صحيفة المثقف

بكر السباتين: المتسولة والخاتم

بكر السباتينمسرحية

تهيمُ مع الفراشاتِ وهي تتهادى على الزهيراتِ المتفتحة في وجوه الفقراء..

كأنها خُلِقَتْ لتنشرَ البهجة بين رفيقاتِها.. تجافي رنينَ النقودِ التي تتقاذفها الأيادي دون أن تُطعِمَ جائع يلوذ إلى الدعاء.. مستجدياً رحمة البشر.. فلا جواب.. الرفاهية التي تتمتع بها ما حجبتْ عن قلبها زهرةَ النور، وما استباح الغرورُ رياشَها.. طرقت بابي كي أعلمَها كيف تنحني لجمهورٍ يأنفُ الظلمَ ومسرحٍ رقيق القلب كأم رؤوم.. فكانت هذه المسرحية التي كُتِبت لأجلها: "المتسولة والخاتم".. كي تُمَثَّلُ على مسرح المدرسة..

إلى ابنة شقيقي ريم عمر السباتين  أهدي هذا النص الذي يليق بها..

***

مسرحية المتسولة والخاتم..

غطت خلفية المسرح جدارية احتوت على صور محلات تجارية فاخرة.. امتد أمامها رصيف طويل..جلست أمام إحداها فتاة متسولة شاحبة الوجه رثة الثياب وهي تنادي بأعلى الصوت

المتسولة: لله يا محسنين.. لله.. أغيثوني بثمن وصفة الدواء هذه.. أمي توشك على الموت.. صدقة قليلة تمنع عنكم مصائب كبيرة.

ثم تبكي الفتاة بحرقة.

المتسولة:" ساعدوني بالله عليكم يا خلق الله"..

تخرج من محل الملابس امرأة ثرية  كانت تبحث عن مكان مناسب لالتقاط إرسال جيد، وهي تكمل حديثاً كانت قد بدأته من داخل المحل:

السيدة الثرية: قلت لك بأن الفستان أعجبني، أرسل السائق لتأمين مبلغ 500 دينار ولا تتأخر بإرساله.

تخرج صاحبة المحل وتقف أمام المحل، فما أن انتهت السيدة الثرية من مكالمتها حتى اقتربت من صاحبة المحل.

السيدة الثرية: قلت لك بأن الفستان أعجبني

صاحبة المحل: لن أنزل بالسعر.. فأسعارنا ثابتة.. وشعارنا الجودة والأمانة.. نحن لا نغشك فهذه أجود بضاعة في السوق.

السيدة الثرية: هذه إهانة.. فكلبتي  لولو تلبس طوقاً من الذهب كانت ترتدي مثله زوجة أخي.. فقهرتها بذلك.. وحينما استبدلته بآخر أجمل ذهبت إلى ذات المحل واستبدلته بمثله ( ضاحكة) تخيلي كيف قهرتها هههههههه (محذرة) المهم أن لا تبيعي النسخة الأخرى من الفستان لزوجة أخي التي تعرفينها جيداً.

المتسولة تستمع إلى الحوار.. فنهضت مقتربة منهما، وأخذت تمد يدها مطأطئة الرأس.

المتسولة: أريد ثمن هذا الدواء.. لله يا محسنين..

السيدة الثرية: يا لوقاحتك!!

صاحبة المحل: كادت تسرقك

السيدة الثرية: واو.. هذا ما لمسته منها!

صاحبة المحل: لا بل أنا متأكدة من ذلك..

المتسولة تجهش بالبكاء: يا مصيبتاه.. والله إنني بريئة.. فقد رفعت يدي لأحصل على ثمن الدواء.. فأمي تحتضر.

تدفعها السيدة الثرية بيدها فتسقط المتسولة على الأرض.. وتدخل السيدتان المحل ثم تخرج السيدة الثرية وفي يدها حقيبة..

السيدة الثرية: بعد قليل يأتي السائق ويدفع لك ثمن الفستان ثم توقعين على الفاتورة على اعتبار أنها سددت.

صاحبة المحل: المحل محلك يا سيدتي.. الدنيا أمان..

كادت صاحبة المحل أن تدخل.. وانتبهت إلى المتسولة التي التقطت خاتماً ذهبياً من الأرض وراحت تركض منادية على السيدة الثرية.. لكن صاحبة المحل وبختها بعد أن دفعتها إلى الأرض.

صاحبة المحل: أيتها اللصة.. أنت سرقت هذا الخاتم.. والله لو أنك أخبرت أحداً عنه لأسجنك وللتو.. فهذا خاتمي.. وأنا سأعفو عنك؛ على أن تخرسي فمك.

المتسولة: هذا حرام يا سيدتي.. الخاتم كان يلمع في يد تلك السيدة وسقط منها وهي تدفعني إلى الأرض.

صاحبة المحل: يا معتوهة.. تذكري بأنها أهانتك.

المتسولة: الله غفور رحيم يا سيدتي

صاحبة المحل : اخرسي وإلا أخبرت عنك الشرطة، وهم بالطبع سيصدقونني يا عفنة..

المتسولة: اللهم أنصفني من هذه الشياطين التي لا تترك العباد في حالها!!

السيدة الثرية تعود.. وفورا تنتبه إليها صاحبة المحل، وتقترب منها، ثم تهمس في أذنها..

صاحبة المحل: المتسولة التقطت شيئاً يخصك عن الأرض!

السيدة الثرية: إنه الخاتم الذي جئت لأجله..

 واقتربت من المتسولة وراحت تركلها وتشتمها بينما المتسولة تجهش بالبكاء فلم تستطع دفع التهمة عن نفسها.. وفجأة دخلت على المشهد سيدة أنيقة المظهر وتبدو محترمة الهيئة..

السيدة المحترمة: أتركاها.. لقد شاهدت كل ما جرى لهذه البائسة..

ارتبكت صاحبة المحل، فباغتتها السيدة المحترمة بالمفاجأة.

السيدة المحترمة لصاحبة المحل وهي تختطف الخاتم من يدها: هذا هو الخاتم أيتها السارقة (ثم توجه حديثها للسيدة الثرية) خذي خاتمك أيتها الظالمة فهذه المتسولة كانت تريد أن تعيده إليك لولا هذا السارقة التي أخذته منها وأخرستها مهددة.

صاحبة المحل تهرب إلى داخل المحل.. السيدة الثرية تبكي باستحياء..

السيدة المحترمة: أنا كنت متسولة مثلها فأخذتني سيدة طيبة مثلك، وعملت لديها خادمة فاعتبرتني كابنتها لأنني رعيتها في كبرها، حتى أورثتني ما لديها من أموال، وذلك حين وافاها الأجل، فوهبت نصف ثروتي لملجأ الأيتام لأنني تعلمت الإحسان من المرحومة سيدتي.. (تشير بيدها إلى المتسولة التي كانت تتابع الحوار وابتسامة حزينة على فمها) ما ذنب هذه الصغيرة التي ما خرجت للتسول إلا لضيق الحال.

تقترب السيدة الثرية من المتسولة.. تقبل رأسها.. ترمي الفستان على الأرض.

السيدة الثرية: الآن سننتظر السائق ليرافقنا من أجل تفقد أحوال أهلك.. وسنشتري الدواء لوالدتك.. وبالفعل أريد أن تعملي لدي كخادمة وسأضعك في عيوني.. فلن أفرط بفتاة مثلك.. لا بل سأحسن إلك بتعليمك في المدرسة المجاورة فأنا سيدة وحيدة أحتاج لابنة مستأمنة مثلك..

السيدة المحترمة: والله كنت سأفعل ذلك لولا أنك سبقتني إلى فعل الخير..

الجميع في صوت واحد: نيالك يا فاعل الخير عند الله..

***

بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم