صحيفة المثقف

جواد غلوم: قواعد الفساد الستُ عشرة في عراق الموبقات

جواد غلومنظرا لأني أعيش منذ ما يقارب العقدين في عراق الواق واق وأنواع الشقاء وفقدان الوفاق بعد ان حططت الرحال فيه بعد غربة طويلة في الشتات البعيدة والقريبة حيث يمرح الفساد الان في كل ملاعب وساحات هذا البلد ويظهر بكامل طلعته المقززة المقرفة بلا ايّ استحياء من الضمير والعفّة والاكتفاء بالممكن والرضا.

 لذا ارتأيت من خلال معايشتي إياه طوال عقدين من السنوات ان أضع قواعد الفساد الست عشرة لأني ألمحه يوميا وأشم زفرته وزناخته وعفنه بهذه البلاد المسماة عراق البلايا والرعب والحيف والغبن والتي تعيش بموازين منكسرة ومعايير منحطة لا تجدها حتى في اكثر المجتمعات انحطاطا وقهرا وحيفاً.

دعني أخاطبك سيدي الفاسد ذا الضمير القذر؛ فهذه القواعد التي سأذكرها تنجيك حتما من العقاب والتساؤل لتمرح كما الفئران في مسكنٍ كأنه خالٍ من ساكنيه او هم في سكرة مستديمة يعمهون.

لا تكن وحدك.. فالفساد عمل جماعي شرّير ذو ألاعيب ويتطلب مشاركة الفاسدين والتئامهم مع بعضهم البعض وتوثيق الصلة الدائمة بينهم.

وهنا يجدر بك ان تبحث عن الرجال الذي يقال عنهم إنهم فوق القانون يدوسونه بأحذيتهم متى شاؤوا.

 اشترِ شراكتهم بغالي الأثمان؛ فهؤلاء يعلمونك مهارات لا يمتلكها غيرهم ولا يحوزها حتى الجنّ الازرق ، فيختصرون عليك الزمن في صعود سلّم الفساد بشكلٍ آمن وإتقان.

واحذر أنت من طمعك المفرط فإنك سترتكب خطأً جسيماً إذا كانت حصّتك من " الوليمة " أكبر من حصّة من هو أعلى منك جاها وحظوة ومركزا.

تكون بالتساوي كن كريماً واجعل شعارك "ربِّ ارزقني وارزق صحبي ".. ففتات الفساد الذي توزعه على الفاسدين الصغار فسوف يشجعهم عطاؤك لإتباعك لاحقاً وطلب المزيد من الوليمة. اما

وخامسها: ان الفاسد المحترف يا قارئي العزيز لابد أن يكون قانونياً ، فالمختلسون البدائيون التقليديون يذهبون إلى السجن.. أما حاذقو الفساد وصنّاعهُ فيصفق لهم الناس ويكرّمون أمام عدسات المصورين.

وسادسها: لا بد من ان تتعلم ايها الفاسد كيف تخفي أدلّة فسادك وتغرقها في أقرب مجرى للسيول.. فإغراقها أسهل من دفنها ، ولابأس من إحراق وثائقها الأرشيفية قصدا وعمدا لتغدو أدلّتها ومعالمها في مهب الريح والدخان.

سابعها: لا تخف.. ولا تخجل من الفساد ، فإمبراطورية الفساد أكبر إمبراطورية في العالم.. موجودون في كل مكان على شكل خراتيت وآفات وحيتان ضخمة جدا.

ثامنها: أقم بشكل دوري الحفلات الصاخبة واجمع المتنفذين في القطاعين العام والخاص؛ فكلما زاد السهر زادت الحظوة والنفوذ واستدراج الآخرين.

تاسعها: تعلم مصطلحات الفساد جيدا ، فالفاسد يكره كلمة "رشوة " فهو يحب أن يسميها "عمولة" او كومشن والحديث الوحيد الذي يحفظه ويحبه ويردده دائما: " تضامنوا مع بعضكم ايها الفاسدون تحابوا ويشتدّ عودكم ".

عاشرها: لا تنكر الفساد وتدّعي انه غير موجود في مفاصل الدولة وقل انه شائع ومتّسع.. بل تحدّث على أنه كبير إلى حد لا يمكننا إزالته بل علينا " الائتلاف والتعايش معه ".

تحدث ايها الفاسد مليّا عن " الشرف والنزاهة" وأكثرْ من الشعارات والخطب الرنانة.. ولا تتوقف عن لعن الفساد وشتم الفاسدين فالفاسد أكثر بلاغةً وحنكة خطابية مقنعة في شتم المفسدين ولصوص السياسة.

اما الفقرة الإحدى عشرة فتوصي بما يلي:

 اجعل صورتك نظيفة و قدم خدمات جليلة لمطاردي الفساد.. خذ معهم صوراً تذكارية وابحث عن " أبواق إعلامية " تساعدك؛ فالانتهازيون من الإعلاميين يختصرون عليك خطوات كثيرة لو أغدقت عليهم الملاليم البخسة ودعوتهم الى وليمة أو جلسة سمر فهذه الدعوات تكفيهم طالما هم قنوعون بما تهبهم من فضلات ضئيلة ودريهمات شحيحة.

 الفقرة الثانية عشر:

الفساد مرض معدٍ ، وصاحب الدخل المحدود ، الذي تمر الملايين من تحت يديه سيضعف يوماً ما مادامت يد الرقابة هزيلة وواهنة ولا تمتلك سوطا أو سيفا.

الفقرة الثالثة عشر: لا تكترث بالمثقفين ولا تعبأ بهم فهم ايدولوجيون موتورون يتطاحنون بينهم بعيداً عنك.

أما القاعدة الرابعة عشر: إذا عثرت على قاضٍ فاسد فقد وجدت كنزاً لا يقدر بثمن.. فاغدق عليه وفيرا وارضِ مطامعه لأنه عملة نادرة ، ولن يسأله أحد ويقول له: من أين لك هذا ؟؟ طالما هو ضمن السلطة القضائية.

"الشفافية" ، فهي بداية النهاية لك وللمحيطين بك وحاربْها بكل ما استطعت من قوة وإلى الفقرة الخامسة عشر ما قبل أما القاعدة ما قبل الاخيرة: احترسْ من عدوك الذي يسمى العفاف والاكتفاء  وليكن " الضمير" باقيا دائما في سبات ونومٍ كهفيّ عميق واحذره من اليقظة؛ فسوف يكسب المعركة لو أفاق من غيبوبته على حين غرّة.

وأخيرا القاعدة الستُ عشرة؛ تعكّزْ على عشيرتك وشيخها المتنفذ القويّ وأكرمه جزيلا لضمان وقوفه مع رهطه معك في الملمّات ولا بأس ان تستند الى عمائم رجال الدين الشرهين وهم كثرة كاثرة لا تعدّ أمام رجال الدين الآخرين الذين يعدون من النزيهين وهم الأقلية القليلة جدا ولا تتجاوز اعدادهم أصابع يديك ممن يخاف الله؛ كلُّ هذا ليكون جدارك منيعا وسندك حصينا.

تلك هي القواعد التي عليك إتباعها وسوف لن تلقى مثلها ولو شددت الرحال بمطاياك في كل أرجاء المعمورة ودخلت في أرقى أخاديد البذاءات والسفالات غورا.

 

جواد غلوم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم