صحيفة المثقف

آدم عربي: المسيرة التارخية الماديه للمرأة

ادم عربي(المرأة لا تُولد امرأة وإنما تُصبح امرأة)... سيمون دي بوفوار

بما ان الواقع المادي هو من يحدد مستويات وعي الانسان في كل مراحل حياته، لذلك تناول الموضوع من هذا الجانب كجزء من تغيير الانتاج الفكري لمجتمعاتنا عبر تغيير الواقع المادي والاقتصادي لتلك المجتمعات، ولا اقحم السياسه هنا والقضايا الاقتصاديه في بلادنا، بل اعطي الموضوع طابع نظري، بعيدا عن طروحات المثقفين التى لا تتجاوز طروحات العصور الوسطى، حيث ينهمك كثيرون في مناقشة جذر الاصولية الدينية الاسلامية بمعزل عن شؤون وقضايا الواقع وتناقضاته

ورغم ان كافة تفاصيل مجريات التاريخ وحتى يومنا هذا تؤكد بالتجرية والوقائع الحقيقية ان الوعي هو نتيجة وليس سببا، وان التطورات في كافة المجالات الانسانيه من فن وعلم وسياسه وفلسفه ما هي الا نتيجة تطورات في الماديه في الحياه الاجتماعيه. حيث ييقول ماركس: " إن الفلاسفة لا يخرجون من الأرض كالفطر، بل إنهم ثمرة عصرهم وبيئتهم إذ في الأفكار الفلسفية تتجلى أدق طاقات الشعوب و أثمنها وأخفاها.

اذن الفلسفه حسب طرح ماركس ليست من علم الغيب وانما هي من لدن الواقع، وان أي فلسفه حقيقيه هي من لب واقعها ومكانها وزمانها وفي علاقه نتبادله مع هذا الواقع وهنا تكوالفلسفه مجابه للواقع، كما ان التطورات العلمية التي شهدتها البشرية لم تبدأ بالجملة من نقطة واحدة (زمانيا وجغرافيا) بل كانت نتيجة تفاعلات هائلة استغرقت الاف السنين وشاركت بها معظم المجتمعات البشرية وان بنسب متفاوتة.

فمثلا الفلسفه اليونانيه انتشرت في كل اراء العالم سواء عبر الحروب او عبر التجاره، وظلت الفاسفه اليونانيه هي اساس القاعده الفكريه للفلاسفه حتى عصور النهضه الاوروبيه والسبب ان هذه الفلسفه اليونانيه كانت تتناغم مع عصر الاقطاع، االممتد الى نحو 4000 عام وهو اطول تاريخ البشريه، وعلى الرغم ان الفلسفه اليونانيه كانت وثنيه الا انها لم تتعارض مع الديانات الثلاث اليهوديه والمسيحيه والاسلاميه، حيث لم تنكر وجود خالق رغم وثنيتها، ولم تتصادم هذه الدياتات معها، حيث لم تات هذه الديانات بما يتعرض مع قواعد المجتمع الاقطاعي. وكانت هذه الاديان هي عباره عن ثورات ضد الظلم والعبيد....الخ

وفي اطار الصراع على ملكية الارض وملكية العبيد دارت معظم المعارك في التاريخ حتى بداية العصر الراسمالي الحديث، وفي ذات الاطار نشط العلماء والفلاسفة في خدمة الطبقة الحاكمة بما يمكنها من تثبيت السيطرة ..

وحيث ان الطبقه المسيطره كانت الاقليه والعام من يقع عليه الظلم والاطهاد لجئت هذه الجماعات بالاستعانه بقوى غبيه واله غبيه لتخليصها وكان هذا منبع الاديان. فاليهوديه جائت من جور المصريين على القبائل العربيه التى هاجرت من اليمن وهم اليهود ولم يؤمنو بموسى الا بعد ما وعدهم بارض فلسطين لهم ولذريتهم من بعدهم، وكذلك المسيحيه لم تخرج عن الاطار فكانت دعوه ضد ظلم الكهنه وضد ظلم الرومان، وقد كان اتباع المسيح هم من الرعاء والعبيد وكذلك اليهود فقد كان اتباع موسى بني اسرائيل وهم عبيد القبط، وهكذا كان الاسلام ثوره ضد الظلم على اسياد من التجار في مكه لذلك كان العبيد والمظلومين والمعاتيه اول من امن بالدعوه الاسلاميه المحمديه.

ومن اجل خدمة الاسياد ملاك الارض والعبيد حدث تقسيم العمل بين الرجل والمرأة منذفجر التاريخ.. فالارض تحتاح الى قوة الرجل الجسميه والغضليه من اجل المحافظه عليها من عدوان خارجي واضافة اراضي جديده مما تطلب تجييش المجتمع، فقد تم رفع مكانة مكانة الرجل و رسم عمله خارج المنزل .. فيما المرأة في المنزل كخادمه للرجل الذي يخدم سيده.

وحيث ان الرجل بقوته البدنيه قادر على حماية نفسه ولاخرين، فقد فرض على المراه ان تختفي خلف ستار العفة والشرف كي تحافظ على نفسها. وحرمت من جميع حقوقها ولم تكن ابدا مساوية للرجل فما نراه اليوم في المجتمعات الاسلامية، ومجتمعات العالم الثالث عموما، من مفاهيم وقيم وحقوق تتعلق بالمرأة ما هي الا امتدادا لتلك القوانين السائدة منذ خمسة الاف عام.. حيث ان مجتمعات العالم الثالث لا زالت تعيش في نظم وقواعد ونمط انتاج المجتمع الاقطاعي.

ومثال ذلك الانسجام الواضح في تعامل مختلف الحضارات مع المرأة لهو خير دلالة على ان القوانين الاجتماعية تحددها طبيعة نمط الانتاج الاجتماعي وليس الانتماء العرقي او الجغرافيا او اللغة او الوعي او العقل .. حيث ان نمط الانتاج ينتج ذات الثقافة حتى لو تباعدت المسافات والازمان.

***

الاشوريون هم اول من فرض الحجاب على المرأة .. وشريعة حمورابي عاقبت المرأة اذا خالفت زوجها باغراقها بالماء، فيما الاغريق فرضوا عليها حجابا كاملا (كالنقاب الاسلامي) لا يظهر منها الا عينها، وقال عنها ارسطو " إن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به ".

ولما فرضت ظروف الحرب على اسبارطة ونالت المراة بعض الحقوق نظرا لحاجة قوة عملها انتقد ارسطو رجال اسبرطة واتهمهم بالتهاون،، وكان الفقهاء الرومان القدامى يعللون فرض الحجر على النساء بقولهم: لطيش عقولهن.

ومع ان المراة الفرعونية حصلت على بعض المكانة الا كانت تلقى في النيل بعد تزيينها "عروس النيل" كقربان، وكان الرجل في عصر الفراعنة يتزوج اخته وامه . اما في الصين القديمة فكان الرجل له الحق ببيع زوجته كجارية وينظر لها الصينيون على انها معتوهة محتقرة مخانة لا حقوق لها.

فيما تحرق المراة نفسها حية اذا مات زوجها وجاء في تشريع الهندوس: ليس الصبر المقدر والريح، والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة. كما كانت محتقرة منبوذة في الزرادشتية في بلاد فارس، وفرض عليها احتجابها حتى عن محارمها ومنعت من ترى احدا من الرجال اطلاقا.

وفي اليهودية لم تنل المرأة ميزة أو حق.. بل كان بعض فلاسفة اليهود يصفها بأنها " لعنة " .... وكان يحق للأب أن يبيع ابنته إذا كانت قاصراً وجاء فى التوراة " المرأة أمر من الموت ... وأن الصالح أمام الله ينجو منها ". و " شهادة مئة امرأة تعادل شهادة رجل واحد ".

وفي القرن الخامس أجمعت المسيحية أن المرأة خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم ما عدا أم المسيح، وتساءلوا هل تعد المرأة إنسانا أم غير إنسان؟ .

اما الاسلام فقد اعتبرها "ناقصة عقل ودين" وتابعة للرجل في كل شيء وحقها بالارث نصف الرجل وشهادتها نصف الرجل وليس لها الحق بالولاية. كما كان العرب قبل الاسلام يقتلون الفتيات لعدم حاجتهم لهم كقوة عمل او خوفا من العار او الفقر.

وفي انجلترا كان يحظر على المراة قراءة الكتاب المقدس ولم يكن لها حق بالتملك حتى عام 1882، ووفق القانون كانت المراة في انجلترا تابعة لزوجها ولم يرفع عنها الحظر الا عام 1883.

ولم تخرج المراة في ايطاليا من عداد المحجور عليهم الا في عام 1919، وفي المانيا وسويسرا لم تعدل قوانين الحجر عل النساء الا في اوائل القرن العشرين. واصبح للزوجة مثل ما لزوجها من حقوق.

ان مجتمعات الاقطاع افرزت قوانينها وثقافتها كافرازات المجتمع الاقطاعي وحددت مكانة المراه والرجل بما يتناسب مع طبيعة النظام الاقطاعي، فغطاء الراس للمراه دلالاه على وضع المراه المهين في عصر الاقطاع، وان ما نراه الان من هذا الموروث في كثير من المجتمعات الشرقيه كهو امتداد لنمط الاقطاع، فرضته مرحلة النظام الاقطاعي وسينتهي متى ما دخلت هذه المجتمعات النمط الراسمالي .

وقد فرض النظام الاقطاعي منظومة الفكريه والاخلاقيه والقانونيه بما يتلائم مع نمط الانتاج السائد، من اجل تنميته واتساعه، فالنمط الفكري هو لحظه زمانه ومكانه، وقد تم تحديد الممنوعات والمسموحات كتنظيم للحياه في ذلك العصر كجزء من مرحله تاريخيه مر بها الانسان وان كانت هذه المنظومه الاقطاعيه معمول بها في كثير من المجتمعات التى لم تتخطى مرحلة الاقطاع، ان السلطه اهم افرازات المجتمع الاقطاعي معبره عن انتقال الانسان من مرحلة الرعي الى مرحلة الاستقرار والزراعه، فكان الحاكم هو راس السلطه ويمثل الاله على الارض بل هو الاله نفسه وله معاونون او وزراء يساعدونه في تسيير شؤون الرعبه، وكذلك الكهان فهم يتبعون الملك مباشره لانهم عنصر الاستقرار الاجتماعي والسياسي

ان التحولات الفكريه الكبرى لم تحدث في مجتمعات بدائيه، فتحول الانسان من عبادة القمر النجوم وغيره الى عبادة اله واحد لم تكن سوى نتيجه لتحوله من انسان صياد الى عصر الاقطاع حيث الملكيه الخاصه، وما نشهده في عصرنا من تراجع للاديان لا يخرج عن هذا السياق

ان أي مجتمع طبقي ايا كانت عقيدته الايديولوجية لا بد وان يزخر بالتناقضات والصراعات الطبقية، كما لابد له وان يزخر بالصراعات بين مصالح فئات اجتماعية .. وغني عن القول ان كافة الأعمال الفكرية لفولتير وجان جاك روسو على سبيل المثال كانت رؤى وافكار سياسية تمثل البرجوازية الصاعدة (برجوازية المانيفاكتورة) ضد الملكية المطلقة وبقايا المؤسسة الاقطاعية، وفي ذات السياق كان دور ماديي القرن الثامن عشر، وايضا دور الاشتراكيون، الطوباويون، ثم كانت الفلسفة الماركسية في مواجهة المجتمع الرأسمالي ولصالح طبقة البروليتاريا .. أي في سياق الصراع الطبقي المحتدم منذ الازل.

في عصر النهضه والصناعة والثورة وتطور الانتاج بكافة اشكالة، زاد الطلب على الأيدي العامله لتغزيه الصناعات المزدهرة والمتطورة، تم زج الرجال والنساء والاطفال في العمل حيث يستطيع كل منهم العمل جنبا الى جنب بنفس الكفاءة بسبب تطور وسائل الانتاج، ولم يعد هناك تقسيم للعمل كما في السابق فالمراة على القاعدة الماديه كالرجل، وعندما اتيح لها التعليم كانت تجاري الرجل وفي بعض الحالات احسن منه

حققت الراسماليه التساوي بين الرجل والمراة فالمراة تعمل جنبا الى الرجل ومتعلمه شانها شان الرجل، اذن هذا هو التساوي القاعدي المادي بينهما .

 

د .ادم عربي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم