صحيفة المثقف

صادق السامرائي: "كنا.. وصرنا.. تأملات على أكتاف القصيد!!

صادق السامرائيالنصوص التي تجذبني، فيها عمق إدراكي وخصوبة رؤى ودفق مشاعر، وأحاسيس صادقة نابعة من القلب، ومندلقة من أنهار الروح وعيون الوجد الرائق الرقراق.

والنص الذي سأغامر بسبر أغواره، على بحر الوافر الذي يتناغم مع إيقاع العصر، ويعزف موسيقاه ويتواءم ونبضاته.

ولأجيج المشاعر الملتهبة في أبياته، وجدتني أقرأه كما بدى محتواه العميق، فتجشمتُ عناء الغطس فيه، والتلميح لما جنيته من جزره المرجانية، الغنية بالأفكار الدرية، والمشاعر الإنسانية الغداقة الكونية الأبعاد.

وربما يبدو الكلام بصورة ما للقارئ، لكنه من وحي النص، وأخشى إن تماديت بالغوص العميق، سينفذ أوكسجين المفردات!!

1

في محراب التداعي والتفاني بالذات الكبرى، والتحليق فوق فضاءات الإشراق والعرفان، والتماهي مع جوهر المدارك اليقينية، تتجلى اليقظة الحسية المعبأة بمشاعر فياضة، ذات إنزياحات عاطفية لا تطيق حملها الكلمات، وترتعد منها العبارات، فكيف بتلك الأواصر التي كانت تشد عناصر الوجود الحي، قد تواهت وإنصرمت، وتحررت الموجودات من قوة جذبها ومتعة تأثيرها، فتبدو كرموز لرموس تتوالد أمام بصر الممعن في الإدراك الخلاب.

2

فتنهض الذكريات متأججة كلهيب وثاب، تتدفق أنوارها في عروق الأعماق ومسارات الروح، حتى وكأن الدمع يتحول إلى مداد أزرق، ليرسم ملامح الإشراق المتمازج المتناغم الإنسجام والبديع الأحلام.

هذا الإنثيال اليقظوي العجائبي، يتماهى بتعابير الجمال التي تزودنا بها الطبيعة، وتنثرها في دروبنا ولا نجيد قراءتها، إلا حينما نستفيق من غفوة الحياة، ونمسك بقلبٍ نابضٍ بالأضواء، فتتجلى معاني الأشياء، وتتكاثف معجمية جديدة في وعينا، فنبصر ما كان مغيّبا من قبل.

3

هكذا هي إرادة الزمن القابض على وجودنا، فالحياة سكرة لذيذة، والإستفاقة منها مريرة وعسيرة على الإستيعاب والفهم، لأن في لحظاتها الحلوة نرى ما لا وجود له فيها، وفي أوقاتها المرة نجدها مكشرة الأنياب متآزرة مع الذئاب.

4

التمازج الحقيقي بين جوهر الكائن الحي، أشبه بتداخل الأمواج الضوئية والنغمية المترددة في أرجاء الكون الفسيح، لا نسمعها دوما، ولكن في نوبات التحرر من قبضة الوعي الدنيوي، نراها ونتمتع بعذوبة ألحانها وإيقاعاتها الفتانة، فالأرواح في غناء عذب خلاب، يجتذب ألباب الذين مزقوا الغطاء.

5

عندما يصل الإنسان إلى مرحلة الضمور والتراخي المفروض عليه ككائن بايولوجي، تبرز أمامه صور الأيام وكأنها مسلسلة تلفازية مارسها، وأمعن في التعبير عمّا فيه من خلالها، فكان وقوفه على مسرح الحياة لذيذا صدّاحا، وحالما وجدَ نفسه مترجّلا عنها ومستلقيا على مدرجات المسرح، إنقلبت الصور وتغشاه الدجى وإنطفأت الأنوار.

6

وهنا يبدأ الإنسان بحوار ذاتي أو (دايلوك داخلي)، لتفسير ما كان فيه وما هو عليه، فيلجأ للتبرير بإستحضار الأعذار، لتبرأة نفسه وما حوله من الحال الذي تبدى له، وكأنه إستيقظ من حلم جميل، فتحضر الذكريات محملة بالأسيف، وما تخزَّن في القلب من نبضات مخنوقة وعبرات موؤدة، فيميل لتقريع الذات، ويندم على ما وهبه من صدق المشاعر وحلوها، وككل قصة أخرى في تفاعلات البشر، أنهكتها القصائد والشروحات المتوجة بطوق الحمامة.

7

قسوة نزيف الجرح على صاحبه لها معاني تتناسب والمرحلة العمرية لذلك الجرح، وهو رمز للطعن الحسي، والذبح المشاعري الذي يتعرض له الإنسان، ويمكنه أن ينزف من الجرح ما يهدِّئ روعه، ويمنحه بعض الإحساس البديل الأقوى، بما يلهمه ويوصي به من إبداع متميز، معبر عن ضراوة إحساسه بألم الجرح وشدة نزفه المتصورة، وبرؤية الإنسان لنفسه،  وما فيه من تجليات ذات قيمة ذاتية متصلة بالأنا.

ومن الطبيعي أن الجرح المكتوم سيكون مؤثرا في السلوك، إذا لم يتخلص المجروح من آلامه المبرّحة، التي أذكاها في دنيا أعماقه المكظومة.

8

وأحيانا يؤوب الإنسان إلى الإستسلام للأمر الواقع، ويرضى بما هو عليه وبما مقبل عليه، فتصبح المسيرة مكتوبة، وهو كالمسيَّر، فلا خيار عنده ولا قرار، لأن الحياة تملي وتعطي كما تريد لا كما يريد الحي، وإن حاول الشخص في كل الجهات، لكن خارطة خطواته ومواضعها مرسومة، ومعدة مسبقا، ولا بد له أن يسلكها.

9

اليقظة الإدراكية المدوّية تجعل العمر بتقلباته، وكأنه طرس يُكتب عليه ويُمحى، وهكذا يكون التقريب التصويري ما بين تفاعلاتنا، وما نكتبه ونمحيه على ورق الأيام.

وكذا تمضي بنا مواكب الحياة، ونحن في هوْدجها نتمايل سكارى وما نحن بسكارى.

10

وقد يخوض الإنسان في المحنة الإدراكية حربا ضروسا مع نفسه، يقرّعها ويقسو عليها ويريدها أن ترعوي، فقد إنكشفت الحقائق ، أو زالت غشاوة الغطاء، فإنجلى الغبار، وتعرّف الرائي على ما كان يمتطيه ويدور به في أروقة العمر، لكنه أمام الثورة الرؤيويّة الشديدة السطوع،  قد بلغ درجة من الضعف والوهن، الذي لا يساعده على خوض حرب ذات معارك قاسيات.

11

ويتجلى الصراع بين الروح والبدن، أو بين الروح والنفس، فيتحول البدن إلى سلاح ومادة لصناعة السهام والدروع والأقواس، فالروح تحمل البدن وتقاتل به نفسا أرادت، وأمعنت في نزقها ورغباتها وما شبعت، ولا رضيت ولا إمتنعت، فأهدرت نضير الأيام في ما لا يرام، وهذا الشعور يستجلب الآلام والتداعيات السلبية، والتقريع القاسي للذات ومعاتبتها على عدم إتخاذ سبيل آخر يمكن أن ينفع بيوم لا تنفع كل تميمة.

12

يبلغ محاسبة الذات ذروته وغاية قسوته عندما يكتشف الإنسان أنه أمعن ببأسه وشراسته،  وكلما إزداد بأسا تسبب بتنمية اليأس من حوله، مما يشير إلى هجومه القاسي على ما كان يفعله ويتمتع به، لأنه إكتشف بأنه بلا معنى ولا قيمة، ولا يمد الحياة بما يطيّبها ويحببها، وكأنه يتحسس دبيب السلوك الغابي الذي خلعه، وحلّق فوق التراب قريبا من الأنوار العلوية.

13

هذا الإبحار التيهاني في أروقة الحياة، وكأنه طيران فوق الماء، بعيدا عن التماس مع الواقع الذي تجافاه، فكان بدنا يتحرك، وروحا تطير، ونفسا تريد، وما توصل إلى موانئ يستظل فيها ويتنعم بما كسب، بل أدرك أنه تحت رحمة الأمواج وسطوة رياح الوعيد.

14

وفي هذا الموقف النابه الخارج عن دثار السراب والإرتقاب، تتعرى الموجودات، وتزيل أقنعتها وتبدو الصور ذات وضوح باهر، وكأنه بدأ يرى الموجودات بما فيها لا كما تبدو عليه، إذ إنزاحت الأستار، وتبدى الجوهر السلوكي  والخلقي للآخر، فهو أضعف من الشكوى إليه، لأنه مخلوق واهن متهالك ويتظاهر بالقوة والجبروت.

15

وهنا محاولة للرجوع إلى معالجة ما ألمّ به من وجع وشعور أليم، فإستحضرَ الذكريات الإيجابية الطيبة التي تختصر معنى الحياة.

وهي خلاصة وجوده ومسيرته فلا ينساها، فقلبه ينبض بها ويعيش عليها، ولولاها لما بقيت عنده قيمة البقاء والتواصل والتفاعل، فتلك الذكريات الحميمة خلاصة حقيقية من بستان الوجود الذي كان يهيم فيه.

16

لكن النص ينقلب مرة أخرى إلى الغرق في التألّم ويعبّر عن التغاضي عن المتأوه، فالسامع لا يستطيع إستيعاب معاناته، فهو في عناء ربما أكبر.

فيأوسو لحاله، ويرى أن الذي لا يستجيب لصيحاته المدوية، لا يكون مستجيبا لهمساته وأنين عنائه.

17

والنص بلغ من الوعي المطلق ما لا يفوز به إلا الندرة من ذوي التبصر الرفيع، وكأنه صار يتكلم بكل جوارحه، وأعضاء حسه، وحتى نبض القلب صار لغة ذات إيقاع ومعنى، وبهذا يكون الربط الواقعي بين  أنغام الشعر ونبضات الأعماق البشرية، وفي هذا الإرتقاء يكون النص قد تجاوز ذروته الفنية وروحه الإبداعية، وتسامق في مدارات ذات جمالية روحية، وإنثيالات نفسية نابعة من صدق الإنتماء لجوهر الحياة، وإستبصار ما فيها من المعطيات التفاعلية التي تديم التواصل والبقاء.

18

القصيدة جميلة وذات درجة عالية من الروعة، والتعبير الصادق عن المشاعر الإنسانية، وتصف حالة المواجهة الحقيقية القاسية مع الإنحدار المتسارع على السفح الآخر للحياة.

فالذي كان في سفح الصعود إلى القمة غير الذي تجده في السفح النازل منها.

إنها إرادة التغيير الفاعلة فينا والمهيمنة على مصيرنا، فالموجودات الترابية تتغير، وفقا لسطوة الدوران، وأصفاد جذب الأرض لما عليها.

إنها تتمسك بما تحمل، وكأنها تشده برباط متين إلى بدنها، وتجد الوقت المناسب لضمّه في ترابها ، لتفاعله مع عناصر ما فيها، لتنجب حالة أخرى ذات معاني وأشكال جديدة.

19

نص وافر يتوفر فيه ما يقتضيه العصر من تعبيرات فكرية وحسية وروحية وبوح جميل، بإيقاعات رقراقة متهادية مع نبيض العمق الفياض بالخلجات الحرّاقة.

وهو نص أخاذ لأنه ينسكب من مقامات إدراكية علوية، ومن فضاءات كونية منغمسة بكنه الإنسان، فإندلق ما يختزنه مبدعهُ من خبرات خفية إختصرت معارف العارفين.

20

وكأني بملحمة جلجامش تكثفت في أبيات "كنا...وصرنا..."، وهذا النص كتب الشاعر ولم يكتبه الشاعر،

ويعكس تجربة الإنسان وهو يواجه ذات التحدي، الذي أطلق ملحمة جلجامش من معاقلها الإدراكية، إذ يبدو أن للإغراق في الملحمة  تأثير على النص، لأنه يستلهم جوهر ما فيها بإقترابات خفية.

وفي النص نزعة إستبطانية وبوحية بآليات إستئثارية، وتفاعلات سبكتها نيران التوق اللهابة، وصاغت منها سبيكة معرفية، تذاوبت عناصرها، وتواشجت أواصرها، فأضنت المتبحر فيها، والماهر بالتعريف بمكنوناتها العاطفية، وأمواجها الحسية، وأبعادها الإنسانية الغارقة في دثار الذكريات، المنثالة كشلال دافق يطمح للإغراق والفيضان.

21

هل تصوّف النص، وتعبّد في محراب المطلق، وتنعم بمحاورة الأفكار العلوية، والتحليق في فضاءات سماوية؟

وكأني بالدموع تخضب الورق الذي خُطت عليه الكلمات، وباللهيب يتبدى من جمرات التلامس مع قدح التراب الفارغ دوما!!

وإن لجُرس الكلمات صراخ ودوي، ورعد وبرق وزوابع وأمطار غزيرة، من مآقي العيون على رمضاء زمن يغيب!!

ويبقى الجواب في وعي الشاعر!!

فهل أن النص مكتوب بمداد الدموع الحارقة، وكان يغرف من دواة الجراح الغائرة، في دياجير الذات المكلومة بخطواتها العاثرة؟!!

22

البوح الغدّاق المكثف بكلمات تضج أحرفها، وتكاد تطلق صريخا، وهي تحاول التحرر من قبضتها، لا يتمكن من صبه بهذه العذوبة والشفافية الرمزية الإدراكية، إلا من أصبح على شفا مواجهة الحياة عارية بلا أزياء وأقنعة، وهذه اللحظات الإنسانية نادرة وشديدة القسوة والتعبير والتأثير، وتحتاج لجرأة وشجاعة متميزة للتعبير عنها بإبداع.

ومن هنا فالمواساة أدعى من غيرها أمام النص، الذي يكتم في طياته رثاءً ذاتيا، وحزنا عميقا، وجروحا متوطنة الأعماق، ومتسربة في عروق النفس والروح، ومتغلغلة في أنياط الفؤاد النابض بنشيد الحياة.

23

كنت أبحث عن نص تنفجر فيه الروح، وتنطلق النفس من قمقمها، وتندلق المشاعر والأحاسيس من أوعبتها، بعد أن أزاحت الأغطية، وأطلقت المكنون، فكان هذا النص لقيتي، وكنز متعتي ولذة إشراق إبداعية خارقة المضمون.

24

آفاق العبارات وأروقة المعاني، ووميض النغمات المحملة بجمان النفس التواقة للعرفان، والإمعان فيما كان، جميعها تستحضر رؤية إنسانية سامية المعالم منيرة الأبعاد.

فهل يدرك المكتوب كل مَن يقرأ؟

25

هل يستوعب الأفكار المتحررة من سطوة التراب، مَن تقبض على أنفاسه جاذبية أرض تدور ولا تتعب؟

وهل يتحسس كونية الرؤى في إيقاع المفردات مَن رأى وأبصر؟

إنها تحديات إدراكية تأويها مدارات وعي وإشراق فضائية الطباع والمنطوى.

فهل من يراع يسبر أغوار "كن" وبتجلى للأنام برمز "أنا"؟!!

وختاما لا أجزم بصوابية معطيات مغامرة الإبحار في نصٍ ، شدني إليه دفق المشاعر والأحاسيس المضعوطة في كلمات ذات إيقاع وافر عذيب.

مع التحية والتقدير للأستاذ يحيى السماوي على أيقونته الرائعة، وأرجو المعذرة إن أمعنتُ في الإبحار البعيد.

د. صادق السامرائي

27\9\2021

........................

يحيى السماوي: كُـنّـا.. فـصـرنـا

مـضـى مـا كـانَ يَـجـمَـعُــنـا فــأمــسـى

بِــمَــقـبــرةِ الـمُـنـى والـعـشـقِ رِمـســا

*

فــمــا عُــدتَ الــمُــطِــلَّ عــلـيَّ بَــدراً

ولا عُـدتُ الـمُـطِــلَّ عـلـيــكَ شـمــسـا

*

وكـــنّـــا فــي الـــوئــامِ نــدىً وورداً

وكـنّــا فـي الــلــقــاءِ فــمَــاً وكــأســـا

*

وكُــنَّــا لــلـهــوى لــغــةً فــصِــرنــا

عـلـى شـجَـرِ الـهـوى جَـمـراً وفـأســا

*

وكــنــا فـي الـغـــنــاءِ نــشــدُّ لــيــلاً

الى صُـبـحٍ قُــبَــيْـلَ نـصـيـرُ خُـرْســا

*

فــأضـحـى ظُــلــمــةً مـا كــانَ نــوراً

وأمــسـى مـأتَــمــاً مـا كــانَ عــرســا

*

ومـا أســفـي عـلـى فــردوسِ عـشــقٍ

رُزِئــتُ بـه ولا مـا عــشــتُ أُنــســـا

*

ولــكــنـي أسِــفــتُ عــلـى أســـيــفٍ (1)

بـغـيـرِ لـظـى الـحـشـاشــةِ مـا تـأسّـى

*

أغَــظْـــنـــا بــالـــمَـــوَدَّةِ ذا سَــــفــاهٍ (2)

وبـالـعـشـقِ الـطـهـورِ خَـنـاً ورِجـســا

*

إذا يـقـسـو عـلـــيَّ نــزيــفُ جُـرحـي

فـإنَّ الـجـرحَ دون الــنــزفِ أقــســى

*

ألا تَـــعـــســـاً لِـــذي طَــيــشٍ تــأبَّــى

عـلـى نُــصْـحٍ ولـلـمـغــرورِ تَـعــســا

*

" مـشـيـنـاهـا ومـا كُـتِـبَـتْ عـلــيــنــا " (3)

فـإنّـا فـي الــمـســيــرِ نُــدِيــرُ رأســـا

*

وبـيْ مـا يُـعـجِـزُ الــتــدويــنَ حــزنٌ

ولـو أنـي جَـعَـلـتُ الـعـمـرَ طِـرســا (4)

*

أُحـارِبُــنـي ... وأعــرفُ أنَّ حـالــي

ضـعـيـفٌ لا يُـطـيـقُ نـوىً وحَـبْـسـا (5)

*

أســلُّ مـن الــضـلـوعِ عـلـيَّ سَــهْــمـاً

وأصـنــعُ مـن حُــطـامِ يــديَّ قــوســـا

*

وأضـفــرُ مـن رمـوشـي حـبْـلَ شـــدٍّ

وأنــســجُ بُـردتـي دِرعــاً وتِــرســــا (6)

*

بَــخــيــلٌ بــالــهـــمــومِ .. فــلا أُزَكِّـي

وقـدْ فـاضَــتْ ولا أعْـطَـيْـتُ خُــمْـســا (7)

*

وأُسْـــرِفُ بــالـغَـــنــيـــمــةِ لا أُبَــقِّــي

لِـنـفـسـي لـو غـنـمـتُ الـزرعَ غَـرســا

*

وكــمْ مِــنْ يــائــسٍ أشـــقــاهُ بــأســي

فَــزادَ تَــيَــؤّســـاً .. وازددتُ بــأســـا

*

فــمــا نــفــعُ الــشــراعِ ولا سَــفــيــنٌ؟

ومــا الإبـحـارُ فــيــهِ بـدونِ مَـرســى؟ (8)

*

ومَـنْ يـشـكـو الـخـلـيـقــةَ بــؤسَ حـالٍ

فــقــد طـلـبَ الـهَــوانَ وزادَ بــؤســـا

*

تَــمَــنَّــعْــنــا عــلـى وصْـــلٍ وكــنّــا

نُـضـيـفُ بـوَصْـلِـنـا لـلـصخـرِ حِـسّــا

*

إذا تــنــسـى الـمـــــــرايــا كـلَّ وجـهٍ

فــمــرآتي كـقــلــبـي لــيـسَ تــنـســى

*

ومَـنْ قـد غضَّ سـمـعـاً عـن صـريخي (9)

أيَــسْــمَــعُــنـي إذا نـاديــتُ هَــمْــســـا؟

*

وكـنـتُ أُصــيـخُ نـبـضـي لـو يُــنـادي

وإنْ كـان الــنــداءُ يــجـيءُ جَـرْســـا (10)

***

يحيى السماوي

25 / 9 / 2021م

.....................

(1) الأسيف: كثير الندم، كثير الحزن، ذو القلب المفرط في الرقة .

(2) تناص معكوس مع البيت المنسوب لأبي العلاء المعري:

مشيناها خطىً كُتِبت علينا

ومن كُتِبت عليه خطىً مشاها

(3) ذا سفاه: السفيه / نقيض الحليم . .. والخنا: البذيء قولا وعملا .

(4) الطرس: الورق / الكتاب الذي تُمحى كتابته فيُكتب فيه ثانية .

(5) الحبس: إذا كان الحكم أقل من ثلاث سنوات ـ أما السجن فأكثر من ثلاث سنوات وقد يصل مدى الحياة ... واللافت أن كثيرين لا يميزون بين الحبس والسجن ..

(6) الترس: ما يُحمل باليد لاتقاء سيف العدو .. أما الدرع فإنه يُلبس كالقميص أو الثوب .

(7) الخُمس: في المذهب الجعفري: أصله دفع الخمس من الغنيمة الى بيت مال المسلمين، وأصبح يعني خمس الأموال التي تزود عن مؤونة الشخص وعائلته ، لتُنفق على المعوزين ..

(8) الهاء في " فيه " تعود الى البحر المحذوف والمقدّر من خلال الجملة.

(9) الصريخ: الصوت الشديد طلبا للإستغاثة كما في قوله تعالى (وإنْ نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم) .. أما الصراخ فيكون أقلّ شدة ويمكن أن يكون عند اللهو والإحتفال والمشاجرة .. الخ .

(10) الجرس: هو الصوت غير المسموع .

 

https://www.almothaqaf.com/b/nesos2019/958507

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم