صحيفة المثقف

منى زيتون: جانبية المخ.. ليست لا شيء وليست كل شيء

منى زيتونيرى أغلب الباحثين (as cited in Carlson- Pickering, 2001) أن أنماط (أساليب) التعلم Learning Styles يمكن أن تتجمع باعتبار أي من العوامل الثلاثة الآتية:

* كيفية تلقي المعلومات بشكل أكثر سهولة؛ وذلك عبر طرق سمعية وبصرية ولمسية وحركية.

* كيفية تنظيم ومعالجة المعلومات بالمخ؛ بمعنى أي الجانبين الأيسر أم الأيمن يكون أكثر هيمنة وسيطرة. وبعبارة أخرى، هل التلميذ أكثر تحليلًا أم إبداعًا.

* كيفية استيعاب وتخزين المعلومات؛ متضمنة احتياجات التلاميذ الاجتماعية والجسمية والانفعالية والبيئية.

ورغم هذا الاختلاف بين الباحثين حول مفهوم أنماط التعلم والتفكير إلا أنه لا خلاف على أن أحد أهم هذه التصنيفات يقوم على فرض المخ المنقسم؛ وهو الافتراض بأن نصفيّ كرة المخ لهما وظائف مختلفة، وأن بعض البشر يسود لديهم استخدام نصف الكرة الأيسر من أمخاخهم بينما بعضهم الآخر يستخدمون النصف الكروي الأيمن؛ مما يؤثر في التعلم والتفكير.

النصفان الكرويان

يُعد النصفان الكرويان Cerebrum الكتلة العلوية الرئيسية لمخ الإنسان حيث يملآن الجزء العلوي من الجمجمة، ويعتبران أساس العمليات العقلية المعرفية، ويكونان معًا سبعة أعشار الجهاز العصبي بأكمله. شكلهما الخارجي يكون مشابهًا لجوزة كثيرة التجاعيد، حيث توجد شقوق عميقة تسمى الأخاديد مع ما يترتب على ذلك من حدوث ثنيات ملتفة فيه تسمى التلافيف. تلك التلافيف توسع جدًا حجم منطقة السطح التي يمكن أن تنحشر داخل الجمجمة، ولنا أن نتخيل أنه إذا كانت الطبقة السطحية من النصفين الكرويين –التي تحد القشرة- ناعمة بدلًا من كونها مجعدة ملتفة فإن المخ سيتضخم إلى حجم كرة السلة.

يتكون النصفان الكرويان كسائر أجزاء الجهاز العصبي المركزي من المادة البيضاء والمادة الرمادية، والأخيرة تحوي الخلايا العصبية وتكون قريبة من السطح فتسمى لحاء أو قشرة المخ، ويُعزى إلى نموها العظيم في الإنسان تميزه على ما دونه من أنواع الفقاريات من ناحية الذكاء والملكات العقلية.

يكون النصفان الكرويان اللذان يكونان السيرابيرم Cerebrum متماثلين تقريبًا، حيث يكون انقسامهما بالطول إلى أسفل عن طريق شق رونالدو وحتى المنتصف، بينما يرتبطان بعمق لأسفل قريبًا من مركز المخ بواسطة الجسم الجاسئ "المقرن الأعظم" Corpus Callosum والذي يعمل كجسر بين النصفين الكرويين جاعلًا الاتصال بينهما ممكنًا، وقطعه يخلق مخين منفصلين يعملان بشكل مستقل عن بعضهما البعض.

ويتحكم كل نصف كروي للمخ في الجانب المعاكس من الجسم نتيجة لتقاطع الحزم العصبية عبر الجسم في طريقها من المخ وإليه، ولا ينطبق هذا على مناطق الترابط The Association Areas التي توجد في الفصين الأماميين والفصين الجداريين فهي تتلقى رسائلًا من كلا جانبيّ الجسم.

وكل نصف كروي ينقسم إلى أربعة فصوص تتخذ أسماءها من مناطق الجمجمة التي تعلوها، وهذه الفصوص هي:

* الفصان الأماميان (الجبهيان) Frontal lobes : يقع هذان الفصان مباشرة خلف الجبهة في مقدمة كل من النصفين الكرويين، وهما الفصان الأكبر بين فصوص القشرة المخية. يكون هذان الفصان مسئولين عن كثير من الوظائف التي تميز الناس عن أغلب الحيوانات الأخرى مثل إدراك الذات والمبادرة، ويساعدان في ضبط الحركة الإرادية، كما يساعدان في أداء الوظائف العقلية العليا مثل حل المشكلات الرياضية أو التخطيط قدمًا لحدث أو الحكم والتقدير واتخاذ قرارات وكل التفكير المدرك عال المستوى، كما تظهر نتائج الدراسات أن الفصين الجبهيين يراقبان السلوك الانفعالي للفرد؛ لذا فإن تلف هذين الفصين قد يغير قدرة الشخص على أن ينفذ خططًا وقد يجعله غير مبال أو سلبي، ويمكن أن يؤثر بقوة في انفعالية الفرد. إنه أيضًا قد يؤذي الحركة. وفي مؤخرة الفص الأمامي الأيسر توجد منطقة بروكا التي تتحكم في العضلات التي تُنتج الحديث.

* الفصان الجداريان Parietal lobes : يقعان أعلى المخ خلف الفصين الأماميين. وهما المسئولان عن الإدراك المكاني، كما يلعب هذان الفصان دورًا في العمليات الحسية فهما اللذان يستقبلان معلومات عن أحاسيس الجسم مثل اللمس والألم والحرارة من الأعصاب خلال الجسم ويكونان مسئولين عن معالجتها وتحليلها، كما يلعبان دورًا هامًا في الاحتفاظ بالتركيز والانتباه إضافة إلى دور في اللغة. تلفهما قد يتداخل مع إدراك اللمس والألم، وقد يحدث اختلاط في معرفة أين يوجد الجسم في الفراغ.

* الفصان الصدغيان Temporal lobes : يقعان على جانبيّ المخ أعلى الأذن. يرتبط هذان الفصان بالحديث والصوت والإدراك السمعي والإدراكات البصرية المعقدة، فهما المسئولان عن معالجة المعلومات السمعية –يميزان الفروق في الصوت والطبقة والشدة ويحددان دلالتها-. قد ينتج تلفهما في عدم القدرة على تعرف الوجوه حتى وجوه أفراد الأسرة القريبين. كما أنه أيضًا قد ينتج في هلاوس درامية وفقد الذاكرة. توجد منطقة متخصصة مسئولة عن تفسير اللغة في قمة الفص الصدغي الأيسر قريبًا من اتصاله بالفص الجداري تسمى منطقة فيرنيك. قد يسبب التلف في تلك المنطقة صعوبات خطيرة في الاتصال، على سبيل المثال.. الناس الذين يعانون تلفًا في منطقة فرنيك قد لا يكونون قادرين على القراءة أو الكتابة أو الحديث أو تفسير أي نوع من اللغة مطلقًا سواء كانت متحدثًا بها أو مكتوبة أو إشارة. 

* الفصان المؤخريان (القذاليان) (القفويان) Occipital lobes : يقعان في مؤخرة المخ، مخصصان كلية للإبصار والإدراك البصري. يكون هذان الفصان مسئولين عن معالجة المعلومات البصرية –يعالجان معلومات عن الأشياء والألوان والحركة والمسافة، ويربطان هذه المعلومات بالخبرة الماضية والذكريات حتى تمد الفرد بمعنى- ومن ثم فإن تلفهما يمكن أن يؤذي الإبصار أو يؤدي لعمى الألوان ومن الممكن أن يصل الأمر إلى حد العمى.2872 المخ

فصوص المخ (Kibiuk, 2003)

الجانبية المخية (عدم التماثل بين نصفيّ المخ)

بالرغم من أن النصفين الكرويين يبدوان متشابهين تشريحيًا تقريبًا، فإنهما ليسا كذلك حقيقة؛ فهناك العديد من الفروق التشريحية والكيميائية والوظيفية بين النصفين الكرويين، وقد اصطلح العلماء على التعبير عن ذلك بأحد مصطلحين "عدم التماثل بين نصفي المخ" Brain Asymmetry أو "الجانبية المخية" Brain Lateralization أو Hemisphericity.

وتوجد العديد من الفروق التشريحية بين النصفين الكرويين.. لعل أوضحها والذي يبدو بمجرد النظر إليهما هو الفرق في امتداد النصفين داخل الجمجمة؛ فنصفا الكرة المخيين لا يتماثلان ظاهريًا، إذ يمتد النصف الكروي الأيمن للأمام أكثر من النصف الأيسر بينما يمتد النصف الكروي الأيسر للخلف أكثر من النصف الأيمن، حيث يتسع الفص الجبهي في النصف الكروي الأيمن والفص المؤخري في النصف الكروي الأيسر ويمتدا أكثر عن الفص الجبهي في النصف الكروي الأيسر والفص المؤخري في النصف الكروي الأيمن (Bradshow and Rogers, 1993, pp. 213-214). كما ذكر السيد أبو شعيشع (1998، ص 205) أن المسطح الصدغي Planum Temporal أكبر في نصف المخ الأيسر منه في النصف الأيمن لدى 65% من البشر، ومتساوٍ في النصفين لدى 24% من البشر، بينما يكون أكبر في نصف المخ الأيمن عن نظيره في النصف الأيسر لدى 11% من البشر. وهذه الفروق في حجم المسطح الصدغي كبيرة، ويشمل هذا المسطح مناطق تعتبر هامة في العمليات اللغوية.

2873 المخكما يشير العديد من الباحثين إلى وجود فروق نيوروكيميائية بين النصفين الكرويين، أي فروق في توزيع النواقل العصبية، وهي تلك المواد الكيميائية التي تكون مسئولة ومتخصصة في نقل الرسائل العصبية المختلفة. كما توجد فروق هستولوجية أي فروق في التركيب الخلوي من حيث عدد ودرجة تفرع الخلايا العصبية في كلا النصفين (نرمين عبد الوهاب، 1998، ص 15).

بالإضافة إلى ذلك يرى العديد من الباحثين أن لكل نصف كرة مخي تخصصات وظيفية، ولكل وظيفة آليات عصبية تقع أساسًا في أحد نصفيّ المخ. ولعل أوضح تخصص وظيفي هو قدرات التحدث واللغة، ففي منتصف القرن التاسع عشر تعرف جراح الأعصاب الفرنسي بول بروكا Paul Broca على منطقة محددة في نصف الكرة الأيسر تلعب دورًا أساسيًا في إخراج الكلام. بعد ذلك بوقت قصير استطاع طبيب الأمراض العصبية الألماني كارل فرنيك Carl Wernicke التعرف على جزء آخر من النصف الكروي الأيسر يختص بفهم واستيعاب اللغة. واتضح أن أغلب البشر لديهم تخصص نصف كروي أيسر للقدرات اللغوية، وتحديدًا ما بين 70% من الأشاول إلى 95% من الأيامن. كما اقترح بروكا –الرجل نفسه الذي تعرف على المنطقة من المخ المتخصصة للغة- أن استخدام الشخص يدًا معينة يكون معاكسًا لنصف الكرة المخي المتخصص لديه؛ لذا فإن الشخص الذي يستخدم اليد اليمنى ربما كان لديه تخصص لغوي في نصف الكرة الأيسر، لكن اتضح بعد ذلك أنها ليست علاقة مرآة؛ وهذا يعني أن نسبة مئوية غير معروفة من البشر – ربما 5% إلى 30%- لديهم أنماطًا شاذة من التخصص اللغوي. هؤلاء يتضمنون من لديهم تخصص لغوي في النصف الكروي الأيمن إضافة إلى من لديهم تخصص بسيط؛ ذلك أن أغلبية العُسر -70 % تقريبًا منهم- أيضًا يبدو أن لديهم تخصصًا مخيًا أيسر للقدرات اللغوية (السيد عبدالحميد،2000 ، ص ص34: 36) (Holder, 2001; Huffman et al., 1997,p. 72).

بينما وجد ليفي (Levy, 1969) (في مصري حنورة، 1997، ص 185) أن مستخدميّ اليد اليسرى مختلفون عن غيرهم فيما يتعلق بتخصص جانبيّ المخ لديهم في الوظائف الأخرى الخاصة بالتفكير مثلًا، حيث لاحظ أن 60% من مستخدميّ اليد اليسرى تتحدد وظائفهم اللغوية داخل النصف الأيسر من المخ، بينما تتم الوظائف المتعلقة بالعلاقات المكانية في النصف الأيمن للمخ، على حين أن الأربعين بالمائة الباقين تتحدد وظائفهم اللغوية في الجانب الأيمن وتتم وظائفهم الخاصة بالعلاقات المكانية في النصف الأيسر، كما لاحظ أن 1% من مستخدميّ اليد اليمنى تتم الوظائف اللغوية لديهم في النصف الأيمن. بينما يذكر جينيسي (Genesee, 2000) أن نسبة تقريبًا 10% من الأفراد العاديين الذين يستخدمون يدهم اليمنى لديهم نمط مختلف من جانبية المخ فيما يختص بوظائف اللغة حيث تلعب أنصافهم الكروية اليمنى أو كلا النصفين دورًا حاسمًا في اللغة. وتقترح دراسة سبرينجر ودوتش (Springer and Deutsch, 1981 as cited in Huffman et al. 1997, p. 72) التي حددت نسب الأيامن والأشاول ذوي التخصص اللغوي الأيسر أنه حتى بالرغم من أن الجانب الأيمن للمخ هو النصف الكروي السائد للحركة في الأشاول فإن أنواعًا أخرى من المهارات تكون غالبًا متمركزة في مناطق المخ نفسها كما في الأيامن.

وكانت دراسة تخصصية اللغة هي البداية لدراسة تخصصية أجزاء المخ، ومن ثم ملاحظة الفروق بين النصفين الكرويين.

2874 المخوعلى سبيل المثال فقد أظهرت نتائج دراسة عزيز- زادة (Aziz- Zadeh, 2003) أن كلًا من النصفين الكرويين الأيسر والأيمن يكون حساسًا للقنوات الحركية البصرية للأداءات. هذا يشير إلى أنه لا يوجد تخصص نصف كروي للأداءات في القنوات الحركية البصرية.

ويذكر أحمد عكاشة (1982، ص 41) أنه بالرغم من الوظائف المتعددة التي يقوم بها المخ البشري فإن أغلبها قاصرة على أحد نصفيّ كرة المخ دون الآخر وهو النصف الكروي الأيسر عند الأشخاص الذين يستخدمون أيديهم اليمنى؛ لذلك يُسمى النصف الأيسر لديهم بالنصف المسيطر أو السائد. بيد أن العكس ليس صحيحًا تمامًا أي أن النصف الكروي الأيمن لا يبلغ هذه الدرجة من السيادة عند الأشخاص الذين يستخدمون أيديهم اليسرى.

كما تدل الدراسات أن مناطق المخ التي تكون هامة في ميادين خاصة للتعلم يمكن أن تتغير عبر الحياة؛ فهناك دليل متزايد على تضمين النصف الكروي الأيمن في التعلم المبكر للغة لكن أقل في التعلم التابع (as cited in Genesee, 2000; as cited in Roberts & Kraft, 1989). حيث يصلح كل من النصفين الكرويين للوظائف اللغوية فقط خلال الخمس سنوات الأولى من حياة الطفل أما بعد ذلك ينتصر نصف الكرة الأيسر فيما يختص باكتساب اللغة (عبد الوهاب كامل، 1981، ص 170). وإن كانت دراسة كل من روبرت وكرافت (Roberts & Kraft, 1989) قد أشارت لنتيجة معاكسة وهي أن نصف المخ الأيسر كان مرتبطًا بالفهم القرائي –أحد أبعاد القدرة اللغوية- لدى صغار السن فقط، بينما اعتمد الأطفال الأكبر سنًا على كلا النصفين الكرويين في المعالجة المتعلقة بالفهم.

ويذكر هيرمان (Herrmann, 1991, p. 277) أن الباحثين يستكشفون أن جانبية المخ ليست كلية أو لا شيء. وهيرمان نفسه (pp. 275-276) يضع نموذجًا معدلًا للنظام الثنائي –الذي يصفه بالبسيط- لتقسيم المخ مضيفًا الجزأين الأيسر والأيمن من الجهاز الحافي Limbic System للنصفين الكرويين الأيسر والأيمن ليصير نموذجه رباعيًا موزعًا وظائف المخ على تلك الأقسام الأربعة.

وفي دراسة عبد الوهاب كامل (1976) حول الخصائص التركيبية لذبذبات المخ أثناء العمل العقلي أمكنه التوصل إلى أنه كلما زادت درجة عدم التماثل بين نشاط الفصوص الجبهية ونشاط الفصوص المؤخرية زادت تبعًا لها درجة الذكاء العام.

 

وظائف النصفين الكرويين

يعرف بومونت وآخرون (Beaumont et al., 1984) الجانبية المخية Hemisphercity على إنها الفكرة بأن الناس ربما يعتمدون على أسلوب مفضل لمعالجة المعرفة، والذي يكون مرتبطًا بنشاط نصفيّ المخ الكرويين الأيسر أو الأيمن، كذلك يذكر صلاح مراد (1994، ص 3) أن معظم الناس يميلون إلى تفضيل استخدام أحد النصفين الكرويين على الآخر، ويتضح ذلك من تفضيل استخدام اليد اليمنى التي يتحكم فيها النصف الكروي الأيسر للمخ، كما أن القدرات اللغوية تقع أساسًا في النصف الأيسر. لذلك يُعتبر النصف الأيسر مسيطرًا على الأيمن –لدى حوالي 90% ممن يستخدمون يدهم اليمنى و70% ممن يستخدمون اليد اليسرى- مما أدى إلى الظن أن النصف الأيمن للمخ ما هو إلا تابع للأيسر، إلا أن الدراسات قد أوضحت وظائف خاصة لكل منهما، يمكن تلخيصها في ضوء ما توصل إليه العلماء حتى الآن.

وظائف نصف الكرة الأيسر من المخ The Left Hemisphere of the Brain

يقوم النصف الكروي الأيسر بمعالجة المعلومات بشكل متتابع ويوصف بالتحليلي analytical لأنه يتخصص في التعرف على الأجزاء التي تعمل كوحدة وتفصيلها. بالرغم من أنه الأكفأ في معالجة المعلومات اللفظية فإن اللغة ينبغي ألا تُعتبر كائنة في النصف الكروي الأيسر. هذا النصف الكروي هو القادر على أن يدرك أن حافزًا يأتي قبل الآخر، وأن فهم وإنتاج الألفاظ يعتمد على إدراك التتابع الذي تحدث به الأصوات (Portwood, n. d.; Huffman et al., 1997, p. 71). ويمكن تلخيص ما سبق في أن النصف الكروي الأيسر يتخصص في المهارات العقلية اللغوية والتحليلية والتتابعية والزمنية (Kamphaus, 1993, p. 31).

 وظائف نصف الكرة الأيمن من المخ The Right Hemisphere of the Brain

وعلى عكس النصف الكروي الأيسر يتخصص النصف الكروي الأيمن في تجميع الأجزاء لتنتج كوحدة ويوصف بالتركيبي، وهو ينظم المعلومات بشكل متزامن في آنٍ واحد، كما أنه يتخصص في طريقة تدرك وتبني النماذج. إنه الأكفأ في المعالجة البصرية المكانية. وقد اعتقد العلماء أنه يكون متخصصًا في القدرات غير اللفظية والتي تتضمن القدرات الموسيقية والمهارات الإدراكية والمكانية اليدوية مثل المناورة خلال مكان ورسم أو بناء تصميمات هندسية وعمل أحاجي ورسم صور وتعرف وجوه. (Portwood, n.d; Huffman et al., 1997, p. 72). ويمكن تلخيص ما سبق في أن النصف الكروي الأيمن يؤدي عمليات كلية تركيبية إبداعية ومكانية (Kamphaus, 1993, p. 31).

أنماط التعلم والتفكير

يحدد صلاح مراد ومحمد مصطفى (1982، ص ص 117 :118) أنماط التعلم والتفكير في ضوء المعلومات المتحصل عليها من دراسات المخ، نقلًا عن تورانس وآخرين(Torrance et al., 1978) .

ويقصد بأنماط التعلم والتفكير: استخدام أحد النصفين الكرويين الأيسر أو الأيمن أو كليهما معًا (المتكامل) في العمليات العقلية وتجهيز المعلومات أو السلوك.

النمط الأيسر: ويُقصد به استخدام وظائف النصف الكروي الأيسر من المخ، والمحددة كما يلي: التعرف على الأسماء وتذكرها، والاستجابة للتعليمات اللفظية، والجدية والنظام في التجريب والتعلم والتفكير، وكبت العواطف والشعور، والاعتماد على الكلمات لفهم المعاني، والتفكير المنطقي، والتعامل مع المثيرات اللفظية، والتعامل مع الموضوعات بطريقة موضوعية، والجدية والنظام والتخطيط لحل المشكلات، والتفكير المحسوس، والتعامل مع مشكلة واحدة في وقت واحد، والنقد والتحليل في القراءة والسمع، والمنطقية في حل المشكلات، وإعطاء المعلومات بطريقة لفظية، واستخدام اللغة في التذكر، وفهم الحقائق الواضحة والمحددة.

النمط الأيمن: ويُقصد به استخدام وظائف النصف الكروي الأيمن من المخ، والمحددة كما يلي: التعرف على الوجوه وتذكرها، والاستجابة للتعليمات المصورة والمتحركة، وعدم الثبات في التجريب والتعلم والتفكير، والاستجابة العاطفية الشعورية، وتفسير لغة الأجسام بسهولة، وإنتاج أفكار ساخرة، والتعامل مع المثيرات بطريقة ذاتية، وحل المشكلات بطريقة غير مباشرة، والمبادأة والتفكير المجرد، وحب التغيير، واستعمال الاستعارة والتشبيه، والاستجابة للمثيرات الوجدانية، والتعامل مع عدة مشكلات في وقت واحد، والابتكار في حل المشكلات، وإعطاء معلومات كثيرة عن طريق التمثيل والحركة، واستخدام الخيال في التذكر، وفهم الحقائق الجديدة وغير المحددة.

النمط المتكامل: هو التساوي في استخدام النصفين الكرويين الأيسر والأيمن.

أو يمكنني صياغة تعريفات مجملة لأنماط التعلم والتفكير الثلاثة؛ فأعرِّف نمط التعلم والتفكير الأيسر على أنه: معالجة وتجهيز المعلومات باستخدام النصف الكروي الأيسر من المخ بشكل أكثر كفاءة من معالجة وتجهيز المعلومات باستخدام النصف الكروي الأيمن من المخ، كما أعرِّف نمط التعلم والتفكير الأيمن على أنه: معالجة وتجهيز المعلومات باستخدام النصف الكروي الأيمن من المخ بشكل أكثر كفاءة من معالجة وتجهيز المعلومات باستخدام النصف الكروي الأيسر من المخ، كذلك أعرِّف نمط التعلم والتفكير المتكامل على أنه: معالجة وتجهيز المعلومات باستخدام كلا نصفيّ المخ بتزامن وتناغم.

النظرة التكاملية لوظائف النصفين الكرويين

لعل التركيز على عدم التماثل الوظيفي بين النصفين الكرويين هو الذي دفع البعض للقول إننا بذلك نبدو وكأننا مثل مرضى المخ المشطور –يستخدم كل منا نصفيّ مخه الأيمن والأيسر بشكل منفصل دون إحداث تكامل بينهما-، أو كأن كل منا يستخدم أحد نصفيّ مخه فقط –إذا أخذنا بفكرة السيادة النصفية-، وبدأ التركيز على محاولة التوصل للكيفية التي يعمل بها النصفان معًا.

كما أن هناك جدلًا قائمًا حول مدى صحة تقسيم الوظائف العقلية على كلا جانبيّ المخ؛ إذ لا زال هناك من الباحثين من يشكك في إبداعية النصف الأيمن، وتحليلية النصف الأيسر، ويسوقون الدلائل على عدم صحة وجود وظائف محددة تمامًا لكلا جانبيّ المخ. فإذا ما سلمنا بوجود هذه الوظائف فلا يمكن أن نسلم بكونها تامة التحديد.

وتعتبر وولف (Wolfe, 2003a) أن مصطلحيّ "المخ الأيمن" و "المخ الأيسر" يعدان من خرافات عصرنا الحديث، وتسوق ما كتبه روبرت أورنستن (Robert Ornstein) في كتابه "العقل الأيمن" حيث يسمي فهمنا الخاطئ –على حد وصفه- للنصفين الكرويين بالمخ "الهوس بالتفرع الثنائي dichotomania"، لأنه بينما يكون لكل نصف كروي وظائفه التخصصية فإنهما يعملان معًا بتناغم في جميع الأوقات، ويصف تفسير شخصية الفرد عن طريق تحديد أن هناك تفضيل لنصف كروي واحد عن الآخر بأنه يكون غير دقيق ومضلل. ويتفق بومونت وآخرون (Beaumont et al., 1984) مع تلك الرؤية إذ يرون أن فكرة الجانبية المخية Hemisphericity هي فكرة مضللة وينبغي التخلي عنها؛ إذ تفتقد الأساس المناسب والذي لن يكون ممكنًا أبدًا بسبب الافتراضات الكامنة في تلك الفكرة.

ويذكر لافاش (Lavach, 1991, p. 219) أن هناك أدلة متجمعة تقترح أن الحد بين نمطيّ التعلم الأيسر والأيمن هو على الأقل شبه منفذ، وأن الناس تكون قادرة على استخدام كليهما، كذلك يشير العلماء(as cited in Portwood, n.d.) إلى أنه بالبحث في عمليات نصفيّ الكرة الأيسر والأيمن يتضح أن المعالجة المؤثرة للمعلومات تتطلب الاقتراب من كليهما لأنهما يكملان بعضهما البعض. كما خلصت دراسات (في مصطفى كامل، 1993، ص 2) إلى أن هناك مرونة في ارتقاء المخ البشري، وأن الوظائف لا تكون منعزلة بوضوح ولكنها متداخلة ومشتركة في مناطق متعددة وفي النصفين الكرويين. يذكر هولدر (Holder, 2001) مثالًا بأن بعض وظائف اللغة مثل نظم الشعر والمحتوى العاطفي للحديث تكون متخصصة في نصف الكرة الأيمن للناس من ذوي التخصصات اللغوية في نصف الكرة الأيسر. كما يذكر جينيسي (Genesee, 2000) أن المخ يستقبل مدخلات من مصادر خارجية متعددة سمعية وبصرية ومكانية وحركية، ويعالجها بشكل متزامن فيما يعرف باسم المعالجة المتوازية Parallel processing. وعن نفسي فأنا أرى في ذلك مؤشرًا للتكاملية التي تعمل بها أجزاء المخ.

وتدعم دافيدوف (Davidoff, 1981, pp. 122-72) فكرة تكاملية المخ ببعض الملاحظات وهي: أن الناس يؤدون أكثر من شيء واحد في الوقت نفسه، كما أن الأنشطة المعقدة دائمًا ما تتطلب تخصص كلا النصفين الكرويين، وعلى سبيل المثال.. تؤكد دراسات التسجيل الكهربي للمخ على أن كلا النصفين يكونان نشيطين عندما يقرأ الناس مادة خيالية، كما أن وظائف النصفين الكرويين تتداخل فمثلًا كلا النصفين لهما قدرات لغوية كما أن كلاهما يكون مشتركًا في الانفعالات وغيرها من الأنشطة.

وإذا كان هناك من الباحثين من يدلل من خلال نتائج دراساته على صحة التقسيم النظري لوظائف النصفين الكرويين مثل هارباز (Harpaz, 1990) الذي أشارت نتائج دراسته أن الطلاب الذين أظهروا أفضلية نصف كروية يمنى كانوا متميزين في اختبارات الإبداع، فهناك دائمًا الجانب الآخر من الرأي، ففي مراجعة للدراسات عن الموهوبين الذين أصيبوا بتلف دماغي في أحد النصفين الكرويين يذكر هَينز (Hines, 1991, pp. 24-25) أن الدراسات عن التلف المخي للمؤلفين الموسيقيين قد وجدت أن التلف لأي من النصفين الكرويين يمكن أن يؤدي إلى ما يمكن اعتباره فقد القدرة الإبداعية في المجال الموسيقي –وإن كان الضعف يكون أعظم في حالة تلف النصف الأيمن-؛ ما يعد دليلًا على أن كلا النصفين الكرويين يشتركان في القدرة والإبداع الموسيقي. كذلك أوضحت المراجعة أن كلا النصفين الكرويين يلعب أدوارًا هامة في قدرات الرسم الطبيعية، ما يجعل الإبداع في الرسم يبدو أنه يضعف تقريبًا بشكل متساو بسبب تلف النصف الكروي الأيسر أو الأيمن. وأن النمط الكلي يبزغ من دراسة تأثيرات تلف المخ على السلوك الإبداعي بوجه عام عدا الإبداع الكتابي؛ ذلك أن اللغة توجد بشكل قوي في نصف الكرة الأيسر؛ لذا فإن تلف النصف الكروي الأيسر يكون أكثر ضررًا للإبداع في الكتابة. ويوفق كين وكين (Caine & Caine, 1997) بين كلا الرأيين حين يذكران أن المخ يعالج الأجزاء والكليات معًا في وقت واحد.

وهناك رؤية أخرى ترجع استخدام أحد النصفين الكرويين فقط أو كليهما إلى صعوبة المهمة؛ حيث تذكر ناديا سميح السلطي (2004، ص 12) أن معالجة المعلومات لحل المشكلات تتم في النصفين الكرويين للدماغ، وكلما كانت المهمة أصعب كلما تطلب ذلك تشغيل النصفين الكرويين.

ويذكر جاردنر (Gardner, 1999 as cited in Carlson- Pickering, 2001) أنه بالرغم من أن كل ذكاء هو كيان منفصل بذاته، ولهذا فقد حددنا مناطق المخ التي تدعم مهام خاصة، لكن ربما يكون أكثر واقعية أن نقول إن ذكاءات فرعية عديدة غالبًا ما تعمل معًا، لهذا فإنه يبدو أنه عندما يحدث نشاط عقلي معقد داخل المخ فإنه غالبًا تصبح مناطق عديدة من المخ نشطة بشكل متزامن، ولا يوجد فردان يمتلكان المناطق نفسها بالضبط من المخ تعمل عندما يحاولان أداء مهمة متشابهة، وبشكل أساسي يمكن القول إنه قد توجد مناطق مختلفة من المخ نشطة في أناس مختلفين عندما يحاولون معًا أداء المهمة نفسها.

فالمخ يعمل كوحدة، وبرغم صحة أن هناك مناطق من المخ -من القشرة المخية بالتحديد- مسئولة عن أداءات معينة، لكن الصحيح أيضًا أن أي عطب في هذه المنطقة المسئولة –كوجود جلطة مثلًا- والذي يؤدي إلى اضطراب ما في أداءات الفرد في الأجزاء المحكومة بهذه المنطقة المعطوبة، من الصحيح أننا نجد أن منطقة مجاورة لهذه المنطقة المعطوبة يمكنها –بالتدريب من خلال العلاج الطبيعي- أن تؤدي هذا الدور لزميلتها، وبمعنى آخر يعمل المخ ؛ أي أن أجزاءه تؤدي أدوارًا لم تكن مكفولة لها من قبل إذا ما أصيب جزء منه (سيد خير الله وآخرون، 1984/1985، ص ص 230-231). وأصبح من المؤكد أن المخ قادر على أن يتشكل ويعيد تشكيل نفسه بفعل الخبرات الحياتية.

ويعطينا أحمد عكاشة (1982، ص 42) تشبيهًا دقيقا للمخ من الناحية الوظيفية؛ فيذكر أنه يشبه مجموعة من الأعمدة الكهربية (البطاريات) المتصلة "على التوالي" فإذا استبعدت واحدة منها انهار النظام كله من أساسه، وأنه حتى مع إننا نستطيع أن نرد بعض الوظائف النوعية الخاصة إلى مناطق بعينها من قشرة المخ إلا أن المخ بأكمله هو الذي يدير جميع الوظائف ويسيطر عليها.

ولكني أرى أنه من الأوفق لوصف تكاملية عمل أجزاء المخ القول إن المخ يعمل كالثريا فإن انطفأت إحدى وحدات الإضاءة وتلفت أمكن للوحدات الباقية أن تبقى منيرة بدرجة تحقق الغرض. وإضافتي لتشبيه أحمد عكاشة أنه عند تلف إحدى مناطق المخ فإن المخ يعيد تنظيم نفسه لإعادة توظيف القدرة التي كانت تقوم بها المنطقة التالفة في منطقة أخرى، أي وكأننا نستبعد ذلك العمود "البطارية" التالف من مجموعة الأعمدة لكي تستمر المجموعة في أداء وظيفتها.

وختامًا، يمكنني القول إن الدراسات الحديثة قد أثبتت فكرة تكاملية المخ كما أثبتت أيضًا فكرة السيادة لأحد النصفين الكرويين على حساب النصف الآخر؛ ذلك أنه إذا كان كل من النصفين الكرويين يعمل بشكل منفصل فما الفائدة من وجود الجسم الجاسئ الذي يربط بينهما! وأرى أن التجارب التي تمت على المرضى الذين أجريت لهم جراحة لشطر نصفيّ المخ لم تسهم فقط في دراسة وظائف كلا النصفين، بل أسهمت أيضًا في إثبات الاعتمادية المتبادلة للنصفين الكرويين. ولكن بينما يكون كلا النصفين الكرويين ضروريين في دمج المعلومات إلا أنهما لا يساهمان بشكل متساو، وهذا يختلف –وفقًا لرؤيتي- عن التصور بأن أحد نصفيّ المخ الذي تكون له السيادة هو القادر وحده على التعلم، إذ أنه من المؤكد أن كلا النصفين الكرويين قادران على التعلم.

 

د. منى زيتون

.......................

* مُستل من رسالتي للدكتوراة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم