صحيفة المثقف

المولدي فروج: في شرح الشعر وتشريحه

المولودي فروجقلّما مرّ كاتب على بلاد الأدب ولم يعرّف الشعر أو لم يترك رأيه فيه. فعلها الجاحظ وابن خلدون وابن قتيبة وابن طباطبا وابن منظور والجرجاني والفيومي وغيرهم. لذلك يمكننا أن نحصي تعريفات الشعر بالعشرات أو بالمئات. فكل شاعر يعرّف الشعر كما يرى وبما يتناسب وشخصيته. وقد تكرم النقاد أيضا على الشعر بتعريفات عديدة تتلاقى أحيانا وتتبادل حوافرها أحيانا أخرى وقد تصل إلى حد التضارب فلكل موقف مما يكتب وتفسير لما يفهم حتى أوشك الشعر أن يصبح سائحا يلبس في كل مناسبة جبة جديدة.

وقد تعددت التعريفات ما بين العلمي والمجازي وبين المحسوس والملموس وبين الكيميائي والسيميائي وبين الذاتي والموضوعي. وتتكئ أكثر التعريفات على عمود فقري موحد يتمحور حول ما يلي: الشعر كلام موزون مقفى يدل على معنى أو هو كلام مفصل قطعا قطعا أو هو كلام الوجدان. في اعتقادي أن هذا التعريف منقوص لعدة أسباب أهمها أنه لا يعترف بالشعر غير الموزون وثانيا لأنه يعتبر الشعر كلاما بينما هو فن يمارس داخل اللغة. ولن أدعي أنني سأنهي المسألة بجرة المشرط فأشرّح وأشرح معنى كلمة شعر ولكنني أرى أنه باستطاعتي التركيز على العنصرين الأساسيين في الكلمة الكيمياء (العناصر المكونة) والسيمياء (العلامات) أو الدال والمدلول والقاصد والمقصود واللفظ والمعنى.

فحين أبحث عن عبارة شعر ومشتقاتها وأصولها لا يمنحني المعجم كثيرا من الألفاظ الشبيهة، الشرعية منها والهجينة، التي تنحدر من نفس الجذع ونجدها تحوم حول معنيين اثنين أولهما الإحساس (شعر/شعل /شعف) وثانيهما الانتشار والتفرق(شع / شعا/شعي /شعث /شعب و شعق)

إن لكلمة شعر سحرا خفيا لا يدركه إلا القليل من الناس فهي تحمل في باطنها ما يوحي بكيميائها وسيميائها معا وهي مكونة من ثلاثة حروف: حرف الشين وحرف العين وحرف الراء. وقد تكون الصدفة قد تكرمت على بتفسير مقنع يغني عن كثير من التعريفات.

فحرف شين يحيلني إلى الشعور بمظاهره الثلاثة (الإدراك والنزوع والوجدان) والشعور هو مجازا لغة القلب. أما حرف العين فيحيلني إلى العبارة وهي الكلام الذي يبين به الإنسان ما في داخله. وهي مجازا لغة الذاكرة التي تحفظ ما نتعلمه من لغة.

و أما حرف الراء فيحيلني إلى الرؤية وهي لغة العقل الذي يرى ويزن ويفكر.

فإذا اجتمعت اللغات الثلاث وإذا ما أحسن الشاعر اختيار العبارة الرشيقة وشحنها بالصدق في إحساسه وأضاف إليها من المعرفة ما يبرر قوله كان. وإذا شدها إلى بعضها بعصب موسيقي يدخل النفوس كانت الصورة الشعرية.

لا بد إذا لكل نص من أن يحتوي على الإحساس واللغة والعقل ليكون شعرا. ويكون أجمل بالإيقاع. لأن الإيقاع عصب يشدّ العناصر إلى بعضها فتكون الصورة الشعرية الجميلة ترجمة سيميائية لكيمياء الكلمة.

 

المولدي فروج / تونس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم