صحيفة المثقف

يحيى السماوي: اعترافات أنكيدو

يحيى السماوياعترافات أنكيدو

في الوقت الضائع من الندم


 

 "شـامـاتُ" (1)

مـا كـانـتْ  سَـــتَـطـرَحُــنـي سَــريــرَ غـوايـةٍ

لـو  كُـنـتُ ذا أمــرٍ عـلـى نَــزَقـي

وكـنـتُ قــويّــا

*

أنـا مَـنْ حَـكَـمْـتُ عـلـيَّ بـالـمـوتِ الـمُـؤجَّـلِ

والـشـقـاءِ الـمُـرِّ  حـيـنَ أطَـعْــتُـهــا

ومَـشَـيـتُ نـحـو سَـريـرِهـا طـفـلاً غـريـراً

مُـغـمِـضـاً عَـيـنـيّـا

*

فـغـدتْ أنــيـســةَ وحـدتـي

فـي الـغـابـةِ الـحـجـريـةِ الأشـجـارِ

تـأتـي خِـلـســةً مـن أعـيُـنِ الـرُّصّـادِ

تُـلـبِـسُـنـي قـمـيـصـاً مـن حـريـرِ أنـوثـةٍ

وأنـا  أُخِـيـطُ  لـهــا مـن  الـقُـبـلاتِ فـسـتـانـاً

وأُطـعِــمُـهــا بـصـحـنِ فـحـولـتـي زاداً

فـنـأكـلُ فـي الـضَـلالِ شــهِــيّــا (2)

*

واسْــتـدْرَجَـتـنـي لـلـمـديـنـةِ

فـانــبـهــرتُ

ولـم أكـن شـاهـدتُ غـيـرَ الـغـابـةِ الـحـجـريـةِ الأشـجـارِ ..

مـا شــاهـدتُ أنـثـى غـيـرَ أنـثـى الـوعـلِ / والـذئـبِ / الـغـزالِ

ولـمْ أُشـاهِـدْ قـبـلَـهـا أُنـســاً ولا جـنِـيّـا

*

أصـبـحـتُ فـي أوروكَ شـيـئـاً

أسـتـحِـثُّ خـطـايَ لـلـنـهــرِ الــبـعــيــدِ

وأحـرثُ الأرضَ الـبَـوارَ

ولـم أكـنْ قـبـلَ انـهـمـامـي بـالـضـلالـةِ شــيّـا

*

مَــرَّتْ بـيَ الأيـامُ  خـاويـةً

أُبَـكِّـرُ فـي الـصـبـاحِ الـى الـحـقـولِ

وفـي الـمـسـاءِ الـى ســريــري

فـالـتـي قـد أنْـسَــنَــتْـنـي

غـادرتْ حُـضـنـي الـى كـلـكـامـشَ الـجـبّـارِ ..

عُـدتُ الـوَحـشَ ..

أوشـكـتُ الـرجـوعَ الـى ظِـلالِ الـغـابـةِ الـحـجـريَّـةِ الأشـجـارِ

لـولا أنَّ " إيــنـانـا " فُـجِـئْـتُ بـهـا وقـد هَـبَـطـتْ

مـن الـسـبـعِ الـطِـبـاقِ إلـيَّـا

*

أنـثـى ولا كـالأُخـريـاتِ ..

فـلـمْ  أكـنْ شـاهـدتُ فـي أوروكَ آلِـهـةً تـسـيـرُ

كـمـا يـسـيـرُ الـنـاسُ  ..

تـأكـلُ مـثـلَ كـلِّ الـنـاس  ..

لـكـنْ

لا كـبـاقـي الـنـاسِ تـلـبـسُ ..

تـرتـدي زهـراً كـزهــرِ الـلـوزِ مُـخْـضَـلَّ الـجـفـونِ

شـذيّـا

*

وفـمٌ

إذا نـطـقـتْ:

هـديـلُ حـمـامـةٍ ..

والـنـاهـدانِ / الـبـيـدرانِ / الـقُـبّـتـانِ ..

وقَـزُّ  خَـصـرٍ كـلـمـا مَـسَّـدتُـهُ  بِـيَـدي

يَـغـارُ فـمـي

فَـيُـطـلِـقُ نـحـوه شَـفـتـيّـا

*

الـجـيـدُ مِـئـذنـةٌ ..

ووجـهٌ  مُـقـمِـرٌ .. بـلْ  مُـشـمِـسٌ ..

بـلْ لــســتُ أدري

كُـلُّ مـا أدريـهِ أنـي عـشـتُ عـمـري

فـي ظـلامِ الـغـابـةِ الـحـجـريّـةِ الأشـجـارِ

لا بَـشَـرٌ ..

ولا عُـبّـادُ آلـهـةٍ  ..

ولا حـربٌ عـلـى أمـوالِ بـيـتِ الـمـالِ  ..

لا مُــتَــفَــيـقـهــونَ  ..

ولا فـتـاوى بـالـوقـوفِ عـلـى الـحِـيـادِ

إذا اســتـبـاحَ الـذئــبُ  ظـبـيـاً

واسْــتَـبـى إنـسِـيّـا

*

فَـسَـقَـطـتُ مـغـشِـيَّـاً عـلــيـهــا  ..

لـسـتُ أدري:

هـل سـقـوطـي كـان مـن أثــرِ ارتـشـافـي مـاءهـا

أمْ كـانَ مـن أثَـرِ الـسـهـادِ

ومـن لـهـيـبِ حُـمَـيّــا !

*

كـل الـذي أدريـهِ

أنـي

كـنتُ مَـيْـتـاً قـبـلَ يـومِ هـبـوطِـهـا

ورجَـعـتُ بـعـدَ جـفـافِ نـبـضـيَ حَـيّـا

*

جـابـتْ بـيَ الـسـبـعَ الـطـبـاقَ

وأرْجَـعَـتْـنـي لـلــزمـانِ الـسـومـريِّ

فـعُـدتُ مَـشـبـوبَ الـفـؤادِ  فَـتِـيّـا

*

الـلـيـلُ تُـفّـاحٌ وتـيـنٌ ..

والــنـهـارُ قـرنـفـلٌ وسَــفَـرجـلٌ  ..

حـيـنـاً تـكـونُ ولِــيَّــةَ الأمـرِ الإلـهـةَ

لا أردُّ لـنـارِهـا حَـطَـبـاً   ..

وحـيـنـاً شـهـريـارَ الـعـشــقِ أغـدو

لا تـردُّ لِـمَـسْـمَـعـي صـوتـاً فـراتـيَّ الـهَـديـلِ

شـجـيّـا

*

ســبـعٌ ونـحـنُ:

الـجـذرُ والأغـصـانُ

والـتـنُّـورُ والـمـحـراثُ

والـربُّ الـذي اخـتـارَ الـشـريـدَ الـسـومـريَّ

نـبـيّـا

*

كـيـف ارتـضـيـتُ  بـغـيـرِ "إيـنـانـا"

عـلـى مـائـي ونـيـرانـي

وَمـا مَـلـكَـتْ يـدايَ

وصِـيّـا !

*

أنـا مَـنْ جـنـحـتُ عـن الـصـراطِ الـسـومـريِّ  ..

بـريـئـةٌ " شـامـاتُ " مـن إثـمـي

فُـحُـقَّ عـلـيَّ أنْ أحـيـا الـحـيـاةَ

شَــقِــيّــا

*

أزِفَ الـرحـيـلُ

وهـا أنـا

يـقـتـاتـنـي نـدمي ـ ولاتَ نـدامـةٍ ـ (3)

أبـكـي عـلـى غـيـري غـدوتُ

ولـم أعــدْ أبـكـي مـن الـنـدمِ الـمـريـرِ

عـلـيّـا

*

الـقـائـلـيـنَ عـن الـظــبــاءِ

وعـن فـراديـس الـتـهــيُّــمِ والــهــوى

شـــيـئـاً ـ  وقـد خـانـوا الـعـهـودَ ـ فَــرِيّــا (4)

***

يحيى السماوي

أديليد 30/9/2021

....................

(1) شامات: الحسناء التي أرسلها كلكامش لإغواء أنكيدو فنجحت في ذلك ..

(2): شهيا: صفة لمفعول به محذوف جوازا ـ والصفة تنوب عن الموصوف في النحو العربي .

(3) لات ندامةٍ: التقدير " لاتَ  وقتَ ندامةٍ " .. لات: نافية تعمل عمل ليس .. من شروط عملها تقدم خبرها على اسمها وأن يكون معمولاها إسمي زمان وشرط حذف أحدهما ـ وأنا حذفت الإثنين جوازا لوضوح المعنى من خلال سياق الجملة . 

(4) إشارة الى قوله تعالى في سورة مريم: فأتت به قومَها تحمله،  قالوا يا مريم لقد جئتِ شيئا فريّا )

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم