صحيفة المثقف

علجية عيش: في حديث عن جبهة الدفاع عن افريقيا الشمالية

علجية عيشلماذا جُرِّدَ طارق بن زياد من القيادة العسكرية ونُفِيَ إلى المشرق برًّا؟

لا يزال السؤال لم يلق له جوابا عن سبب تجريد القائد الأمازيغي طارق بن زياد من القيادة العسكرية ومن نياشينه العسكرية ونفيه إلى المشرق برًّا، حيث أصبح يتسوّل في  حارات دمشق لا يجد قوت يومه، وغيّبته الأسرة الحاكمة وأدخلته طي النسيان حتى مات سنة 110 هجرية، ولم تعد الأسرة الحاكمة رُفَاته إلى مسقط رأسه ولم تخلده بذكرى تليق ببطولاته؟ الإسلام طبعا بريئ من هذه السلوكات الوحشية اللاإنسانية، ليت شعوب المغرب العربي بل سكان افريقيا الشمالية أن يراجعوا تاريخهم عندما وحدهم الإسلام ويجعلوا منه عبرة للأجيال القادمة فلا تفرقهم السياسة.

أمام وحشية الفرنسيين في افريقيا الشمالية ومساعس سلخ سكانها فبادتهم باقسى الوسائل بعدما تم الزج بزعمائها في السجون والمعتقلات والحكم عيهم بالإعدام وآخرون قتلوا بسبب ميوهم الوطنية بات من الضروري تأسيس حركة يدافع أصحابها عن أفرييا الشمالية (تونس الجزائر ومركش)، كانت البداية بتأسيس جمعية الجالية الجزائرية واللجنة العليا للدفاع عن الجزائر اشترك في عضويتها شخصيات عربية من جميع ألأقطار والدول والحكومات، ومن هنا جاءت فكرة تاسيس هيئة عامة لجمع الشمل وتوحيد الرأي، تأسست هذه الهيئة في 1944 وأعطى لها اسم "جبهة الدفاع عن افريقيا الشمالية" يرأسها العلامة محمد الخضر حسين شيخ الأظهر سابقا ونائبه الأمير مختار الجزائري والشيخ فضيل الورتلاني سكرتيرها الخاص، وكان ضمن الجبهة أعضاء من جميع أقطاب المغرب العربي وأحزاب سياسية  ووضعت في برنامجها مكافحة الإستعمار بكل اشكاله ووحدة صفوف الشعوب الإفريقية واسست الدبهة وسيلة إعلام لنشر نشاطاتها وتكون همزة وصل بينها وبين الشعوب الأفريقية، فكانت مجلة "النذير" المصرية فضاءً إعلاميا لنشر نشاطات الدبهة في شكل مذكرات، ترقيات ونداءات لنصرة قضايا شعوب افريقيا الشمالية وخدمة الأوطان.

كان الهدف من الجبهة هو استقلال شعوب شمال افريقيا  وضمها إلى الدول العربية، تنوير الأذهان ووضع حد للعصبيات، خاصة وأن الجبهة كانت على اتصالات مع الجامعة العربية التي كان يرأسها  عبد الرحمان عزام باشا، الملاحظ أن الشخصيات التي كانت تمثل الجبهة وتراسل الهيئات القوية وبخاصة الجامعة العربية كانت تقدم شعوب افريقيا الشمالية على أنهم كلهم عرب وليسوا أمازيغ، من أجل إرضاء وكسب ثقة الجامعة العربية لغاية في نفس يعقوب، وكان ممثلو الجبهة في إحدى مذكراتهم إلى دول الأمم العربية وإلى الأمم المتحدة تؤكد أنه في شمال افريقيا أمّة عربية، متنكرة للأمازيغ ولجهودهم في تحرير بلدانهم، ما جعل فرنسا تستغل عصبية ممثلي الجبهة وإنكارها للتيار الأمازيغي في شمال أفريقيا من خلال إصدار "الظهير البربري" واستعمالها كلمة البربري الذي يعني التوحش، هو مصطلح ابتكره الرومان وهذا من أجل وصف الشعوب الأمازيغية بأنهم  برابرة، لأنهم دافعوا عن أراضيهم وأوطانهم وواجهوا الغزو الرّوماني لشمال افريقيا بشراسة، ولذا لم تسنعمل فرنسا عبارة "الأمازيغي" من أجل استفزاز شعوب افريقيا الشماية التي كانت تضم مزيجا من الهويات حتى تغرس ثقافة الإنقسام والتشتت بين الشعوب تحت شعار "فرق تسد".

في عصر التكتلات يتجدد الصراع حول الهوية

وإن كانت مذكرات الجبهة أثمرت في التفاف الدول العربية حول تقرير مصير سكان افريقيا الشمالية إلا أن التنكر لوجود الأمازيغ في شمال افريقيا كان الفتيل الذي تولد عنه الصراع العربي الأمازيغي ومطالب الأمازيغ في استعادة هويتهم، وفي عصر التكلات تجدد الصراع حول الهوية، لأن هذا التنكر لا ينال سوى فقراء الفكر وتوجهاتهم في التنكر للأخر ومحاولة إلغائه من الوجود لولا الصبغة الدينية التي أعادت اللحمة بين العرب والأمازيغ وجعلتهم يتفقون في كثير من الأحيان، ما يمكن الإشارة إليه هنا هو أن السجلات المصرية تشهد أن ظهور الأمازيغ بشمال افريقيا  كان في حدود الألف الخامسة قبل الميلاد بالغرب من مصر على شكل جماعات لكل منها اسمها الخاص، والأهم من هذا كُلِّهِ أنَّ النسّابة العرب أكدوا أن المغاربة ينتمون إلى مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام من أبناء برانس وأبناء مذغيس.

 واسم مازيغ كان شائعا عند الفينيقيين والرومان ويعني الحُرُّ النّبيل، وقد تبنّى الأمازيغ بعد الفتح الإسلامي الإسلام والعربية عن حب وطواعية واقتناع وآثروها أيّما إيثار، وقد عرفوا بالذوذ عن النفس حيث قاموا بثورات ضد الظلم والإحتقار باعتبارهم نبلاء لا يقبلون الذل وهذا منذ أن سامهم عقبة بن نافع الفهري الذل فرفضوا كل اشكال النهب والإضطهاد، كما ثاروا ضد موسى بن نصير ورفضوا سياسة يزيد بن عبد الملك  الذي امتلأت خزائنه وأهل المغرب والأندلس يموتون جوعا، ويكفي شرفا وفخرا  للأمازيغ بفتحهم الأندلس وتعايشوا مع العرب لمدة تقارب ثمانية قرون، وحصل بينهم الوئام والتجاوز بفعل الإسلام، رغم أنهم لم يحظوا بالحظوة التي نالها العرب في الحكم، حتى بعض العرب المنصفين والمعتدلين تساءلوا عن سبب تجريد القائد الأمازيغي طارق بن زياد من القيادة العسكرية ومن نياشميه العسكرية ونفيه إلى المشرق برًّا، حيث أصبح يتسوّل في  حارات دمشق لا يجد قوت يومه، وغيبته الأسرة الحاكمة وأدخلته طي النسيان حتى مات سنة 110 هجرية، ولم تعاد رفاه إلى مسقط رأسه ولم تخلده بذكرى تليق ببطولاته، إن الإسلام طبعا بريئ من هذه السلوكات الوحشية اللاإنسانية، ولهذا وصف المؤرخ العلامة ابن خلدون أن العرب بأنهم أمّة متوحشة.

إنه "الترفع" الذي يتسم به الأمازيغُ، الذين قبلوا على أنفسهم أن يتعايشوا مع العرب، حيث حدث نوع من التصاهر والتعايش وأصبح العرب والأمازيغ أمّة واحدة، وبدون خلفيات  لم يكن ابن خلدون وحده الذي وصف العرب بهذا الوصف، فقد وصفهم الشيخ الفضيل الورتلاني بالجهل، إذ يقول في الصفحة 37 من كتابه: "الجزائر الثائرة" عندما تساءل بالقول: ماهذا الجهل المخجل بينكم أيها العرب؟ فمن خلال ترحاله وجد من لا يعرف عن لبنان سوى أنه بلد اصطياف في موسم الحر وأنه بلد التزلج على الثلوج في موسم الشتاء ومنهم من لا يعرف لبنان وليبيا وألبانيا وليبيريا بجامع وجود الباء في كل منها، إلى أن يقول: وإنك لا تجد من بين أهل العلم الكبار من لا يعرف موقع فلسطين ويعتقد أن مصر لا تزال مرتبطة برًّا بلبنان وسوريا وهناك من يعتقد أن السودانيين ليسوا عربا، بل هم برابرة من الجنس الأفريقي القديم لسواد بشرتهم".

 إن انتقاد الورتلاني للعرب لم يكن موجها للعلماء والأعيان والنخبة المثقفة وإنما كان موجها للسياسيين ونلمس منه هذا في قوله في الصفحة 38-39 من نفس الكتاب "لقد قضينا في ديار الشرق العزيزة بضع عشرة سنة لم نكن نشعر بالغربة"،  إن هذه الجرأة في الكلام جعلته موضع اتهامات، حيث وجهت له تهمة المشاركة في الإنقلاب الذي راح ضحيته حاكم اليمن يحي جهيد الدين وقد أصدر ابنه الإمام أحمد أمير اليمن عن المتهمين في الحركة الإنقلابية عفوا شاملا وكان من بين المتهمين الشيخ فضيل الورتلاني المتهم بتدبير الإنقلاب والإغتيال في ثورة 1948، حيث كان يباشر رسالته الإصلاحية (الصفحة 348 و349 )، فكان في أول تصريح له بعد تبرئته والعفو عن سياسي اليمن عبّر قائلا: " ويعلم الله أني ما حقدت يوما على أحدٍ ولو خالفته في الجنس والوطن والدين، وإنما أحقد على ذلك الظلم الذي ما زال منذ دخل في طاعة الإستعمار الغربي حتى الآن يفتح على الإنسانية أبوابا من الشقاء ولم ينج منه حتى أبناؤه".

الهوية الروحية تجمع ولا تفرق

و كما قال الدكتور صالح بلعيد في كتابه "في الهوية الوطنية" وبأسلوب بلاغي: "إن الجزائريين "موزاييك" متنوّع مَرُّوا من العهد النوميدي الفاخرِ إلى العهد الروماني والوندال البيزنطي الماكرِ إلى العهد الإسلامي الباهِرِ، إلى العهد الفرنسي المُدَمِّرِ إلى عهد ثورة نوفمبر والإستقلال الزَّاهِرِ شعب واحدٌ"، إن تنازل الأمازيغ عن البعد الأمازيغي كان إيثارا منهم من أجل إعلاء صوت الجزائر الثائرة وهذا بفضل الهوية الروحية التي غرسها الإسلام بين العرب والأمازيغ، والهوية الروحية كما يراها الدكتور صالح بلعيد هي البعد الإسلامي وهذا يعني عودة الفرع لأصله حسب ما تنص عليه نظرية الأصول الشرقية لسكان الشمال الإفريقي، فقد حمل طارق بن زياد راية الإسلام إلى أوروبا، فعندما تعرضت الجزائر للإستعمار الفرنسي كان القبائل (الأمازيغ) أول من حمل لواء المقاومة، ونذكر ثورة المقراني التي كان شعارها الدفاع عن إسلامية الجزائر وعروبتها، فكيف لجماعة تنتمي إلى النخبة المثقفة تتنكر اليوم للهوية الأمازيغية وفيها علماء ودعاة وشيوخ زوايا، المشكلة كما يقول صالح بلعيد هي ان الأمازيغ لم يكتبوا تاريخهم بالأمازيغية، لقد أنجبت المرأة الأمازيغية فطاحل في الثقافة العربية فكان تاريخهم مكتوب بالعربية.

يقول الشيخ الفضيل الورتلاني: واجب العرب أن يتعاونوا فيما بينهم ليحلوا مشكلاتهم وأولها مشكلة فلسطين المستعصية، أم أنهم ظنوا بأنه لم يعد في المغرب العربي أمازيغ بعدما اعتنقوا الإسلام واستعربوا استعرابا تاما، وهو الذي اعترف بأن سكان المغرب العربي قبل مجيئ الرسالة المحمدية كانوا برابرة وقد تعربوا، كما اعترف بأن الظهير البربري من صنع الإستعمار الفرنسي، الملاحظة التي يمكن تقديمها هنا أن بعض الباحثين الأكاديميين وحتى السياسيين يريدون طمس الهوية الأمازيغية، بدليل أنهم يريدون تغليط الرأي العام بأن عبارة القبائل les kabyles  يراد بها جمع قبيلة مثل عشائر جمع عشيرة وشيع جمع شيعة  ولو أن ذلك صحيح، لكنهم أعطوا للأسماء طابعا سياسيا، فسيّسوا حتى الكلمات مثلما نجده الآن عند الشيعة وأوهموا الرأي العام بأنهم فرقة مذهبية حتى آمن الناس بهذه الإدعاءات والتهم، ففي الجزائر مثلا سمى الأمازيغ بالقبائل أيضا وسميت لغتهم بـ: القبائلية،  مثلهم مثل الأمازيغ في مراكش الذين يسمون بالشلوح وتسمى لغتهم بالشلحية وهؤلاء فيهم الأشراف المنتسبين إلى الدوحة النبوية وفيهم علماء وشيوخ زوايا ومجاهدون صادقون، على شعوب المغرب العربي إذن (عرب وأمازيغ) أن يعملوا بالقاعدة التشاركية التي تقتضي عدم إلغاء الآخر، وهذا ما لم يلتزم به العرب في تلك الفترة حيث أهملوا عامل "التوافقية" وأخلُّوا بمبدأ المشاركة الفاعلة لمكونات المجتمع الأمازيغي، لكن صمت الأمازيغي كان تنازلا منه من أجل الإسلام.

الصراع حول الصحراء الغربية حوّل الأشقاء إلى أعداء

لقد أفشلت الصراعات السياسية مشروع جبهة الدفاع عن شمال افريقيا، وعمّق الصراع حول الصحراء الغربية  الجرح بين أبناء المغرب العربي لاسيما الجزائر والمغرب، ولم تأت قيادات اخرى لإتمامه، هذا الصراع حسب المؤرخين قديم كان على الأرض واللغة، حريٌّ إذن لو يتحد ابناء افريقيا الشمالية لفك الصراع الجزائري مغربي الذي اجهض مشروع بناء الإتحاد المغاربي، طالما القطر الجزائري مع تونس ومراكش وحدة جغرافية وتاريخية ويواجهون خطرالصهيونية التي امتدت جذورها عن طريق الإعلام، كانت صحيفة "النداء" أبرز صحيفة صهيونية في الجزائر وجريدة "لاجازت دي إسرائيل" وجريدة "النهضة اليهودية" في تونس، وصحيفة "صوت إسرائيل" في مراكش، كل هذه الصحف تنطق بالمبادئ الصهيونية  وترك لها الحرية الكاملة في وقت يضيق الخناق على الصحف العربية، كما  أنشأت في شمال افريقيا منظمات لصندوق الإغاثة اليهودية والكشافة اليهودية وهنا وجد المسلمون في شمال افريقيا أمام عدوّ خطير فكان عليهم مواجهته في الداخل والخارج، ليت شعوب المغرب العربي بل سكان افريقيا الشمالية أن يراجعوا تاريخهم عندما وحدهم الإسلام ويجعلوا منه عبرة للأجيال القادمة فلا تفرقهم السياسة، مثلما نشهده اليوم قطعت فيه العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب وتحول الأشقاء إلى أعداء.

 

علجية عيش بتصرف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم