صحيفة المثقف

محمود محمد علي: تحالف "أوكوس" وبداية حرب باردة جديد بين أمريكا والصين (1)

محمود محمد عليفي مساء الأربعاء الماضي- الموافق الخامس عشر من شهر سبتمبر 2021م، أطل الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، ورئيسا الوزراء البريطاني بوريس جونسون،  والأسترالي سكوت موريسون، ليعلن ثلاثتهم في مؤتمر صحفي افتراضي مشترك عن تأسيس تحالف ثلاثي يحمل اسم الدول الثلاث مرموزًا إليها بحروف أسمائها الأولى"أوكوس"  "AUKUS"، وهدفه الأساسي ضمان أمن المحيطين الهادئ والهندي.

واتفاق "أوكوس" يعد نقطة فارقة في الصراع بين القوي الكبري في العالم، وإيذاناً ببدء حرب باردة جديد تم الإعلان عنها، واقطاب هذه الحرب الصين من جانب، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جانب آخر، وسوف يكون لهذا  الـ "أوكوس" تأثير ضخم جداً علي منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي مثل باقي مناطق العالم .

و"أوكوس" هي اختصار أسماء ثلاث دول: وأستراليا، وبريطانيا، الولايات المتحدة، وهذا الاختصار يشير إلى التحالف العسكري الذي أعلنت عنه الدول الثلاث بشكل مفاجئ يوم الخميس الماضي،هذا التحالف له هدف محدد، أشار إليه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" حين قال أن الهدف هو التعامل مع البيئة الاستراتيجية الموجودة في منطقة المحيط الهادي والهندي، مؤكداً أن مستقبل الدول الثلاث، بل مستقبل العالم يعتمد علي منطقة هندي – هادئ مستقرة ومزدهرة، ومفتوحة الملاحة فيها للجميع.

وعلى الرغم من عدم ذكر الصين صراحة، أشار القادة الثلاثة مرارا إلى مخاوف أمنية إقليمية قالوا إنها "نمت بشكل كبير". وجاء في بيان مشترك أن "هذه فرصة تاريخية للدول الثلاث، مع حلفاء وشركاء متشابهين في التفكير، لحماية القيم المشتركة وتعزيز الأمن والازدهار في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ؛ ويعني ذلك أن أستراليا ستصبح سابع دولة في العالم تمتلك تشغيل غواصات تعمل بالطاقة النووية. وعلى الرغم من أنها تمثل العنصر الأكثر أهمية في الاتفاقية، إلا أنه سيجري أيضا تبادل قدرات الفضاء الإلكتروني وتقنيات أخرى الموجودة تحت سطح البحر، وكانت الصين حازمة بشكل متزايد بشأن ما تصفه بأنه حقوق تعود إلى قرون في منطقة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها، وتعمل بسرعة على بناء وجودها العسكري لدعم هذه الادعاءات، كما عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة، واستثمرت بكثافة في شراكات أخرى في المنطقة مع دول؛ مثل اليابان وكوريا الجنوبية. ويقول خبراء إن وجود الغواصات في أستراليا أمر بالغ الأهمية لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.

في الإجمال فإن تحالف أو شراكة «أوكوس» الثلاثية بين الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا تعيد ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ، انطلاقاً من فرضية أن الصين لم تعد منافساً يمكن مجاراته سلمياً، بل تقترب من أن تكون عدواً خطيراً. وإلى جوارها فرضية أخرى مفادها أن مواجهة أميركا لعدو بحجم الصين تتطلب مشاركة في الأعباء من قبل القوى الإقليمية الأكثر تضرراً، كالهند وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وغيرها من بلدان آسيا التي تنظر إلى الصعود الصيني كمصدر تهديد لمصالحها العليا، الفرضيتان على النحو السابق تعكسان التوجه الأميركي الذي أعلنه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما قبل عقد كامل، في خطاب له أمام البرلمان الأسترالي مُشدداً فيه على أن بلاده ستعطي اهتماماً وتركيزاً أكبر في التعامل مع آسيا، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ليس فقط لمحاصرة الصين، بل لتدعيم القيادة الأميركية عالمياً، باعتبار أن آسيا، بدولها الناهضة اقتصادياً ومجتمعاتها المتنوعة ثقافياً، وتنوع مواردها الطبيعية، باتت تشكل مرتكز التقدم الاقتصادي والتكنولوجي العالمي، وهو ما يدخل في صميم أعباء القيادة الأميركية عالمياً.

والسؤال الآن: أين تقع منطقة المحيط الهادي والهندي؟؛ وفي الإجابة علي هذا السؤال نقول: هي منطقة ضخمة جداً تبدأ من السواحل الغربية للهند وحتي السواحل الغربية للولايات المتحدة، حيث تضم حوالي 24 دولة، وعدد الدول ليس مهما بقدر ثقل الدول التي تعيش في هذه المنطقة من العالم حيث أننا نتحدث عن دول تضم: الهند، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان؛ فضلاً عن الولايات المتحدة، وفي هذه المنطقة يتصاعد النفوذ الصيني يوماً بعد يوم، وهذا التحالف يهدف إلى كبح الطموح الصيني، وكبح الطموحات الصينية، من السيطرة علي هذه المنطقة من العالم .

وخلفية سريعة، فلو رجعنا إلي إلي بحر الصين الجنوبي، فإننا ندرك أنها تمثل منطقة حيوية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، حيث تدرك أمريكا أن طموحات الصين الشبه المعلنة، هي السيطرة علي منطقة بحر الصين الجنوبي، وهذه المنطقة تقع في قلب منطقة المحيط الهادى والمحيط الهندي، وهذه الصين أن تجعل من تلك المنطقة بحيرة صينية وخاضعة للنفوذ الصيني، ولكي تحقق الصين هذا الهدف، فقد رأت أن لديها خلافات حدودية مع معظم الدول المطلة علي بحر الصين الجنوبي؛ فضلا عن دول مجاورة أخرى مثل اليابان، وهدفها هو حسم هذه الخلافات الحدودية بفرض الأمر الواقع، وذلك من خلال استخدامها واعتمادها علي القوة العسكرية الشرسة التي تمتلكها الصين، وذلك بجعل أساطيلها تتحرش ببعض الدول المجاروة لها، ومن ثم تمنع مرور هذه الأساطيل في مياه تعتقد الدول الأخرى، أنها إما اليوم تخصها بوصفها تمثل مياه إقليمة لها، أو أنها مياه دولية يُسمح للجميع فيها بالمرور، علاوة علي قيام الصين ببناء جزر صناعية وتضع عليها أسلحتها، وتمنع الدول الأخرى من المرور فيها ؛ ومحاولة التحرش الصين بسفن وأساطيل الدول الأخرى (سواء كانت أساطيل عسكرية أو مدنية) لا تقتصر علي بحر الصين الجنوبي فقط، ولكن أيضا علي القوى الأخرى التي أن تمر من هناك، مثل الأساطيل الأمريكية، وأساطيل الدول الأوربية الأخرى، وتعترض السفن والمقاتلات الصينية تلك الأساطيل طوال الوقت، ومن ثم أصبح المرور من بحر الصين الجنوبي مسألة تكلفتها صعبة جداً.

والطريقة الثانية التي تسعي الصين في فرض هيمنتها على تلك المنطقة من العالم، هو تحقيق هدفها المعلن والمعروف، وهو إستعادة " تايوان"، وتايوان لها قصة مثيرة، فهي جزيرة كانت جزء من الصين، لكن هذه الجزيرة لا ترغب في العودة للصين، وترغب في الاستقلال عنها، والولايات المتحدة وأوربا يعتقدون أن اليوم الذي تنجح فيه الصين في إستعادة " تايوان" سوف يكون نقطة فارقة في موازين القوي بين الصين وبين الغرب، لأن إستعادة الصين لـ " تايوان" سيجعل الصين مزوداً بتكنولوجيا متطورة جداً علي مستويات التكنولوجيا الموجودة في الغرب، وليست متوفرة في الصين حتي هذه اللحظة، وعلي المستوي الاستراتيجي سوف يمكن الصين من الدفاع عن نفسها بشكل فعال بعد استعادة هذه الجزيرة الفعالة في شمال بحر الصين الجنوبي .

والخطط الصينية للسيطرة علي بحر الصين الجنوبي ستمكنها كذلك من السيطرة علي مضيق "ملقا" –Strait of Malacca الذي تمر منه الصادرات والواردات الصينية منها إلى العالم، ومن العالم إليها، وهذا المضيق يقع حاليا تحت السيطرة الأمريكية، فإذا ما تغير بفضل خطط التحرش الصيني سوف يمثل ذلك " نهاية" للنفوذ الأمريكي، وبداية عصر الصين .

ومن هنا نجد أن التحالف الثلاثي والذي أشرنا إليه من قبل يسعي إلي قطع الطريق علي كل هذه الطموحات الصينية، وهذا التحالف ليس وليد اللحظة، ولكن كانت له بواكير يمكن أن يُطلق عليه بوكاير " التعاون"، وقد أخذت عدة خطوات واتفاقيات، ولكن يمكن تلخيصها في جملة واحدة يمكن تسميتها:" تعهد أمريكي- بريطاني" في دعم القدرات العسكرية – الأسترالية ؛ بحيث تصبح قادرة علي ردع الصين وتهديدها في هذه المنطقة .

وتعزيز القدرات الأسترالية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، قد أخذ عدة اتفاقيات، ومن أهمها هو تمكين أستراليا أسطول كبير وضخم من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، وتزويدها بقدرات صاروخية متطورة ومتعددة المدايات، ومنها صواريخ " كروز"  توماهوك بعيدة المدي، وتعزيز قدراتها علي الحرب السيبرانية واستخدام الذكاء الصناعي في التكنولوجيات العسكرية، وكذلك فتح الأراضي الأسترالية بمزيد من القوات الجوية – الأمريكية علي أراضيها .

بيد أن الميديا العالمية، ركزت علي البند الأول من التعاون وفقاً لإتفاقية " أوكاس"، وهو تأهيل أستراليا من تطوير وبناء غواضات تعمل بالطاقة النووية، حيث رأينا أن صفقة تلك الغواصات أخذت القدر الأكبر من اهتمام العالم وذلك لأربعة أسباب:

السبب الأول: أن هذا النوع من الغواصات لا يتوفر إلا لست دول فقط من العالم، وهذه الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا (المملكة المتحدة) ، والصين، وروسيا، وأخيرا فرنسا، ومن ثم بتزويد أستراليا بتلك الغواصات ستكون الدولة السابعة في العالم، والدولة الأولي التي تحصل على هذا النوع من الغواضات بتكنولوجيا مستوردة، ولما كانت الدول الست لديهم تلك التكنولوجيا المحلية لتطوير هذا النوع من الغواصات؛ أما أستراليا فسوف يتم نقل هذه التكنولوجيا إليها، وهذا أمراً يعد سابقة تقريبا، وذلك لكونه هذا النوع من التكنولوجيا بشبه تكنولوجيا السلاح النووي الذي لا يتم تصديره من دولة لأخرى ... وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.......................

الهوامش

1- د. حسن أبو طالب: تحالف «أوكوس»... خطوة أخرى لمحاصرة الصين، صحيفة الشرق الأوسط، الثلاثاء - 14 صفر 1443 هـ - 21 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15638]

2-سيد جبيل:  ماذا يعنى التحالف الثلاثي الجديد لأمريكا وبريطانيا وأستراليا؟.. يوتيوب.

3-أزمة الغواصات الفرنسية تعصف بتحالفات بايدن.. أي مصير ينتظر التحالف؟ - دائرة الشرق.. يوتيوب.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم