صحيفة المثقف

جَبَّار مَاجِد البَهادِلي: المُستَوَيَاتُ الجَماليَّةُ لشِّعريَّةِ التَّنَاصِّ (1)

جبار ماجد البهادليتَمَثُّلَاتُ شِعرِيَّةِ الآيرُوتِيكِ الحِسِّي وَالمُستَويَاتُ الجَماليَّةُ لشِعريَّةِ التَّناصِّ فِي غَزَلِيَّاتِ يَحيَى السَّماوِي الجَمَالِيَّةِ (6)


 تَوطِئَةٌ:

يتضمَّنُ مُلخصُ هذه الدراسة البحثية المُيسِّرة مُدخلاتِ العنوان الرئيس،ومُخرجاتهِ الخِارجية(المُستوياتُ الجَماليةُ لشعريَّةِ التَّناصِّ فِي غزليات الشَّاعرِ العِراقي يَحيَى السَّماويَّ العشقية)، وأعني بالمستوياتِ دَراسةَ مُستوياتِ التَّناصِّ الجّماليةِ وَأَقسامهُ، أَو مَصادرهُ، والَّتي شكَّلتْ مَرجعياتِ هذهِ الدِراسةِ، أَي الكشفُ والبيان عن مختلف مستويات التناصِّ التي تضمَّنتها عينة هذه الدراسة (النظرية التطبيقية)، كالتناصِّ الديني التَّاريخي، والتَّناصِّ الأدبي الشِّعري، والتَّناصِّ الأُسطوري، والتَّناصِّ التُّراثي الشَّعبي(الفُلُكلُوري)، وغيرها من التَّناصّات ذات التأثير الإبداعي بالنصِّ الأدبي، والتي  ضمَّت مِساحاتٍ كبيرةً من مستوى البنية الجمالية.

فَضلاً عن ذلك كلِّهِ تَقديمُ موجزٍ تَعريفيٍ عن أثر صاحب هذه التجربة الشعرية، يَعقبُهُ مَدخلٌ تمهيديٌّ إلى مفهوم التناصِّ، والتعريف به لُغةً واصطلاحاً، والمراحل التي مّرَ بهِ  بدءاً من العَالِم اللُّغوي الإيطالي دي سوسير،مروراً بالرُّوسي ميخائيل باختين الذي اكتشفه لأوّل مرةً ولكن سُمِّي بموضوع(الحُوارية)،ووقوفاً عند الناقدة البلغارية جوليا كرستيفياً التي استقرَّ عندها مصطلحاً تامَّاً بمفهومه، مروراً برولان بارت الذي نضج على يده واتَّسع، وجيرار جينيت، واستقرار مفهومه مصطلحاً في النقدية الغربية،والنقدية العربية التي أخذت به حديثاً مع  جُذورهِ المُبهمةِ التي ظهرت بشكل مُوحياتٍ إشاريةٍ على يَدَي عبد القاهر الجُرجاني.

تَقْدـِيمٌ:

صاحبُ هذا المنجزِ الشِّعري الكبير والتجربة الثَّرة، هو الشَّاعر يَحيى عبَّاس  الحِسنَاوي، المعروف بـلقبه الأدبي(يَحيى السَّماوي)، والمولود بمدينة السَّماوة مركز محافظة المثنى الواقعة على ضفاف نهر الفرات الذي يتوسَّد صحراء السَّماوة في جنوب العراق. وهو شاعرٌ وأديبٌ عراقيُّ معاصرٌ من شعراء العصر الحديث، أسهم إبداعياً وفنيَّاً بأنماط الشعر الثلاثة المعروفة شعرياً: الشعر(النظامي التُّراثي)، ذو الشطرينِ، والشعر التَّفعيلي(الحُرِّ) الحديث، وقصيدة النثر الشعرية الجديدة، وقد رفد المكتبة العربية بمنجزه الضخم الهائل كمًّاً وكيفاً، وشكلاً ومضموماً على وجه العموم، وأثرى المكتبة العراقية على وجه الخصوص في منجزه بنحو ثلاثين ديواناً شعرياً، وَحَفِلت تجربته الشعرية بالعديد من الدراسات النقدية، والبحوث الأكاديمية لطلبة الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه وبحوث الأُستاذية والترقيات العلمية. وقد تُرجِمَت قَصائده وأشعاره الحديثة، والكثير من أعماله الشِّعرية الحديثة إلى أكثر من(خمسَ عشرةَ) لغةً عالميةً أجنبيةً، ومحليَّةً مختلفةً كـ(لألمانية، الأنكليزية، والفرنسية، والأوردية، والأفغانية، والفارسية، والأسبانية، والروسيَّة، والكُردية) وغيرها من المنجزات الإبداعية التي زخرَ بها نتاجه الشعري الثر؛ لذلك استحقَّ منَّا كلَّ هذه الدراسة والاهتمام الكبير بتجربة مسيرته الشعرية الرائدة في تجديد الشعر العربي التراثي والحديث.

1-  مَدْخَلٌ إِلَى مَفْهُومِ التَّناصِّ

التناصُّ، هو في الحقيقة من أهمِّ المُصطلحات الغربية الحديثة التي دخلت على الأدب العربي الحديث في مطلعِ السِّتينياتِ، غيرَ أنَّ له جذوراً وبداياتٍ قديمةً مُبهمةً في التراث العربي القديم. ومع أنَّ كلمة التناصِّ الحديثة لم تكن معروفةً عند نُقادنا العرب القُدامى بمفهومها الحديث، فقد أشار إليها الشَّيخ عبد القاهر الجرجاني في كتابيهِ: (دَلائلُ الإعجازِ)، و(أَسرارُ البَلاغةِ)، تحت الانتحال، والسرقات، والنسخ.

والتناصُّ من أهمِّ تجلِّيَات أساليب الشعريَّة المعاصرة، وقد تزايدت أهمية هذا المصطلح في المناهج النقدية النسقية الحديثة، وفي النظريات البنيوية، وما بعد هذه النظريات البنيوية الحديثة. وما بينَ المفهوم العربي القديم، والمفهوم الغربي الحديث للتَّناصِّ،لا بُدَّ وأنْ ننظرَ إلى أهمية التناصِّ بتجلٍّ بين عبد القاهر الجرجاني العربي إرثًاً، وجوليا كرستيفيا الغربية حَداثةً، وما أحدثه مفهوم التناصِّ من تجلَّياتٍ كثيرةَ  ومقارباتٍ نصيَّةٍ ومفارقاتٍ شعريةٍ وموضوعيةٍ مُذهلة وقعاً في خطِّ سير المنظومة الشعرية العربية الحديثة.

أ-التَّناصُّ لُغةً

وحينما نبحث عن معنى التناصِّ في معاجم اللُّغة العربيَّة الحديثة، وعلى وجه التحديد معجم(المعاني الجامع)، نجد أنَّ كلمة (تَناصٍّ)، هي فعلٌ في تصريفها اللُّغوي من (تَناصَّ، يَتَنَاصُّ، مَصدرُ تَنَاصّ)، أي تناصَّ النَّاسُ، أو القومُ بمعنى تزاحموا. والتناصُّ في الأدب، مصطلحٌ نقدي يُقصد به وجود تَشابهٍ أو تقاربٍ دلالي معنوي بين نصٍّ قديمٍ وآخرَ جديدٍ، أو بينَ عدة نصوصٍ، أيْ عَلاقة نَصينِ مع بعضهما.

ب-  التَّناصُّ اِصطلاحَاً

التناصُّ كمصطلحٍ نقديِ حديثِ مرَّ مفهومه الاستراتيجي في النقديَّة منذ نشوئه الأول بمراحل وتَغيراتٍ وتَطوَّراتٍ جذريةٍ مُهمَّةٍ عَديدةٍ، حتَّى وصل إلى ما وصل إليه الآن من تطوِّرٍ واستقرارٍ راسخ ٍاتَّضحت فيه مقاصده وباتتْ ماهيته النقدية. حيثُ كانت البدايات الأولى للتَّناصِّ قد بدأت من العالم اللُّغوي الإيطالي دي سوسير، مُروراً بالناقد الروسي ميخائيل باختين الذي اكتشفه لأوِّل مرَّةٍ، ولكن بمصطلح آخر أسماهُ بـ(الحوارية)، فجوليا كرستيفيا الذي تَرسَّخَ عَلى يدِهَا وأصبح مفهوماً ناضجاً إلى معية رَولان بَارت، وَجِيرار جينيت، وصولاً بمساره النقدي السريع في علاقته الحميمة بمرحلة ما بعد الحداثةِ. حَيثُ تشهد ساحة الجدل النظريَ القائم بخصوص استقلالية النَّصَّ كَبنيةٍ لُغويةٍ، وعلاقاته التفاعلية مع بقية النصوص الأخرى التي ترتبط معه بعلاقاتٍ قويَّةٍ تعالقيةٍ تجدُّديَّةٍ مُتعدِّدةٍ تُسمِّى بـ(التَّناصِّ)، ولمعرفة المزيد من مفهوم ذلك التَّناص وإشكاليات النقدية والشعرية تُنظر صفحات مُدَوَّنات (نظرية التناصِّ)(1).

وفي ضوء هذه العَلاقة التناصيَّة التي تربط النصَّ بنصوصٍ أخرى، ترى الناقدة البلغارية جوليا كرستيفيا في تعريفها للنصِّ بأنه "ترحالُ النُّصوصِ، وتداخل نصّي في فضاء نصٍّ مُعيَّن، تتقاطع وتتنافى ملحوظات عديدة مقتطعة من نصوص أُخرى(2)". أي أنَّ التَّناصَّ هو تَداخل النَّصِّ الجديد مع نصٍّ سابقٍ، أو نُصوصٍ أُخرى. وفي تعريف آخر للتَّناصِّ أنّه "تعالق (الدخول في عَلاقة) نُصوصٍ من نصٍّ حديثٍ بكيفياتٍ مختلفةٍ(3) ". إذن هو العلاقة الجدليِّة الجديدة بين نصينِ مُتحديِنِ مُتباينينِ بعلاقةٍ توالديةٍ.

وفي ستينياتِ القَرن العِشرين حينَ أطلقت جوليا كرستيفيا على العَلاقة التداخلية مصطلح التَّناصِّ عرَّفتهُ بأنَّ "كلَّ نصٍّ هو عبارة عن لوحةٍ فُسيفَسَائيةٍ من الاقتباساتِ، وكلِّ نصٍّ هوَ تَشرَّبٌ وتحويلٌ إلى نصوصٍ أُخرى(4) ". أمَّا رولان بارت، فهوَ الآخر قدَّمَ دوراً مهمَّاً بارزاً وفعَّالاً في استراتيجية مفهوم التناصِّ لا يقلُّ أهميةً عن الدور الكبير الذي قامت به الناقدة جوليا كرستيفيا، إذ انطلق في أبحاثه وتصوراته ورؤاه النقدية من منجزاتها ومشاريعها النقدية لمفهوم التناصِّ، فهو ينظر إلى ذلك من خلال نظريةِ النصِّ، فيرى بأنَّ "كلَّ نَصٍّ ليسَ إلَّا نَسيجاً جديداً من استشهاداتٍ سَابقةٍ(5) "، أي أنَّ هذا النسيج يسترفد خيوطه النقدية وتحولات تخلُّقه التشكُّلي من البِنية الأصلية الأُمِّ، حتى يستقلَّ بوجوده القائم تناصَّاً.

فَالنصُّ يُعدُّ بمنزلة الابنِ الشَّرعي الذي يَستمدُّ خصوصيتهُ الثقافية واستقلاله الذاتي من رَحْمِ آبائه النصوص الأصلية السابقة دونَ أنْ يفقدَ ميزاته اللُّغوية والجمالية؛ كونه نَصَّاً قائماً بذاته الاستقلالي تمنحه نظريات القراءة وجماليات التّلقِّي الحديثة وضعاً قرائياً تأويليَّاً جديداً يسبرُ أغوار وحدته الموضوعية، ويفكُّ شفراتِ هُويتهِ اللُّغوية، ويجلو سياقاتِ مُستوياته الدلالية. فَيُحقِّق بذلك النَّصِّ أبجديتَهُ التي تؤمِّن له من أنَّ النصَّ يُشكِّلُ فضاءً واسعاً رحباً قابلاً للتأويل بقراءاتٍ فاعليةٍ مُتجدِّدةٍ كثيرةٍ تجلو صفحاته المتنوِّعة المتعدِّدة الرؤى، سواء أكانت الرؤى الفلسفية والجمالية المتجليَّة المرئية منها بصرياً أو الخفية غير المرئية بصرياً.

أمَّا المُفكِّر والناقد الروسي ميخائيل باختين، فينظر إلى التَّناصِّ نظرةَ تواصلٍ في ضوء العَلاقة التي تحدث بين المُرسل والمُتلقِّي، فيُعرِّفُ التناصَّ بأنُّهُ "عبارةٌ عن وسيلةِ تواصلٍ لا يمكن أنْ يحصل القصد من أيِّ خطابٍ لُغويٍ بدونه، إذ لا يمكن أنْ يكون هناكَ مرسل بغير مُتلقٍّ مُستوعبٍ مُدركٍ لمراميهِ"(6) . إذ أنَّ باختين في التناصِّ يؤكِّد العَلاقة المتينة المتبادلة طرفياً بين المرسل المُبدع لخطابه رسالةً، والمتلقّي الحاذق الواعي لتجلِّيات رسالة الخطاب الشعري التي تمَّت بهذه التقنية أو هذه الوسيلة الجمالية الفنيَّة.

وَتَأسيساً على ما تقدَّم حول نظرية النَّصِّ وتداخله النصِّي الذي يُفقده خصوصيَّته الاستقلالية،فإنَّ ميزة هذا التفاعل التداخلي الذي يتعالق فيه سياق نصِّي ثقافي جديد بسياقٍ نصِّيٍ ثقافيٍ آخر، جاء لغرضٍ ثقافيٍ من أجل ترصينِ مَفاهيم الثقافة الحديثة، وتعميق قيمها الراهنة في الوسط الثقافي، والعمل بِجديَّةٍ على التأصيل الفكري لظاهرة التَّعالقِ الثقافيِ النَّصيِّ الراهن في حضوره الثقافي مع ماضيه الضارب؛ لأنَّ حاضر الأزمة هو استطالة لماضيها(7) "، كما يُشير إلى ذلك التواصل الثقافي الدكتور فَيصل دَرَّاج. ولذلك يدخل النصُّ سواءٌ أكان شعِرياً أمْ نثرياً في علاقةٍ ثقافيةٍ مع نَصِّ أصلي قديم آخر؛ لِيكسبَ غَاياتٍ وَأبعادَاً ثقافيةً عبرَ إِعادة إنتاجه وتخليقه فنيَّاً وشعرياً من جديدٍ في بنية الخطاب الجمالي الشعري الحالي.

وعلى وفق ذلك يأخذ مفهوم التَّناصِّ طابعاً شكليَّاً سوسيو ثقافياً، وهذا التناصُّ الثقافي لا يمكن أنْ يحدث إبداعياً ويتحوَّل إلى تناصٍّ سوسيو ثقافي إلَّا إذا اشتبكَ وتعالق تداخلياً مع سياقٍ ثقافيٍ آخر، وليس مع نصوص أخرى معيَّنةٍ. وهذه الإشتراطية في الوظيفة التناصيِّة تجلو لنا الفرق واضحاً بين من يعتقد أنَّ التناصَّ "بالنسبة للكاتب ليس ظاهرةً أدبيةً فَحسبَ، بل ثَقافةً فِكريةً أيضاً(8). وهذا يُدَلِّلُ على أنَّ التعالق بين ثقافتين مختلفتين زماناً ومكانَاً يَخلق تشكلُّاً ثقافياً جديداً مغايراً لشكله السوسيو ثقافي المعتاد.

والتناصُّ كونه تقنيةً استراتيجيةً أدبيةً وثقافيةً وفكريةً فاعلةً تُضيء سيِمياء النَّصِّ اللَّاحق، وتُنيرُ فضاءاته المتعدِّدة، لا يقتصرُ عملُها التَّقني على إظهار هيمناتِ النَّصِّ، وبثِّ محمولاته الثقافية والمعرفية فحسب، بل يُحقِّقُ التناصُّ للنَّصِّ وظيفةً جماليَّةً وفنيَّةً أُخرى تكسب العمل الشعري الأدبي معماراً فنيَّاً وجَماليَّاً مُؤثِّراً مَرغوباً عندما يستند هذا المعمار إلى منابت إرثٍ حضاريٍ وفنِّيٍ أصيلٍ متكاملٍ يَهبهُ المجد الأدبي والخلود الثقافي في بنائه الفنِّي الجديد.أضف إلى ذلك أنَّ أغلب المُبدعينَ من الشعراء والأدباء يلجَؤُونَ إلى هذه التقنيَّة الفنيَّةِ المقبولة من أجل تعضيد أعمالهم الأدبية بمصاحب نصِّي مثير لكي "يَلفت انتباه القُرَّاءِ إلى بعض جوانبها ويؤثِّر في عملية تلقيها(9) "،من خلال هذا الاقتران الأدبي الترابطي الإنساني الفكري الذي يحدث بين فضائي النصينِ القديمِ والجديدِ بحثاً لغوياً تنويرياً إبداعياً جمالياً مناسباً لواقعة الحدث الموضوعية والجمالية التي وهبته تعبيريَّة هذا الثراء الصوري الفنِّي التَّقني الشائق بتكوينه.

2- أَقسَامُ التَّناصِّ (أنواعُهُ):

بعدَ أنْ اتَّضحت وظيفة التناصِّ التفاعلية التي يقصدها الكُتَّابُ المُبدعونَ، فإنَّ جيرار جينيت قد دأبَ على تقسيم تقنيةِ التناصِّ على ثلاثة أقسامٍ فرعيةٍ صغيرةٍ، لكنَّها تتمتَّع باستقلاليةٍ وأهميةٍ كبيرةٍ  في محفلِ الدَّراسات النقديَّة الحديثة، ويمكن أنْ نجمل التعريف الموجز لهذه الأقسام أو الأنواع  الثلاثة بما يأتي:

أ-  الَمنَاصَّةُ: ونعني بها البنيةَ النَّصيِّة التي تشترك مع بنية نصٍّ أصليةٍ في مَقامٍ وَسِياقٍ مُعينينِ لا ثالث لهما .

ب-  التَّناصُّ: وهو عملية التَّضمينِ النَّصِّي الذي يَنطلق من مفهوم العلاقتينِ(النَّقديةِ والإيحائيةِ) بين المِيتا نصٍّ والتَّعلُّق النَّصِّي اللَّذينِ ينتميانِ إلى مفهوم (التفاعل النَّصي)(10)، والذي يُقيمُ علاقته التفاعلية مع النصِّ الأصلي الأُمِّ،فيحقِّقُ بذلك للتناصِّ أبعاداً مُختلفةً، ويَخلق له حُضوراً"جَمالياً وفكريَّاً وآيدلوجياً(11)".

ج-  المِيتانَصيَّةُ: وكما أشرنا يأخذ مفهوم الميتانصيَّة بُعداً نقديَّاً مَحضَاً في علاقته التفاعلية التي يُقيمها ببنيةٍ نصيَّةٍ جديدةٍ طارئةٍ مع بنيةٍ نَصيَّةٍ قَديمةٍ أصلٍ لإحداث تقنيَّة التَّناصِّ(12). وبعضهم من قسَّمَ التناصَّ من حيثُ المقتبس على نوعينِ هُما:

النَّوع الَأولُ: ما لم يُنقلُ فيه المقتبسُ عَن مَعناه الأصلي. والثَّاني:ما نُقِلَ فيهِ المُقتَبسُ عَن مَعناهِ الأصلي.

وهناكَ مَا يُعرف بـ(التَّناصِّ العامِ)، وهو ما أشار إليه الكثير من النُّقاد العرب ومنهم الدكتور أحمد الزغبي في كتابه (التَّناصُّ نظرياً وتطبيقياً)، ويعني به علاقةَ نصِّ الكاتبِ بنصوصٍ غيرهِ من الكُتَّاب الآخرينَ، والتناصُّ الخاصُّ، وهو علاقة نصوص الكاتب المبدع نفسه بعضها ببعضها الأخر. ويمكن أن نُسمِّيه تناصَّاً داخلياً محليَّاً من بنية مقامه النَّصية، وليسَ تناصاً خَارجياً آخر من بنيةِ مقام غيرهِ النصيِّة.

3-  مُستوياتُ التَّناصِّ(مَصادرُهُ):

يَمتازُ مفهوم التَّناصِّ الشِّعري من بين مصطلحات جماليات الخطاب الشعري المتعدِّدة لغوياً وانزياحياً بأنَّ له عدَّةَ مستوياتٍ بنائيةٍ، أو مصادر ترفده وَتًنَميِّه فنيَّاً وموضوعياً في تشكّلِ البِنية النَّصيَّة وتغذِّيه تنوِّعاً وثراءً لغوياً وجمالياً له أثره الفنِّي البالغ ووقعه النفسي والجمالي في صرح هندسة الخطاب النَّصِّي لدى عين الناقد المتلقِّي والقارئ الثالثة،وإدراك وفهم مغزاه الكلي ومعرفة مقاصد جماليات حداثته الشعرية.

أ- التَّناصُّ الدِّينيُّ (التَّاريخيُّ)

إنَّ البحث في نصوص السَّماوي التي تضمَّنت اقتباساً أو تضميناً شعرياً أو نثرياً تؤكِّد القول بأنَّ النصَّ أو أي نصٍّ هو متواليات لنصوصٍ سابقةٍ له تجمَّعت وتوحَّدت بهيأة نصٍّ آخر في نصٍّ جديدٍ بلغته وشكله الانحرافي الذي وقعَ في أسره الشَّاعر؛ كونه وسيلةً أخرى من وسائل اللُّغة التَّطَوِّريَّة، وَثَوباً لُغوياً قَشيبَاً من تناصَّات الشاعر المتحوِّلة في الشعرية النقدية الحديثة التي سمح بها النُّقاد المحدثونَ.

كما أنَّ التناصَّ فضلاً عن ذلك، يمُثِّل وظيفةً استرجاعيةً تستعيد نصَّاً سابقاً؛ لتعيدَ إنتاجه - ثانيةً-  داخل نصٍّ آخر كما أشار إليها علماء اللِّسانيات الحديثة.والغاية من هذه الوظيفة الاسترجاعية تهدف إلى استحضار الرصيد التاريخي، واستثمار الرصيد العاطفي للنصِّ الأوَّل من أجل  قراءةٍ تفاعليَّةٍ نَصيِّةٍ بينَ المُرسلِ والمرسلِ إِليه. وهذا التحوِّل النصِّي في شعرية السَّماوي ظهرت آثاره القريبة والبعيدة في تناصاته الشعرية ذات المظهر الديني التاريخي الذي جادت به مُدَوَّنات قصائده العشقية وأشعاره النصيِّة الكثيرة:

كَيْفَ جِزْتَ الأَبْحُرَ ..

الأَنْهُرَ..

وَالبِيْدَ الصَّحَارَى ..

أَبُسَاطُ الرِّيْحِ نَحْوِي حَمَلَكْ ؟

 

أَمْ هُوَ الحُلُمُ

وَقَدْ "شُبِّهَ لَكْ" ؟ (13)

في الفضاء النصّي لهذا المنتج النصِّي الجديد يستدعي يحيى السَّماوي نصَّاً تراثياً دينياً مَثَّلَّ إشكاليةً وَجَدلاً كبيراً عند طائفتي اليهود والنصارى، وقد تَمثَّل هذا الإشكال بالعبارة القرآنية ((شُبِّهَ لَهُمُ)) التي تُلخِّص قصة سيدنا المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) مع قاتليه من اليهود الذين افتخروا بقتله، وذلك لقوله تعالى: ((وَقَولُهُم إِنَا قَتَلْنَا المَسِيْحَ عِيْسَى اِبْن مَرْيَمَ رَسُول اِللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيْهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا إِتْبَاعُ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيْنَاً))(14).

وفي هذه المتوالية الدلالية التي ترتبط بالرمز التاريخي الديني عيسى ابن مريم(ع)، والتي تفجَّرت من خلالها دلالتا: (الشَّكُّ بالقتلِ-  والبقاءُ حَيَّاً) لدى قاتليه. وقد أراد الشاعر يحيى السَّماوي من خلالها في تناصِّه المتحوِّل تقويةَ المعنى الدلالي ونزع فرضية الشكِّ لدى المحبوبة في حضوره المذهل، ليختفي الشكُّ وتبقى دلالة الحضور الحياتي شاهداً حيَّاً على ذلك، لا الحلم الذي شُبِّهَ لها، والذي يُلغي فرضية جدلية الحضور والغياب الذي أثارته بنية النصّ الشعري التَّراثي دينياً وتاريخياً وواقعاً آنياً مُعاشاً عندهما.

ويُجدِّدُ السَّماوي في قصيدته الحوارية القصصية(مَا الَّذي تَعنينَ لِي؟) جدليةَ الحضور مع الحبيبة في علاقةٍ تفاعليةٍ حواريةٍ نصيِّةٍ حاضرةٍ مع نصٍّ تراثي ٍدينيٍ يَرتبط بقصة سيدنا يوسف(ع) مع (زُليخة) زوج عزيز مِصرَ، والَّتي استدعاها تمثُّلاً بالعبارة القرانية الشهيرة((هَيتَ لكْ)) في مِعرض قوله تعالى بسورة يوسف: (( وَرَاوَدَتْهُ اَلَّتِي هِيَ فِي بَيْتِهَاعنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكْ))(15)، والتي عبَّر عنها الشاعر بهذه المعاني المتوالدة في نصه التحوِّلي الرمزي المُستحضر قائلاً بصوت الراوي الشعري العليم:

فَإِذَا صَوْتٌ كَمَا الوَحْيُ

أَتَانِي مِنْ وَرَاءِ البَابِ

نَادَانِي:

لِتَدْخُلْ

فَأَنَا قَدْ "هَيْتَ لَكْ"(16)

في هذا الطقس الديني المشحون بالمعاني الدلالية المتوالدة في ذهن الشاعر؛ كونه نتاجاً فردياً ذاتياً من ناحية الشاعر، وجماعياً من ناحية الآخر القارئ، وباعتبار أنَّ النصَّ ليس معزولاً ولا يُمثِّل ظاهرةً منُفردةً لِوحدِها كما ترى جوليا كرستيفيا، فهو بطبيعته الجمعية مركَّب من التضمين والاقتباسات النصية السابقة، وهو تحويل لنصٍّ أخر، وقد فجَّرَ يحيى السَّماوي في علاقته التفاعلية مع النصِّ الدِّيني السابق دلالتي(الاشتهاءِ والمُراودةِ)التي ترتبط رمزياً وتاريخيَّاً بالمؤثِّر الشرطي الإغوائي لهما ثيمة الرمز(زُليخة).

ولكنَّ الشاعر في تعامله النصِّي التفاعلي أراد أنْ يعكس صدى تلك الصورة الرمزية والتاريخية الدينية القديمة مع توحده بالحبيبة؛ ليُحيلها إلى عَدمٍ وَدَمار،حيثُ تختفي رمزية صورة(الاشتهاءِ) من مواطن نصِّه الحالي؛ لِيحلَّ مَحلَّها دلالتا(الصَبرِ والصَدودِ) عن الفعل، وأن يخفي دلالة(المُراودةِ) العاطفية؛ ليخلقَ لنا بدلاً عنها دلالة عنصر(التَّسامِي) الرُّوحي والنفسي، والعمل بمبدأ التَّرفُعِ العابر لهذه الغريزة الانسانية من إيجاد عاكس دلالي لها بين(الثوابت والمتغيِّرات) الدلالية التي يفيض بها مناخ النصَّ الشعري وأجواؤه.

ولا ينفكُّ الشاعر العاشق الشغوف يحيى السَّماوي في مدوَّنات تناصَّاته النصوصية التفاعلية عن التأثُّر بالمعطيات الدينية التي يتوحَّد فيها مع المعشوقة قلباً وروحاً وجمالاً؛ ليثبتَ لها تَقوى رغبته وفقرَ حالهِ الذاتِي، وكأنَّه في الحبِّ إنسان فقير اجتمعت له من الصفات أنَّه (مسكينٌ ويتيمٌ وأسيرٌ) وغريب يستجدي الرحمة ليديم عُرى صيرورةِ الحُّبِّ بهذه الدلالات الدينية التي لها مَعانٍ كبيرةٌ في التفسير الديني:

فَأَنَا

أَوْصَى بِيَ اَللهُ

يَتِيْمٌ وَغَرِيْبٌ وَأَسِيْرْ (17)

لا أريد في هذا المقطع التفاعلي أنْ أبحثَ عن المعاني الدلالية لهذه المفردات الدينية الثلاث التي تناصَّ فيها الشاعر مع سورة الإنسان في قوله تعالى:((وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيْرَاً))(18)، بقدر ما أريد أنْ أكشف  بقراءة جديدةٍ لهذا التحوِّل النصِّي الجديد أنَّ الشاعر يُقدِّمُ للحبيبة ولاءاتِ الطَّاعةِ العشقيةِ، والشفقة به من خلال هذه المُهيمنَات الدينية الثَّلاثة ليس بمعناها المُعجَمِي السِّياقي المعروف، وإنَّما بمعناها الدِّلالي السياقي البعيد. فهو يتيمٌ لا أبٌ له في الحبِّ، وغريبٌ لا وطن له سوى المُحب، وأسيرٌ عَانٍ لَدى الحبيبةِ التي هي رمز الرحمة والملاذ الذي يجد فيه الأمان الدافئ.

وفِي أبجديات نصِّه الشعري(دَربُ النَّدى) تلكَ القصيدة التي اتَّخذ منها السَّماوي طريقاً سالكاً في الحبِّ يلتمس فيه النور الذي يُعمِّرُ قلبَهُ  ضياءً يُطفئُ به عُتمته الروحية الحالكة؛ وذلك من خلال أسلوب القسم الذي يجد فيه الشاعرُ استراحة تأكيديةً لجنون نفسه الهائمة بها حين تسمو مطمئنةً هادئةً في رحاب معشوقٍ يستمدُّ منه مخياله الروحي صفاءً وسكينةً بهذا القسم المرتَّل حبّاً ترتيلاً مُحوِّراً سياقَ الآية القرآنية:

أَقْسِمُ بِالضُّحَى

وَبَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى وَرَبِّ الرَّحْمَةْ

 

 

إِنَّ جُنُونِي فِيْكِ

أضحى حِكْمَةْ(19)

إنَّ ظلال هذه الدفقة الشعورية تستمدُّ موضعيتها التناصيَّة ومشاهدها الفكرية وإيقاعها النصِّي من كلمةٍ خالصةٍ للنَّبي (ص) خصَّه بها الله تعالى في سورة الضحى؛ لتكون إطمئناناً وترويحاً وتسليةً له ولروحه المتعبة، وقلبه الموجع بالألم، فأقسم بها الله تعالى؛ ليبعُدَ هجيرَ الجحودِ، ويُبدِّدَ التكذيبَ حين قال: ((والضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))(20). والشاعر في تناصِّه الحالي لا يكتفي فلسفياً بقسم سورة الضحى، وإنَّما يُضفي عليه تأكيداً للقسم برحمة الله؛ ليعضدَ حبَّه الذي أضحى جنوناً بالحبيبة؛ لكنَّه جنونٌ حكيمٌ مجرَّبٌ لِلحبِّ يَعرف قسوتهُ القتالية اللَّاهبة في ميادين العشق الحقيقية المجرَّبة.

وإذا كان الاقتباس أو التضمين المطابق من التراث بصوره الثلاث(الدِّينيُ، والتَّاريخيُ، والشَّعبيُ) يعدُّ عيباً نصيَّاً مُحرَّماً في الشعر والنثر الحديث، فإنَّ التَّناصَّ المتحوِّل هو البديل الذي أباحه النُّقاد في النقدية الحديثة. وقد وجد فيه السَّماوي ضالته المفقودة في الاستفادة منه "في خلق دلالاتٍ نَفسيةٍ تُوطِّرُ الفكرة أو تُضفي عليها شيئاً جديداً(21) " مُعبِّراً عن موقعه الذاتي في إعادة إنتاج نصٍّ حاليٍ يَتفاعَلُ مع تجربته المتوحُّدة ويجلو تشخيص حركته الفعلية والجمالية بهذا الترتيل الشعري المستمدِّ تجَدُّدهُ من روح القرآن:

لَا تَقُلْ أُفٍّ

إِذَا أَوْلَغَ فِي نَهْرِكَ ضَبْعٌ

أَوْ دَنَا مِنْهُ سَفِيْهْ (22)

وقد أفاد السَّماوي في متفاعله النصِّي التَّحوِّلي من (سورةِ الإسراءِ) في تضمين فكرة(التَّأفُفِ) وتطوير دلالته التي هي أدنى مراتب القول السيِّئ في الفعل القبيح، فقال تعالى ناهياً ومحذِّراً منها: ((فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنَهَرهُمَا وَقُلْ لَهمَا قَوْلَاً كَرِيْمَاً))(23).فَإِذَنْ الشاعر ملزمُ بآداب الحبِّ وتَلَطُّفه الذي يفرض عليه ما يلذُّ من الحسن الطيِّب، مهما كانت نتائج ذلك التأدُّب وسلبياته التي لا ترقى إلى نهر الحبِّ الجاري.

ويجنح السَّماوي كثيراً في انزياحاته النصيَّة التناصيَّة في الاستفادة من استثمار أدبيات التراث الديني في توظيف الشعائر الدينية في الإسلام، فيستدعي شعيرة(السَّعي) بين (الصفا والمروةِ) عند الطَّواف في الحج مُستفيداً من دلالاته القرآنية في قوله تعالى:((إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اِللهِ فَمَنْ حَجًّ البَيْتَ أَوْ اِعْتَمرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ َيَطُوْفَ بِهُمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرَاً فَإنَّ اَللهَ شاَكِرٌ عَلِيْمٌ)) (24). إذ يقول مُعبِّراً عن قصة هذه الشعيرة بلغة شعرية مخيالية رائقة التعبير، شفافة التقدير بلغتها التصويرية الخبرية الشعرية:

لِأَطُوْفَ

حَوْلَ سَرِيْرِكِ المَائِيِّ

عُشْبَاً ظامِئَاً

مُسْتَجْدِيَّاً كًأْسَاً مِنِ الخَمْرِ الحَلَالِ

وَلَيْلَةً أَسْعَى بِهَا

مَا بَيْنَ خِدْرِكِ  فِي"صَفَا" قَلْبِي

"وَمَرْوَةِ" مُقْلَتَيْكْ(25)

فالطواف على الرغم من كونه عادةً قديمةً وشعيرةً بدأت منذ هجرة سيدنا إبراهيم(ع) حينَ سَعتْ زوجه السيِّدة هاجر بين الصفا والمروة، وجعله الإسلام واحداً من أركانه الأساسية الخمسة في الحجِّ والعُمرةِ، فإنَّ الشاعر طوَّر فكرة السعي في ميدان الحبِّ الصوفي المعتَّق وحوَّره تخليقياً وإنتاجياً؛ ليتخذ منه محجَّةً ومثابةً روحيةً لا بدَّ للعاشق أنْ يطوف بها ليسمو تطهراً ووضاءةً في شعائره العشقية ويتطهَّر قلبه المتعب بطهارة هذا الطواف، طواف عاشقٍ ظامئٍ لخمره الحلال يُكمل به دينه العشقي المقدَّس. وقد أعطى السَّماوي لهذا الطواف شيئاً مُقدسَّاً من روحه التي تَفيضُ لِهذه الشَّعيرةِ السَّماوية الثَّابتة فيوضاتٍ جَمَّةً.

إنَّ الشعور بالألم ورفض الواقع السياسي للوطن المذبوح  والثورة عليه بكلِّ الوسائل الإبداعية المتاحة كان شرارةً لاهبةً من شراراتِ تمرُّد الشاعر وثورته؛ لتحقيق نصر نفسي كبير عليه. حتَّى وإنْ كان هذا النصر دافعاً حقيقياً في مسارب الحبِّ التي جسَّدها الشاعر دينياً مُستفيداً في موضوعيته الشعريَّة من قصة(آدمَ وحواء) مع الشجرة التي أخرجتهما من فردوسهما الأعلى هبوطاً من سماء الجنَّة وخيرها إلى أرض الشرِّ والخطيئة. وهذا ما تفوح به رائحة قصيدته(تُفاحةُ النُّعمى)التي جاء فيها السرد الحكائي المتناسق اقتباساً تضمينياً لثيمتها الفكرية بلغة المجازات الانزياحية التي تعتمد المخيال الشعري أسلوباً فنياً وجمالياً في البناء النصِّي للخطاب الشعري الذي يتعكَّز الشاعر السَّماوي على صوره المنتجة؛ لخلق  جوٍّ (روحِيٍ روحِيٍ) و(نَفسِيٍ نَفسيٍ)من المقدَّس الديني شيئاً تناصيَّاً جديداً في مشاهد القصصية الشعريَّة:

تُفَّاحَةُ الأَمْسِ البَعِيْدِ

رَمَتْ "بِآدَمَ"

خَارِجَ الفِرْدَوْسِ

فَاِنْطَفَأَ الصَّبَاحُ

بِمُقْلَتَيْهِ

وَأَغْمَضَتْ أَجْفَانَهَا الأَقْمَارُ

فَهْوَ لِذِئْبِ مَنَدمَةٍ

طَرِيْدْ(26)

***

د. جَبَّار مَاجِد البَهادِلي

...................

من كتاب بنفس العنوان سيصدر في الأيام القليلة القادمة .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم