صحيفة المثقف

محمود محمد علي: فرج فودة.. مُؤسساً لتنظيم الجهاد العلماني (3)

محمود محمد عليكان "فرج فودة" فى كل كتاباته، يُحذر من تغلغل الأصولية الإسلامية على كل مظاهر الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية، لذلك كان ينادى بأنْ «نذهب إلى المساجد والكنائس لكى نسمع موعظة دينية لا يختلف عليها اثنان.. ونذهب إلى مجلس الشعب لكى نتطاحن ونختلف دون حرج أو قيد.. والمعنى: ليتكلم رجال الدين فى الدين، وليتكلم رجال السياسة فى السياسة. أما أنْ يرفع رجال الدين شعارات السياسة إرهابــًـا.. ويرفع رجال السياسة شعارات الدين استقطابـًـا، فهذا هو الخطر الذى يجب أنْ ننتبه له» (10).

ولذلك نجد "فرج فودة" في تناوله لشعار "الإسلام هو الحل"، الذي راج في عصور مصرية مختلفة، مثّل كتابه "الحقيقة الغائبة" أكبر مساهماته في البحث عن أصول عودة الخلافة، وتناول في ذلك الكتاب الرد على العديد من الأسئلة على شاكلة: "هل يوجد نظام حكم واضح المعالم في الإسلام؟ وهل هناك قاعدة في القرآن والسنة تحدد كيف يبايع المسلمون حاكمهم وتضع ميقاتا لتجديد البيعة؟ وهل هناك أسلوب محدد لعزل الحاكم بواسطة الرعية؟ وتثبيت حق الرعية في سحب البيعة كما ثبت لها حقها في إعلانها، وهل كان نظام الخلافة إسلاميا حقا؟"، وغير ذلك من الأسئلة التي استند في الإجابة عنها إلى ما ورد في كتب التاريخ الإسلامي، مستخلصا "إن الإسلام كدين أمر، والدولة بنظامها أمر آخر" (11).

ومن هذا المنطلق نجد "فرج فودة"  يختلف عن كثيرين من العلمانيين، لأنه لم يكتف بالدفاع عن (علمنة مؤسسات الدولة) وضرورة فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية، وإنما ضفّر ذلك بدفاعه عن خصوصية مصر الحضارية. لذلك كان يتصدى لكل من يهاجم القومية المصرية ؛ أمثال الشيخ "صلاح أبو إسماعيل "، الذى يرى أنّ «الداعي إلى القومية المصرية منتسب إلى الفراعين والعياذ بالله"، وهذا الشيخ كان "يرى أنّ المسلم الأمريكاني أهم من المسيحي المصري. إنّ الشيخ قد أصابني فى أغلى ما أملك- مصر- ذلك الوطن العظيم الذى لا أعرف معنى لوجودي إلا به.. ولا أعرف شيئــًـا يسبقه أو يعلوه انتماءً". (ذكر فودة فى الهامش أنّ هذا الفصل فى الكتاب سبق أنْ أرسله لمجلة المصور (المصرية) التى رفض رئيس تحريرها نشره- ص83 من الكتاب (12).

وفى سنة 1984 كتب "فرج فودة" : "أود أنْ ألفت أنظار أعضاء مجلس الشعب إلى أنّ عليهم مسؤولية كبرى فى مواجهة رواد الإرهاب الفكري داخل المجلس.. وما دام الشيخ صلاح وأنصاره قد اختاروا المجلس النيابي منبرًا، فليتحدثوا بلغته.. وليس للمجلس إلا لغة واحدة، هى لغة السياسة.. وليس له إلا جنسية واحدة، هى مصرية.. مصرية" (13).

والمناظرة التي جرت في معرض القاهرة للكتاب في يناير / كانون الثاني في الثامن من يناير 1992؛ تحت عنوان "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، وكان فرج فودة ضمن جانب أنصار الدولة المدنية مع الدكتور محمد أحمد خلف الله، بينما على الجانب المقابل كان شارك فيها الشيخ محمد الغزالي، والمستشار مأمون الهضيبي مرشد جماعة الإخوان المسلمين (14)،

وتظهر المقاطع المصورة للمناظرة أن الحديث عن دولة مدنية لم يلق قبولا عند أغلب الجمهور في قاعة المناظرة حيث ترددت هتافات دينية لدعم حجة الإسلاميين واستهجان حديث الفريق الآخر ؛ وبينما تركز الهجوم على أنصار الدولة العلمانية لكونهم "من أنصار الاستعمار الغربي ممن يردوا أن يحرموا اغلبية الشعب المسلم في مصر من حقه في دولة إسلامية" فإن "فرج فودة"  كان يشدد على أنه دعاة الدولة الإسلامية لا يقدمون سوى وعود براقة دون أي برنامج سياسي واضح (15).

وقد أثارت مناظرة معرض الكتاب وما تلاها من مناظرات حفيظة عدد من الإسلاميين إلى درجة أن نشرت جريدة النور الإسلامية بيانا لمجموعة من أساتذة العلوم الدينية، (ندوة علماء الأزهر) تشن فيها هجوما شديدا على فودة وتدعو إلى عدم السماح بالترخيص لحزبه (16).

كما شهد "فرج فودة"  مناظرة أخري قامت في نادي نقابة المهندسين بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992 تحت عنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وشارك فرج فودة ضمن أنصار الدولة المدنية مع الدكتور فؤاد زكريا، بينما كانت جانب نصار الدولة الدينية: الدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد سليم العوا، وشارك فيها نحو 4000 شخص (17).

ولم يسلم أحد من نقد "فرج فودة" ففي عام 1990 كان قد نشر كتاب "نكون أو لا نكون"، والذي ضم عدة مقالات، وأمر الأزهر بمصادرة الكتاب بعد طبعه، إذ تضمن نقدًا حادًّا لشيخ الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، نتيجة لاتهامه المدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام، وهو ما عده فودة تجاوزا لدور الأزهر الرسمي، وقذفًا لفريق من خيار المسلمين المجتهدين.

وقد اختلف "فرج فودة"  مع الجميع، وتعددت معاركه الفكرية، فأدان احتفاء اليسار المصري بسليمان خاطر (1961-1986) الذي قتل سبعة سياح إسرائيليين، وعندما اندلعت حرب الخليج الأولى في أغسطس 1990، كان فرج فودة من كتاب المعارضة القليلين الذين أيدوا موقف مصر الرسمي لتحرير الكويت. وقد خاض بسبب ذلك العديد من الصراعات السياسية مع كل من الإسلاميين والقوميين المؤيدين لصدام حسين وغزو الكويت (18).

كذلك في هذه المناظرة دافع "فرج فودة"  عن مشروع الدولة المدنية خلال المناظرة الأولى قائلا: "أنا أقبل أن تهان الاشتراكية، وأقبل أن تهان الشيوعية، لكني لا أقبل أن يهان الإسلام، الإسلام عزيز، نزهوا الإسلام".؛ وتابع: "يختلف الفرقاء في أقصى الشرق وأقصى الغرب، وأحدهم يصعد برجل إلى أعلى عليين، ويوثق هذا بالقرآن والسنة ومجموعة من كبار العلماء والفقهاء في دولهم، لا يا سادة حرام حرام نزهوا الإسلام" (19)

وفي 3 يونيو 1992 أصدرت جبهة علماء الأزهر التي يترأسها الإخوان فتوى بتكفيره، وبعد خمسة أيام في 8 يونيو 1992 وقبيل عيد الأضحى، قام مسلحان منتميان للجماعة الإسلامية باغتياله أمام الجمعية المصرية للتنوير التي أسسها (20).

وفي 8 يونيو/حزيران أطلق شابان ينتميان إلى الجماعات الإسلامية المتشددة النار على فودة أثناء خروجه من مكتبه في حي مصر الجديدة ليفارق الحياة، وأظهرت تحقيقات النيابة التي نشرتها صحف مصرية أن قاتلي فودة قالا إنهما تصرفا بناء على فتاوى من قيادات تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد (21)..... وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

......................

الهوامش

10- فرج فوده: الحقيقة الغائبة، دار الفكر للدراسات والنشر، ط1، القاهرة، 1987، ص 88.

11- المصدر نفسه،  ص 12-15.

12- فرج فوده: حوار حول العلمانية، دار ومطابع المستقبل، ط1، القاهرة، 1987، ص 46..

13- المصدر نفسه،  ص 16.

14- راجع –مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية – مناظرة بين الغزالي، محمد عمارة، مأمون الهضيبي عن الدولة المدنية، ومحمد أحمد خلف، فرج فوده عن الجانب الديني المدني العلماني، الدار المصرية للنشر والإعلام، القاهرة، 1992، ص 2.

15-المصدر نفسه، ص 8-9.

16- المصدر نفسه، ص 18-17.

17- المصدر نفسه، ص 22-25.

18- فرج فوده: الإرهاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988، ص 45.

19- المصدر نفسه، ص 89.

20- أحمد عبد الحكيم صحافي: قصة المناظرة التي قتلت المفكر المصري فرج فودة، مقال منشور بتاريخ الاثنين 10 يونيو 2019 1:49.

21- المرجع نفسه.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم