تجديد الانعقاد الثامن لمجلس الدوما بالمقارنة مع السابع بنحو الثلث، وسيحدث ذلك بشكل أساسي بسبب التناوب الجاد للنواب الحاليين من "روسيا الموحدة"، فضلاً عن اندماج حزب "روسيا العادلة" البرلماني مع "باتريوتس" و "من أجل الحقيقة" غير البرلمانيين، وبهذا سيتم تجديد مجلس الدوما بنسبة 35-40٪ وكتلة روسيا الموحدة بنحو النصف، وهذا يتوافق تمامًا مع توقعات المراقبين، واحتفاظ روسيا الموحدة بأغلبية دستورية.

 

الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم