صحيفة المثقف

كريم المظفر: روسيا لتركيا: ألم تتعبوا من سماع التوبيخات!!

كريم المظفرأختارت تركيا لغة التصعيد الكلامي مع موسكو قبيل الزيارة التي من المتوقع  ان يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكما أعلن مكتب الرئاسة التركية، الى  روسيا في 29 سبتمبر الجاري، لإجراء محادثات مع نظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبدأتها بتصريحات عدم اعترافها بالانتخابات البرلمانية التي جرت في روسيا وبضمنها في إقليم القرم الروسي، وعززها الرئيس التركي أيضا بتجديده  أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عدم اعتراف بلاده بانضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، داعيا "للحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا"، وأضاف أنه "يجب بذل المزيد من الجهود لحماية حقوق تتار القرم".

وزاد من الطين بلة أيضا هو بيان وزارة الخارجية التركية الذي اكدت فيه إن نتائج التصويت في انتخابات مجلس الدوما التي أجريت في شبه جزيرة القرم ليس لها قوة قانونية بالنسبة لتركيا، وإن أنقرة "لا تزال تدعم وحدة أراضي أوكرانيا وتعتبر ضم القرم غير شرعي" وتصريحات السكرتير الصحفي لوزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيتش، بان أنقرة، مثل بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لا تعترف بشرعية الانتخابات الروسية لدوما الدولة التي أجريت على أراضي شبه جزيرة القرم.

وهكذا، أرادت تركيا قبيل زيارة أردوغان الى مدينة سوتشي الروسية  الساحلية والمطلة على البحر الأسود، حيث يعقد لقاءه مع الرئيس بوتين، أن تسمع موسكو، تأكيد أنقرة تمسكها بموقف أوكرانيا، وتستبعد في الوقت نفسه إمكانية الاعتراف بشبه الجزيرة كجزء من الاتحاد الروسي،  كلمات وعدت  وزارة الخارجية الروسية بـ "استخلاص النتائج" المناسبة، في حين أكد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف أن الخلافات مع الجانب التركي بشأن القرم لا ينبغي أن تعرقل تطوير العلاقات بين البلدين، مشددا في الوقت نفسه على أن روسيا لا تقبل ادعاءات أنقرة حول عدم شرعية الانتخابات في القرم الروسية، ولا تخفي ذلك عن الجانب التركي.

اللغة الدبلوماسية الهادئة هو ما ميز  رد المتحدث باسم الكريملين، الذي قال ان موضوع القرم هو موضوع تختلف فيه "مواقفنا تمامًا لكننا نأمل أن تغير تركيا موقفها بمرور الوقت، وتثني على الحقيقة والوضع الحقيقي للأمور"، مع التشديد على انه  لا ينبغي أن يكون وجود قضية مهمة توجد خلافات بشأنها عقبة أمام العلاقات، ويجب أن يستمر هذا التفاعل، وأوضح بيسكوف، أن روسيا تأسف لموقف تركيا إزاء القرم، معربا عن أمل موسكو "في تغير هذا الموقف مع مرور الزمن"، ومشيرا إلى أن تركا تبقى شريكا لروسيا وأن "الخلافات القائمة بين موسكو وأنقرة حول بعض القضايا يجب ألا تعرقل تطور العلاقات الثنائية".

أما وزارة الخارجية الروسية، فكانت لها رأي أتسم بقوة التعبير على لسان المتحدثة بأسمها ماريا زاخاروفا، والتشديد على أن روسيا لن تترك من دون اهتمام تصريح تركيا بعدم الاعتراف بانتخابات مجلس الدوما (النواب) في شبه جزيرة القرم الروسية، معلقة بذلك على تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلجيتش، الذي قال فيه إن نتائج انتخابات مجلس الدوما التي جرت في 17-19 سبتمبر 2021، فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم "ليس لها قوة قانونية بالنسبة لتركيا"، وقالت زاخاروفا  إن "تركيا تعلم جيدا أن القرم هو جزء سيادي من الاتحاد الروسي، وتعلم جيدا، أننا لن نترك من دون اهتمام مثل هذه التصريحات".

وتابعت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، تصريحاتها على قناة يوتيوب "سولوفييف لايف"، "إذا لم يتعبوا من سماع التوبيخيات و التذكيرات والقاطرات المقابلة من موسكو، فهذا يعني أنهم صبورون، لكن هذا لا يؤدي إلى أي شيء، باستثناء أننا نتوصل إلى استنتاجات مناسبة، والتي من الواضح أنها لا تفيد العلاقات الثنائية ".

المراقبون فسروا ما يجري من الجانب التركي، بأنه حديث يدور حول لعبة كبيرة تقوم بها تركيا "العثمانية الجديدة" ضد روسيا، وان انقرة تعيد  الآن التفكير في جميع السياسات الدولية، وترتبط هذه العمليات بهزيمة أرمينيا (ومن ورائها روسيا كما يقال) في قره باغ، وهزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، وتخطط أنقرة لترسيخ مكانتها كقوة ذات سيادة مع منطقة نفوذ خاصة بها، تغطي مناطق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ويشير  الباحث في القانون الدولي والمتخصص في الشؤون التركية بالجامعة الفدرالية لوكاس ليروس الى ان في هذه اللعبة، يمكن للولايات المتحدة وروسيا وحتى الصين  "أن يكونوا إمّا حلفاء أو أعداء "، اعتمادا على الوضع، لكن تركيا تلعب لنفسها، وبهذا المعنى، روسيا وتركيا عدوان فيما يتعلق بآسيا الوسطى.

كما هو معروف فان  موسكو بلا شك هي الراعي الاقتصادي لأنظمة آسيا الوسطى في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، لكن أنقرة تستثمر هناك بكثافة في القوة الناعمة والصناعة الثقافية، وتقوم ببناء المدارس التركية في جميع أنحاء آسيا الوسطى، وحتى بالعين المجردة، يمكن رؤية مدى تعاظم قوة المجلس التركي في السنوات الأخيرة، حيث أصبح منظمة قوية لها أجندتها الخاصة، معادية بشكل لا لبس فيه لروسيا،  بحسب المحلل السياسي ألكسندر سيتنيكوف، وبرأيه فإن المتجر  التركي سيغلق قريبا،  فلا مال فائضا عن الحاجة، ولكن في المجلس التركي، يعبر الأذربيجانيون و الكازاخيون الأتراك عن استيائهم من المعايير المزدوجة، على غرار "لا يمكن أن تكون نصف حامل" عندما يتعلق الأمر بالإمبراطورية العثمانية الجديدة، وأردوغان يدرك جيدا خطورة هذه اللوم على سياسته.

كما أن موضوع التناقضات بين تركيا وروسيا، يشمل أيضا  إمداد أنقرة بالأسلحة إلى كييف، على الرغم من حث موسكو مرارًا وتكرارًا الدول على الاهتمام بمشاعر النازيين الجدد في أوكرانيا قبل إبرام عقود الدفاع، ففي ديسمبر 2020، اتفقت تركيا وأوكرانيا على واحدة من هذه الصفقات الرئيسية – هي توريد أنظمة جوية بدون طيار من طراز Bayraktar والذخيرة وبناء سفن من فئة كورفيت للبحرية الأوكرانية، ووفقًا للسلطات التركية، تعتبر الدولة هذه العمليات حصريًا نشاطًا تجاريًا، وليست جزءًا من الجغرافيا السياسية، وبالتالي فهي لا تنظر إلى رأي موسكو، بالإضافة إلى ذلك، ذكّر جاويش أوغلو موسكو بأن الاتحاد الروسي قام أيضًا بتزويد دول غير صديقة لتركيا بالأسلحة، وأن أنقرة لم تطالب بإجابة في ذلك الوقت.

المحللون الروس يؤكدون ان انقرة تميل الى  ممارسة "العنصرية  " في مطالباتها، فهي حسب قولهم تولي  أهمية كبيرة وتعرب عن تضامنها مع المجموعة العرقية من المسلمين الاتراك، دون غيرهم من الديانات الموجودة في القرم، وان أحد أهداف مشاركتها في "منصة القرم" هو هذا الموضوع فقط، فتركيا،، تعتقد أنه أثناء ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، واجه تتار القرم التمييز والقمع والاضطهاد - وطالبت أنقرة مرارًا وتكرارًا موسكو بالإفراج عن الممثلين المحتجزين لتتار القرم تابعين لمنظمة" Mejlis"،  وتركيا نفسها هي الآن موطن لحوالي 3 ملايين شخص من أصول تتار القرم، ويلعب هؤلاء المواطنون دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد، بما في ذلك التصويت.

تطورات الخلافات الروسية التركية لا تنتهي، ففي آخر تطور كشفت صحيفة "سفوبودنايا بريسا" الروسية، عن أصابة عشاق الاستجمام الروس في تركيا بمرارة، لأن الطريق للاستجمام في تركيا سيكون مفتوحا فقط أمام الذين تم تطعيمهم بـ سبوتنيك V"، واللقاحات الأخرى "المصنوعة في روسيا" لا تعترف بها أنقرة، كما تم إغلاق الطريق أمام "سبوتنيك لايت"، الأمر الذي شكل صدمة للكثير من المواطنين الروس، حيث التزمت تركيا طوال الصيف بقاعدة "إذا كنت تخاف من كوفيد، فلن تحصل على المال" .

الزيارة المرتقبة لأردوغان التي تستغرق يومًا واحدًا إلى سوتشي، لن يغفل فيها  أردوغان فيها إثارة  المشكلة الحادة للأتراك في سوريا، وحقيقة أن خسائر الجيش التركي في إدلب تتزايد بسرعة، كما يعتقدون في أنقرة، ولا تخلو من مساعدة القوات الجوية الروسية، كما تقول صحيفة " سفوبودنايا بريسا "، التي تطحن القوات التركية بالوكالة، وان التصعيد الكلامي مع موسكو، هي محاولة من الرئيس التركي للحصول على تنازلات روسية، أهمها إنشاء منطقة أوسع، يفترض أنها منزوعة السلاح وغير مأهولة في إدلب، لكن تحت السيطرة التركية، ويبدو أن الإجابة على السؤال "كيف ستعاقب موسكو أنقرة على عدم اعترافها بالانتخابات في شبه جزيرة القرم؟" معروف جيداً، مع درجة عالية من الاحتمالية، والتي لا يمكن البوح بها، بأي حال من الأحوال.

 

بقلم : الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم