صحيفة المثقف

سناء أبو شرار: مكافآت الألم...

سناء ابوشرارللسعادة معنى واحد

وللألم معاني كثيرة

السعادة تلميذة

والألم معلم قدير

لو كان لنا الخيار بين الألم والسعادة لاخترنا جميعاً السعادة، لو كان لنا الخيار بين أن نتعلم الكثير على يد الألم المعلم القدير أو نمشي بمتعة مع التلميذة المرحة لاخترنا جميعاً أن نمشي مع هذه الطفلة المدللة.

ولكننا وحين نواجه الحقائق ندرك أن الألم هو من يكشف خفايا الأشياء والأشخاص ويكشف كذلك ما تعاني منه أجسادنا وعقولنا وأرواحنا، هذا المعلم الكبير لا يمر بحياتنا دون هدف ولا معنى، ويأتي دائماً في الوقت المناسب بالنسبة له لا بالنسبة لنا؛ وحين ندرك ونفكر عميقاً بحكمة الله تعلى في الابتلاء فلابد لنا من احترام هذا الألم لأنه لم يأتِ إلينا فقط ليجعلنا نعاني وتصبح الحياة معه لا تُطاق، هذا المعلم لا يهتم بما نشعر به من ألم بل يهتم بما سيعلمه لنا، وإن كنا سنستمع لما يقوله لنا.

تمضي السنوات ونتمتع بصحة جيدة وحين يأتي المرض نغضب ونتذمر ولا نتحمل الألم الذي يحمله المرض وننسى وبسرعة أننا تمتعنا ولسنوات بالصحة والحركة والحيوية، فيأتي الألم ليُذكرنا بنعمة الصحة التي نسيناها مع طول العافية. نعيش مع من نحب سنوات من السعادة ثم تتسلل الخيانة أو الشك أو الغضب أو الملل ليُفسد تلك الشبكة الوردية التي تمددنا بين خيوطها بأمن معتقدين أنها ستدوم إلى الأبد، فيأتي الألم ليقول لنا أنه لا شيء يدوم وأن كل ما حولنا يتغير حتى ذواتنا.

نمنح الثقة للآخرين ونعطيهم كل أسرارنا معتقدين أنهم خزنة حصينة وعصية على الفتح ولكنها قد تفتح دون كسر، فننصدم بالخيانة ونغضب لأن الألم أزاح تلك الستارة الكثيفة التي منعتنا عن رؤية حقيقة الآخر، فمنا من يبكي ومنا من يشتم ومنا من يحقد والقلة القليلة فقط من ينظر عبر النافذة ويشكر لأن الستارة الداكنة فُتحت وانكشف ما خلفها.

أحياناً كثيرة يقبع خلف السعادة الوهم، وأحياناً كثيرة يقبع خلف الوجوه المبتسمة الحقد والحسد وأحياناً كثيراً يقبع خلف الثراء اللؤم، فالسعادة في أحوال كثيرة مُضللة لأنه جزء من شعورنا بها وحاجتنا إليها هو إغفال الحقيقة والحياة مع الوهم، فالإنسان بطبيعته يقبل أن يحتال حتى على نفسه لأجل شيء من السعادة، وهو ما يبرر بجزء ما الإدمان على أشياء ضارة في الحياة.

لكن الألم لا يمكن أن يلبس القناع، فهو صادق، مجرد وبريء، لأنه يأتي كما هو بلا احتيال ودون مواربة ويجبرنا على التعامل معه بصدق لأننا لا نحتاج له، بل هو أكثر ما لا نريد في هذه الحياة. ولكن لكي نفهم الألم لابد أن نسأل من تعرضوا له لفتراتٍ ما من حياتهم وأي الدروس تعلموا من هذا الألم سواء جسدي أو معنوي وسوف يقولون لنا ولو بعد سنوات أن أفضل ما حدث لهم هو هذا الألم لأنهم تعلموا الكثير منه وأنه كشفوا الكثير معه.

بالطبع لا يتمنى أحد منا أن يعيش الألم ونتمنى جميعاً أن نحيا حياة سعيدة، ولكن من المهم أن يكون هناك زاوية ما في صدورنا تتقبل الألم إن أتى، لابد أن نستقبل هذا المعلم القدير بما يليق به من الاحترام، وأن الله تعالى بحكمته العليا لم يرسله عبثاً؛ واحترام الألم هو الصبر على هذا العطاء، فحتى إن لم نستقبله بما يستحق من التقدير والصبر لن يدوم فقط بل سيكون أكثر صعوبةً وأبعد من أن يزول. الألم يقودنا نحو الحقيقة، الألم يُسقط جميع الأقنعة، الألم دائماً بداية لشيء جديد في الحياة لأن ما كان لم يعد صالحاً للاستمرار، الألم يُجبرك على الاعتناء بجسدك، يجعلك ترى الحياة بطرق متنوعة ويعطيك عشرات الخيارات بدل الخيار الوحيد مع السعادة، وأعظم ما في الألم أنه يجعلنا نعرف القيمة الحقيقية للسعادة التي قد تتحول لروتين مع طول مدتها فلا نقدر ما نمتلك ولا الأشخاص الذين نعيش معهم، حتى ان الشعوب التي عانت من الألم هي الشعوب التي ازدهرت بعد تلك المعاناة.

لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

" إن عِظَمَ الجزاء مع عِظَمَ البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضيَ فله الرضى، ومن سخطَ فله السُخطُ".

 

د. سناء أبو شرار

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم