صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: أحزاب الأسلام السياسي في العالم العربي

قاسم حسين صالحالسقوط الأخير

من مفارقات ما حصل، ان الجماهير الشعبية التي اشعلت ثورات (الربيع العربي 2011) واطاحت بأنظمة استبدادية وطغاة، خطفت السلطة منها أحزاب الأسلام السياسي، مع انها لم تشارك في تلك الثورات، ومعظم قادتها اما في السجون او المنافي او يعملون في الخفاء .

وتفسير ذلك يعود ذلك لسببين: الأول، ان تلك الجماهير ما كانت موحّدة في قيادة سياسية، والثاني، ان الناس كانوا ينظرون الى قادة احزاب الاسلام السياسي بوصفهم مناضلين اشدّاء ضد حكّام مستبدين، ففازوا في الأنتخابات واستلمت الحكم في 2011، غير انها تقهقرت بعد عقد من (الربيع العربي).

وبعيدا عن الجدل وتعدد التفسيرات بخصوص (الأسلاموية) وما اذا كان (الاسلام السياسي) ايديولوجيا معاصرة، او ان (الأسلام هو الحل) .. فان ما يعنينا هنا هو: لماذا فشلت احزاب الاسلام السياسي في ادارة شؤون الناس سياسيا واقتصاديا؟ ولماذا سقطت اعتباريا حتى عند الجماهير التي اوصلتها للسلطة؟

كان آخر سقوط لها هو(8 ايلول/ سبتمبر2021). ففي هذا اليوم تلقى حزب العدالة والتنمية في المغرب هزيمة قاسية بشكل لم يخطر على بال ألد خصومه.. ان يتقهقر من 125 مقعدا في انتخابات 2016 الى 12 مقعدا! في 2021. والمخزي او المخجل، ان رئيس الحكومة الذي هو الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (سعد الدين العثماني) الذي ترشح في دائرة المحيط باالعاصمة الرباط.. فشل في نيل مقعد برلماني وفاز به شاب بعمر ابنه!

لقد وصفت صحيفة (نيويورك تايمز) خسارة أسلامي المغرب في الأنتخابات التشريعية بأنه "هزيمة آخر حكومات الاسلاميين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا".. وهذا صحيح في حدود شمال افريقيا (تونس، الجزائر، المغرب) وغير صحيح على صعيد الشرق الأوسط، لأن السلطة في العراق ما تزال بيد احزاب الاسلام السياسي.. مع انها كادت ان تسقط قبل سقوطها في المغرب.ففي مقال لنا في المدى بتاريخ(22/7/2018) بعنوان (صعود احزاب الأسلام السياسي في العراق وهبوطها) تناول الأسباب التي ادت الى صعود أحزاب الإسلام السياسي الى القمة بعد التغيير (2003)، والأسباب التي دحرجتها يومها من تلك القمة.. خلاصتها انها اعتمدت في(2006) سيكولوجيا الضحية واستخدمت آلية التخويف من الآخر في دعاياتها الأنتخابية التي ضمنت لهم اعادة انتخابهم(2010) رغم معرفة الناخب انهم فاسدون. وليس هذا اتهاما او قول شارع بل اعترافات مسؤولين كبار بينهم رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي الذي صرّح في البصرة (22 شباط 2017) بصرف سبعة ترليونات دينار عراقي على مشاريع لم يتحقق منها أي شيء! في اتهام صريح لسلفه السيد نوري المالكي الذي صرّح علنا بقوله "لديّ ملفات فساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها". وكنّا قد سألناه وقتها: بحق الإمام الحسين عليك.. هل خفت على الناس أم أنك صرت على يقين بأنك إن كشفت الفاسدين وأبناء المسؤولين من الخصوم.. فإنهم سيفضحون فاسدين كباراً من حزبك؟.. ولم يجب. والأقبح أن كليهما (المالكي والعبادي) لم يحاسب فاسدين أو استرجع منهم ما نهبوه من ثروة تكفي لبناء بلد خرج من حرب كارثية. والأقبح أخلاقياً أنهم عاهدوا جماهيرهم على العيش بكرامة وتخلّوا عنه، وفقدوا مصداقيتهم، وتركوا ملايين الشيعة الذين أوصلوهم الى السلطة يعيشون في بيوت الصفيح، و ثلاثة عشر مليون عراقي تحت خط الفقر باعتراف وزارة التخطيط، فيما صاروا هم يعيشون حياة باذخة ويشترون الفلل والشقق الفارهة في مدن العالم بعد أن كانوا معدمين.

استطلاع رأي

من عادتنا اننا نستطلع الأراء في مثل هكذا اشكاليات، فتوجهنا بهذا السؤال:

(كل احزاب الاسلام السياسي في الدول العربية فقدت السلطة الا في العراق، ما اسباب ذلك برايك؟).

شارك في الاستطلاع اكثر من 700 مستجيب بينهم اكاديميون واعلاميون.. توزعت اجاباتهم بعد التحليل على النحو الآتي:

طبيعة المجتمع العراقي

كان السبب الأول في بقاء كتل وأحزاب الأسلام السياسي في السلطة بالعراق يعود الى ان العراقيين تتحكم بها الطائفية وغياب الوعي والتخلف والجهل والتفكير الخرافي والتملق، وغياب الوعي الوطني الجمعي، فضلا عن ان احزاب الأسلام السياسي في الدول العربية لبس لديها مرجعيات دينية ومذاهب متعددة ومليشيات مسلحة كما في العراق.

احزاب السلطة

امتلاك كتل واحزاب الأسلام السياسي في العراق ثروة هائلة بشكل مشروع وغير مشروع، واستخدامها المال السياسي في شراء الذمم و توظيف من يمنح صوته لها في مؤسسات الدولة التي تقاسمتها فيما بينها بالمحاصصة، فضلا عن سيطرتها على الهيئات المستقلة لاسيما المفوضية والمحكمة الاتحادية لشرعنة افعالهم.

ضعف الدولة

غياب القانون واستقواء تلك الأحزاب بما لديها من فصائل وميليشيات مسلحة.. شكّل السبب الثالث في بقاء هذه الأحزاب.

التدخل الخارجي

احتل التدخل الخارجي المرتبة الأخيرة في اسباب بقاء هذه الأحزاب، وحددها المستجيبون بالآتي:

- العراق تحت حماية أميركا، وهي تريد اضعافه لتذهب به للتطبيع لأنها هي التي مكّنت احزاب الأسلام السياسي من السلطة، وبتخطيط امبريالي عالمي مع الموساد الأسرائيلي.

- ايران هي اللاعب الاول في العراق، وستبقى هذه الأحزاب ما دام النظام الايراني موجودا.

تحليل سيكوبولوتك

حددت نتائج الاستطلاع الأسباب التي مكنّت كتل وأحزاب الأسلام السياسي من البقاء في السلطة بالعراق، لكنها لم تشر الى ما يكمل الأجابة ويحسن التفسير.. نوضحه في الآتي:

المشكلة السيكولوجية التي تعاني منها قيادات هذه الأحزاب، انهم اعتبروا أنفسهم (ضحية) النظام الدكتاتوري.. ومن سيكولوجيا الضحية هذه نشأ لديهم الشعور بـ(الأحقية) في الأستفراد بالسلطة والثروة، معتبرين ملايين العراقيين في الداخل اما موالين لنظام الطاغية أو خانعين.. وأنهم، بنظرهم، لا مشروعية لهم بحقوق المواطنة.وما حصل سيكولوجيا ان شعورهم بـ(الأحقية) دفعهم الى ان يعتبروا العراق ملكا لهم.. فتقاسموه دون خوف، لأنهم عزلوا انفسهم لوجستيا ونفسيا بمساحة 10 كيلومتر مربع، محصنة أمنيا ومهابة بسفارة الدولة التي اسقطت نظام الدكتاتور واعترفت رسميا بانها دولة محتلة.. ونجم عن كل هذه التفاعلات السيكولوجية أن تحول السياسي الى حاكم مستبد.. ويعني الاستبداد سيكولوجيا شعور الحاكم بخوف يتنامى الى قلق، يتصاعد الى حالة رعب من خطر يتهدد وجوده الشخصي والأعتباري.

واشكالية قادة هذه الأحزاب السيكولوجية ايضا، انهم مصابون بـ(الحول العقلي) وهو مصطلح ادخلناه في علم النفس العربي ويعني ان صاحبه يقسّم الناس الى فريقين(نحن و هم)، وان تحكّمه في تفكيره يجبره على أن يغمض عينيه عن سلبيات جماعته ويضخّم ايجابياتها، ويعمل العكس مع الجماعة الأخرى.. وانه يحمل الشركاء سبب افقار الناس وخراب البلد وخلق الأزمات مع انه شريك فيها.فضلا عن ان حولهم العقلي هذا يدفعهم الى ان يكون معيارهم هو القرب والولاء منهم وليس الخبرة والكفاءة، التي بسببها فقد العراق الاف العقول التي هاجرت التي كان بامكانها ان تبني وطنا يحمل كل المقومات لأن يعيش أهله برفاهية.

واشكالية فكرية سايكو سياسية، ان نوافذ تفكير قادة هذه الأحزاب مغلقة ضد أي فكرة تخالف معتقداتهم الماضوية، وبسببها فأنهم يفتقرون الى الحنكة والدهاء السياسي لاسيما في العراق. فمع ان الاسلام يعتمد (الشورى) وليس الديمقراطية، فان حركة النهضة في تونس تمردت على النمط المصري (حكومة مرسي) بتشكيل ائتلاف مع حزبين علمانيين يوم فازت في الانتخابات، والمنهج نفسه اعتمده الأسلاميون في المغرب بتشكيل حكومة على النمط الأئتلافي.. ومع ذلك فشلوا!لأن (حولهم العقلي) اضطرهم مجبرين على تحالفات مع دول عميقة تابعة لقوى خارجية ذات نفوذ تؤمن بقاءهم في السلطة مقابل شروط يدفع ثمنها الناس والوطن.

والخلاص.. كيف سيكون؟

ان حاضرنا.. صار تائها في خياراته بعد وثبة تشرين 2019 حيث يومها كان الخيارواضحا ومحددا باقامة دولة مؤسسات مدنية.ومع ان انتخابات 10 تشرين/اكتوبر 2021 جاءت تنفيذا لمطلب تشريني ليكون خيار العراقيين نحو التغيير، فان مقاطعة قوى وطنية وتقدمية منح الفرصة لفوز احزاب الاسلام السياسي.وان الحال في العراق تحكمه حقيقة سيكولوجية، هي ان احزاب الأسلام السياسي يوحّدها الخوف من الناس، فيما قوى التغيير تفرّقها الأنانية.. ولن يكون الخلاص الا بأن تتوحد قوي التغيير بحال يخلق اليقين لدى الناخب العراقي بأنها هي الطريق الى التغيير.. وعندها يكون السقوط الأخير لأحزاب الأسلام السياسي في العالم العربي.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم