صحيفة المثقف

محمود محمد علي: عزت عبد الله أحمد.. الجيولوجي المبدع والوزير الناجح

محمود محمد عليما زلت أزمن بل ربما أكثر من أي وقت مضي، بأن الإلهام يُعد أحد أكثر الصّفات المُميّزة للقائد الإداري النّاجح، فبهذه الصّفة يكون له القدرة على مُساعدة كل فرد من أفراد فريق العمل يسعى للتميّز للوصول لهذا الهدف، فتكون نتيجة ذلك تحقيق نجاح المؤسّسة ككل، وينبع ذلك من قدرة المدراء الكبار على إدراك رغبة الموظّفين في إحداث تغيير في العالم فيلهمونهم بطريقة تدفعهم نحو ذلك وتجعل تأثيرهم الإيجابي يمتد ليشمل مُجتمعاتهم.

ولذلك تعد عملية الإلهام من أهم المقومات الأساسية للإدارة الناجحة في جامعاتنا المصرية، بعدها محور العملية الإدارية وأهم عناصرها وهي مهمة ملازمة لعمـل القيادات الإدارية في مختلف المستويات التنظيمية، وعليه يصح القول الذي يؤكد علـى أن مقدار النجاح الذي تحققه أي جامعة يتوقف إلى حد كبير على فعالية وكفاءة القرارات المتخذة وملاءمتها للهدف المحدد على مختلف المستويات.

كما تعد القيادة من الموضوعات التي شغلت العالم منذ القدم وعلى الرغم من اتفاق العديد مـن الباحثين والدارسين على استراتيجيات القيادة الكفؤة والفعالة إلا أن ما صلح منهـا بالماضـي لايصلح في الوقت الحاضر أو في المستقبل.

والأستاذ الدكتور عزت عبد الله – رئيس جامعة أسيوط الأسبق ومحافظ بني سويف الأسبق، وأستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم المتفرغ، ذلك الوزير الناجح الذي استطاع أن يمتلك نظرة استراتيجيّة للأمور المتعلّقة بمشاريع العمل الإداري سواء داخل الجامعة أو خارج نطاقها الضيق.

علاوة علي أنه أحد أساتذة علم الجيولوجيا الذين استطاعوا من خلال بحوثهم ومؤلفاتهم في الجيولوجيا أن ينقل البحث في دراستها من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارماً إلي أبعد حد: فالنص العلمي لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

ولهذ كان عزت عبد الله دون شك بشهادة الكثيرين أحد سادات الثقافة الجيولوجية في مصر والعالم العربي في القرن العشرين، وأحد كبار الأساتذة في الجيولوجيا الذين قدموا كتابات ومؤلفات وترجمات أقل ما توصف به أنها «ممتازة»، وأنها من أفضل ما كتب في العربية واللغات الأخرى في بابها، لمن يبتغي البحث عن البدايات والخطوات الأولى في مدارجها.

ولد عزت عبدالله أحمد في مدينة منفلوط محافظة أسيوط، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم "جيولوجيا" بتقدير ممتاز دور يونيو 1973، ثم درجة الماجستير في العلوم " جيولوجيا 1978م، درجة الدكتوراه " جيولوجيا" 1983م من كلية العلوم – جامعة أسيوط، وتدرج في العمل الجامعي حتي وصل الي استاذ الصخور الرسوبية بقسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة أسيوط ثم شغل منصب رئيس جامعة أسيوط. ثم محافظا لمحافظة بني سويف.

فبصفته وزيرا وعالماً نجح في أن تكون لديه نظرة شاملة وعالية للإداري النّاجح الذي يملك قدرا عالٍيا من الثّقة بالنّفس، ممّا يُظهر للآخرين قدرته على تحمّل مسؤوليّاته؛ والدليل علي ذلك نجاحه الباهر في تطوير العملية التعليمة بجامعة أسيوط، حيث نجح خلال توليه رئاسة جامعة أسيوط من أن ينجح في إنشاء فرع للجامعة المصرية للتعلم االلكتروني بجامعة أسيوط، وكذلك نجاحه إنشاء مركز تكنولوجيا المعلومات بالجامعة بالتعاون مع وزارة الاتصالات، وكذلك إنشاء مركز تطوير التعليم بالجامعة، وإنشاء مركز اللغة الروسية بجامعة أسيوط، ثم السماح لطالب الجامعة بمراجعة أوراق الإجابة، وفتح برامج جديدة مثل الميكاترونك Mechatronics بكلية الهندسة والكلينيكال فارماسي Clinical Pharmacy بكلية الصيدله بجامعة أسيوط، وعمل برنامج تعليميه مشتركه مع جامعة بيتاجورسك الروسية بموجبه يدرس طالب جامعة بيتاجورسك فصل دراسي بقسم اللغة العربية بكلية اآلداب بالجامعة، وإنشاء مجمع للمدرجات والقاعات لإلمتحانات لحل مشاكل كليتي التجارة والحقوق بجامعة أسيوط، وتكييف المدرجات والمعامل بجامعة أسيوط، وعقد مجلس العمداء قبل موعد مجلس الجامعة وذلك لالستماع من السادة العمداء عن مشاكل العملية التعليمية والبحثية بالكليات والمساعدة في حل هذه المشاكل.. الخ.

ليس هذا فقط بل لقد علمنا عزت عبد الله ( مع حفظ الألقاب ) القدرة علي التنبؤ وبُعد النظر والقدرة علي قيادة الأفراد والتنسيق بينهم، وكذلك القدرة علي اتخاذ القرارات، والقدرة علي التحفيز ولبحث عن أفضل طرق العمل، وتحمل المخاطر، وتجنب التوبيخ والابتعاد عن الحقد، والابتكار والإبداع والابتعاد عن السلطوية، فالوزير الناجح هو من يشجع فريقه عن العمل، وهذه الصفات في مجموعها تعد صفات حبي الله بها كثير من القادة المبدعين أمثال عزت عبد الله.

وخلال عمله كمحافظ كانت له انجازات لا تنسي منها علي سبيل المثال لا الحصر : إنشاء أول مدرسة للمياة والصرف الصحي في مصر، وإنشاء مركز للكبد بمستشفي بني سويف العام، وفتح العديد من الطرق داخل مدينة بني سويف ومركزي أهناسيا و ببا وذلك لمنع حدوث اختناقات مرورية، وإنشاء العديد من الوحدات السكنية بمدينة بني سويف ومراكز الفشن وببا وأهناسيا والواسطي، وتوصيل المرافق لمنطقة كوم أبو راضي الاستثمارية، وتشجيع وتقديم كافة التسهيالت الخاصة باالستثمار لدفع المحافظة في هذا الاتجاه، وإنارة الطرق الصحراوية الخاصة بمحافظة بني سويف، والتركيز علي تنفيذ العديد من القوافل الطبية لخدمة المواطنين بقري ونجوع محافظة بني سويف، وفتح طريق بني سويف – دمو – الفيوم.. وهلم جرا.

ولذلك قال عنه الأستاذ محمود الحندي :" أعرف الدكتور عزت عبد الله محافظ بنى سويف عن قرب، اعرفة منذ ان كان رئيساً لجامعة أسيوط،فى البداية كنت اظن أنه لا يختلف عن باقى رؤساء الجامعات المعينيين من قبل الحكومة، فمعيار الأختيار واحد فى أغلب الأحيان كانت فترة بقاءة فى منصب رئيس الجامعة تمر دون ضجيج " سياسى "، لكن إحترامى له بدأ فى الوقت الذى تصدى فيه لنفوذ اللواء نبيل العزبى محافظ أسيوط، والذى يُسير الأشياء فى أسيوط وفقاً لإرادتة المنفردة، الجميع خاضعون له، يطيعونه، يتدخل فى شئون كل ما يقع على أرض أسيوط، حتى ولو كانت الجامعة والتى هى خارج نطاق سلطتة كان يريد العزبى أن يطلع على كل كبيرة وصغيرة فى الجامعة، طريقة عملها، يضع لها الخطط، لينفذها الدكتور عزت عبد الله، لكن عزت رفض ذلك، وقرر وضع النقاط فوق الحروف ... لينتقل بعدها الى منصب محافظ بنى سويف، والذى كان يرى البعض ان عزت لن يصلح لشغله، فهو أستاذ جامعى يمكن ان يدير العملية التعليمية، لكنه من غير الممكن أن يدير عملية سياسية وأقتصادية وشعبية، متمثلة فى محافظة باكملها .. لكن الدكتور عزت ولأنه " راجل صعيدى " على قدر المسئولية، نجح فى ان يقود المسيرة بمحافظة بنى سويف، ولم يخيب ظن من اختاروه لشغل هذا المنصب .. بعد توليه مهام المحافظة، بدات أقترب من فهم طبيعة شخصية هذا الرجل، فحضرت عدد كبير من الإجتماعات التى تعقد لحل مشاكل المستثمرين، وتقابلنا أكثر من مرة فى زيارات وزير الإسكان لتلك المحافظة .. واكتشفت ان الرجل ناجح بكل المقاييس، فهو صعيدى يتحدث وسط أعضاء الحكومة بلهجة اهالى اسيوط، ولم لا وهو واحد من أبناء تلك المحافظة، لا يحب المراوغة فى العمل، لا يخشى سطوة ونفوذ بعض رجال الأعمال، يرفض الموافقة على ما يخالف القانون، ويرحب بمساندة الملتزمين به هذا هو عزت عبد الله، والذى اعتدى عليه بعض البلطجية لإرغامة على تركهم يحفرون ويسرقون التيار الكهربائى، دون تدخل ظنوا انهم بذلك قد أرهبوه، لكن الحقيقة أن ما حدث يثبت أن الرجل يسير فى طريقة الصحيحة، وان هذا الإعتداء ما هو الإ وسام على صدر المحافظ .. المحترم

تحية طيبة للدكتور عزت عبد الله الذي يمثل لنا نموذجاً فذاً للجيولوجي البارع الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، هذا الرمز العلمي المتميز: عملاً وتعاملاً وخلقاً، والذي نذر عمره لخدمة مصر والعالم العربي، يستحق تكريماً داخل الوطن يليق به، ويرقى لشموخ عطائه وإنجازه.

وتحيةً أخري لرجلٍ لم تغيره السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً.

بارك الله لنا في عزت عبد الله قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه السفهاء، وأمد الله لنا في عمره طبيبا يعالج أوجاعنا، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليه ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

 

د. محمود محمد علي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم