صحيفة المثقف

صلاح حزام: كيف يؤثر تخفيض سعر الصرف على ذوي الدخل المحدود؟

صلاح حزامشاهدتُ في أحد البرامج التلفزيونية مقطع فيديو يتحدث فيه السيد وزير المالية العراقي عن موضوع تخفيض سعر صرف الدينار العراقين ويقول انه لا يمكن ان يؤثر على مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود.

قال الوزير ان هذه الفئة لا تستخدم سلع مستوردة وان اكبر حصة من انفاقهم تذهب للأيجار. والا يجار يعتمد على مصادر محلية عراقية لا ترتفع اسعارها بسبب خفض قيمة الدينار. اما بقية احتياجاتهم، حسب قول الوزير، فهي محلية وليست مستوردة.

طبعاً هذا المنطق لا يتناسب مع بديهيات الاقتصاد..

بالنسبة لتكاليف الايجار التي يدفعها الشخص هي في نفس الوقت مصدر معيشة صاحب البيت المؤجّر..

واذا انخفضت قيمة الدينار تنخفض القوة الشرائية لمبلغ الايجار وسوف يطالب صاحب البيت بزيادة الأيجار.

وحتى بناء البيوت لايتم بمصادر عراقية خالصة بل تدخل فيها الكثير من المواد المستوردة بشكل مباشر او غير مباشر.. لذلك تتأثر تكاليف بناء البيوت باتجاه الارتفاع. وحتى بعض الصناعات التي تعتبر عراقية تعتمد على مواد مستوردة وتتأثر تكاليف انتاجها. وباقي حاجات الافراد محدودي الدخل كلها مستوردة بالعملة الصعبة وسوف ترتفع اسعارها.

حتماً:

لنفترض ان محدودي الدخل حاجاتهم هي غذائية فقط لغرض البقاء، من هي المادة التي تُنتَج محلياً؟ الزيت؟ السكر؟ الرز؟ السجائر؟ مواد التنظيف؟ الادوية؟ الملابس والاقمشة؟ الاجهزة الكهربائية والالكترونية؟

ماذا عن تكاليف النقل واسعار استيراد السيارات وقطع الغيار؟ الا تنعكس على تكاليف النقل؟ أم ان السيد الوزير له رأي آخر، ماذا عن تكاليف خدمات الطب والمحاماة والتصليح والصيانة. الا يريد مقدّمو تلك الخدمات تعديل اجورهم للحفاظ على مستوى معيشتهم؟

هناك حقيقة مفزعة لكل شخص له المام باوضاع الاقتصاد العراقي، وهي ان البلد لاينتج شيئاًن للأسف !!  البلد ينتج النفط ويستورد بعائداته كل شيء.

والارقام التي تعلنها دول الجوار، مثلاً، عن حجم صادراتها للعراق تكفي لازالة اي سوء فهم او تغطية !! اضافة الى ذلك، فأن الباعة والمنتجين لايرفعون اسعارهم بنفس نسبة انخفاض سعر الصرف عادةً بل اكثر من ذلك .. والاحصاءات التاريخية في العراق والعالم تثبت ذلك..

كما ان الاسعار التي ترتفع لن تعود الى الانخفاض حتى اذا زال سبب الارتفاع..

في الختام وتجنباً للاطالةن اود شرح معنى ذوي الدخل المحدود.

البعض يعتقد ان ذوي الدخل المحدود هم الفقراء بالضرورة، وهذا ليس صحيحاً.

صاحب الدخل المحدود هو الفرد الذي لايستطيع نقل عبء زيادة الاسعار ويضعها على كاهل شخص آخر.

وبهذا المعنى فأن الموظف البسيط والوزير والمدير العام كلهم ذوي دخل محدود..(انا هنا استبعد موضوع الفساد الذي يمارسه بعض اصحاب المناصب واقدّم التعريف بالمعنى العالمي).

اما صاحب التاكسي ومصلح السيارات والطبيب وباقي العاملين لحسابهمنفأنهم ليسوا من اصحاب الدخل المحدود لانهم يستطيعون رفع اسعارهم وتعويض ارتفاع الاسعار.

والخلط يحصل بين ذوي الدخول المنخفضة وبين ذوي الدخل المحدود وهو خطأ شائع .

ولغرض الدقّة الأكاديمية اورد التسمية الانكليزية لكلا المصطلحين:

limited income groups/ذوي الدخل المحدود

low income groups/ ذوي الدخول الواطئة

ويجري تصنيف الدخل باعتباره منخفضاًن قياساً بمستلزمات الحد الادنى من الدخل اللازم للحصول على حياة لائقة.. وتعتبر خطوط الفقر المختلفة افضل مقياس لذلك. كان يجب على الوزير قبل التصريح، الرجوع الى نتائج بحوث نفقات ودخل الاسرة (بيانات ميزانية الأسرة). ذلك يقدم له صورة واقعية عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلد الذي يعمل فيه..

والمطالبة بتدخل اجهزة الدولة لتحديد الاسعار ومنع الزياداتن لاتتناسب مع مايُراد للاقتصاد العراقي من ان يكون اقتصاداً حراً يعمل وفق آلية السوق الحرة.

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم