صحيفة المثقف

خليل مزهر الغالبي: غيث الشطري في رواية اسطورة مانسفيلد

خليل مزهر الغالبيوموضوع ابادة الهنود الحمر

مدخل: لم يزر الكاتب الروائي السوري– حيدر حيدر- العراق حتى مرة واحدة  لكنه كتب بعض ما نقل له من وقائع عراقية  محورت مروي روايته "وليمة لاعشاب البحر" بمخيال روائي، وما أكثر الإشارات في الرواية إلى حقائق ووقائع وأحداث ومواقع وشخصيات وكان رده  لتسائل عن هذه الغرابة – انا  كتبت روايتي هذهِ وكأني عشت احداثها لكوني كاتب روائي.

اقول هذا كمدخل في قراءة رواية (أسطورة مانسفيلد) والرواية تتكلم عن المجتمع الامريكي و كاتبها " غيث الشطري "لم يزر ايضاً امريكا من قبل نلنؤكد هنا على نشاط المخيال الروائي للكاتب "غيث الشطري"  ونؤكد هذا ايضاً، لما لمفصليات الرواية من حضور مكاني امريكي وسلوك لشخوص الرواية ومن  شخصية " مارك"وهو طالب ومدرس لمادة التاريخ وصديق عمره – توماس من مدينة فلوريدا- وحبيبته – نايا – وكذلك ذكره لانتماء " مارك " القبلي حيث اقوام " الايروكواس" القاطنين في منطقة الجبل الاخضر  بولاية فيرمونت، وهي موطن القبائل الهنود الحمر.

والرواية هي من الانوع الجديد من السرد الروائي الاستعادي لصوت الضحية التي تحكي الرواية مأساتها بلسانها، وكما نوه عن هذه التناولات في المنتج الادبي الناقد " حسن نشوان" بقوله (وإذ لا يتوقف التاريخ عند تدوين بطولات المنتصر، هنالك من ينصف المهزوم أيضا باستعادة روايته التي عبث بها الغزاة، ويستعيدها في الشعر والرواية والأدب بوصفه جزءا من الذاكرة الإنسانية التي لا تدون الوقائع وإنما تنفذ إلى أرواح البشر وأحلامهم وهواجسهم بظلال الأحداث، لتسجلها شهادة للتاريخ).1

 وسردية الرواية هي من السرديات اللاحقة، اي السرد الذي يكون زمنه تالياً لزمن الحكاية، وهو من الطبيعي أن تكون الحكاية سابقة للفعل السردي.ــ مثلما يقول جينيت ـــ استخدام الزمن الماضي لجعل السرد لاحقاً بالحكاية،

وقد ضمنت الرواية تاريخ ابادة الهنود الحمر من قبل الاستعمار الانكليزي والفرنسي ومابعده الامريكي الابيض، وهي عمليَّة إبادةٍ جماعيَّةٍ للسكان الأصليين، دون أيَّة رقابةٍ أو مراعاةٍ للحرمة؛ فقتلوا النساء والأطفال، والشباب، ودمَّروا الأخضر واليابس، وسمَّموا الآبار، وذبحوا الماشية،ومع ذلك لم كان من قادة القبائل الهنديَّة إلَّا أنَّهم طلبوا السلام مع المحتل القادم.

وقد محور الكاتب " غيث الشطري " حكاية اسطورية عن احداث الحرب هذهِ عام  1765حيث  سلالة قبيلة بطل الرواية " مارك" وهم اقوام " الايروكواس "وبعد قتل عدد من قومه ودفنهم مع اسلحتهم وفق معتقدهم بلزومية ذلك بعد انتهاء المعركة، لكن بقي ثلاثة قتلى بدون سلاحهم ليدفنونه معه وهي رماح قتالهم، وهذا معارض لتقاليد دفن المحاربين القتلى حيث ستبقى  اللعنة تطارد اقوامهم حتى احضار هذه الاسلحة ودقنها،كما خبرهم كاهن من القرية  بان لعنة ابدية تعصف بالجميع اذا لم يتم استرجاع الاسلحة الثلاثة.

 وتحل هذه اللعنة على شخص من نفس افراد القبيلة وهم " الايروكواس" وقد ظهرات هذه حيث  شخص "مارك " الذي ينتمي لاقوامها . لتظهر اللعنة عليه وعلى شكل آلام تحصل له بين وقت واخر وهو في عمله بين زملاءه واصدقاءه . فصار ومن طفولته يعالج على المهدئات وهي حالة احزنت واقلقت ابوه "هاردي نيسلون " كما حصلت له وهو برفقة اصدقاء له .كما في هذه الحالات ...

(ليس الان) قالها مارك وهو يمسك راسه ويسند يده على صديقه توماس –

- مالامر يا صديقي هل انت مريض

- لا لست مريضا، انه بعض الارهاق فقط

ظل بعض الطلاب ينظرون الى مارك وهو متوعك

-حسنا اذن تعال نجلس كي ترتاح))ص28

وحالة له اخرى (يا الاهي،لماذا اتاني الصداع الان) جثا " مارك " على ركبتيه وهو يمسك راسه بكلا يديه، توجه زملاء مارك نحوه لكي يعرفوا مابه). كما في خالات اخرى له.

و لهذه الحالة المؤلمة التي يعيشها الشخص "مارك" والمنعسة كثيرا على والده  المهتم بالبحث في تاريخ وقائع الحروب هذه و متعلقاتها وتفاصيلها،ليعثر عن تفسير لمعنى دفن الاسلحة مع المحاربين القتلى ولزومية العمل بها، ليعثر "مارك" على تدوين لابيه دفعه فيما بعد للبحث الطويل  على اسلحة القتلى الثلاثة وهي ثلاث رماح، ليجدها لدى احد تجار الانتيكات الفرنسين " بيتر غرسيا " والذي رفض بيعها او تسليمها الى " مارك " الذي وقع في نوبة غضب لهذا الرفض، لما لحق به من قتل لأمله  في استرجاعها الذي يوقف الامه بسبب الفقد هذا والذي سجلته لنا الاسطورة على لسان  احد كهنة القبيلة.وهو يعيش آلامه الجسدية والنفسية جراها.

ومن تخالط وتشابك الحدث لدى تاجر الانتكيتات الفرنسي  " بيتر غرسيا "ولما حل به من ردة فعل انسانية قام بارسال رسالة لمارك بالموافقة لتسليمه الرماح لتشكل تمفصلا حادا في الخطاب الروائي وقد كتب في الرسالة...

(كلماتك جعلتني افهم ان هناك معنى للحياة غير الذي اعرفه، ارجو ان مافعلته لك يوفي بجزء بسيط مما قدمته لي) بيتر غرسيا/ص191

وفتح  " مارك" بعدها الصندوق ليتفاجأ بالرماح الثلاث ليقوم بحملها متجها لقمة جبل مانسيفلد حيث  مأساة الملحمة الدموية التي لحقت باقوام سلالته، حيث وجدت "نايا" المفكرة التي تعود لوالد مارك الذي عاش متألما لما يحصل لابنه من نوبات تعد من لعنات عدم دفن الرماح الثلاث مع محاربيهم القتلى . والاب هو باحث مدقق عن تلك الحروب التي قتل بها ابناء سلالته انذاك . وقد كانت المفكرة مفتوحة على الصفحة الاخيرة كما ذكرت في الرواية ص198 وقد كتب " مارك" تعليق مهم مخاطب روح ابيه،وهذا تدوينها.......

(واخيرا لقد عرفت المطلوب من المخطوطة التي قمت بترجمتها، ان الروح المضحية التي يجب ان تعود مع الرماح الثلاثة لجبل مانسفيلد هي روح يجب ان تكون من نفس سلالة القبيلة، اليوم سوف انهي لعنة قبيلة الايروكواس واعيد كل شيء لطبيعته، اليوم سترتاح روحك وارواح اسلافنا)ص198.

واخيرا كان "مارك" على حافة جبل مانسفيلد حيث (نايا تبكي وتصرخ وتوماس يمسك بها، البرق يضرب بشدة ومارك يقترب كثيرا منهم، مدوا ايديهم ناحية مارك ومن ثم...اختفوا.. واختفى معهم مارك ومعه الرماح الثلاثة)ص202. لتكون بمثل استعارة ميثولوجيا الهندي الأحمر في علاقتة الروحية مع المكان له، وهي ارضه التي يقدسها حد التسامي في حبها ومنه الدفاع عنها كما في التجليات المنبعثة من حادثة اختفاء  مارك و ورفيقيه و الرماح الثلاثة.

 و هذا ما تسجله خاتمة الرواية حيث (في الصباح الجو جميل والشمس ساطعة والنسر يحلق فوق المكان كدليل على صعود ارواح المحاربين لقد ضحى مارك بحياته من اجل تاريخ قبيلته من اجل ان ترتاح ارواحهم وترقد بسلام. اخيرا انتهت لعنة الجبل الاخضر) ص202. ومن ترميز التعبير الوصفي لاطلالة الصباح بجوه الجميل ووو ليتضح السطوع الروحي لمحور الرواية والذي يحمل الخطاب الروائي الضاد لعملية قتل اقوام امريكا الاصلين وبأكثر الاساليب الوحشية. لتعد الرواية إسقاطا للتاريخ على الحاضر، وبمثابة التقاء لأرواح المعذبين في الأرض، ومقاربة لتاريخ المظلومين التي تعبر عن نفسها بحنين طاهر يشبه الأنين.

وقد وفق الكاتب " غيث الشطري " في سبك سردية الرواية من احداث لها و وقائع وحوار وسلوك اشخاصها كما في ذكره لمسميات الأمكنة التي توزعت بكثرة في متون الرواية من مدن وشوارع و كليات دراسية وفنادق . لتؤكد على فعل المخيال السردي للكاتب " الشطري" الذي ابدع في بناءات مكونات روايته ونول قبول المتلقي .

 

خليل مزهر الغالبي

.............................

1- مقال"هوشيلاجا".. رواية عربية عن الهنود الحمر تستحضر فلسطين والسكان الأصليين لأميركا- حسين نشوان – الجزيرة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم