صحيفة المثقف

صادق السامرائي: وما أدراك ما تلك؟!!

صادق السامرائيتلكَ: إسم إشارة للبعيد، للمفرد والمؤنث، والكاف فيه للخطاب.

"...وتلك الأيام نداولها بين الناس...." 3:140

"تلك" أخذت تطغى على كتاباتنا وخطاباتنا، فنقول : تلك أيام جميلة، وتلك حالات زاهية، وتلك فترة عزيزة آمنة، وغيرها.

وتردني صور متنوعة من الأصدقاء، وتبدأ بكلمة "تلك"!!

وقيها تعبير عن التردي والإنكسار، والذي كان أفضل مئة مرة ومرة من الذي يكون، مما يعني أن المجتمع يسير إلى الوراء، وإرادة القهقري فاعلة فيه، ومهيمنة على وجود المواطنين.

وخصوصا عندما تطول فترة الرقود، ويتنامى الإنهيار، ويتعاظم الفساد، وتنقلب الموازين، ويسود ما هو مرفوض ومستهجن، ويتحطم الوعاء الوطني، ويتأسد التوصيف التفريقي التدميري للحياة، في زمن تهدّمت فيه أسوار العزلة والإنحصار.

تلك، وتلك، وما نحن فيه لا يقترب منها ولا يجاريها، بل يزيدها قوة ورسوخا في وعينا الجمعي، حتى لتبدو وكأنها قد بلغت مرتبة المستحيل.

إن التشبث بما مضى وما إنقضى، من أخطر السلوكيات التي تواجه المجتمعات، وتدفع بها إلى التجمد في مكانها، وإستلطاف ما هي عليه من الأحوال المريرة، لأنها ستعطّل عقول أبنائها، وترهن أجيالها بالخمول وضعف الإرادة، وطغيان اليأس والتشاؤم والإبلاس.

وعلى المجتمع أن يستفيق من قبضة "تلك"، وينطلق نحو ما هو إيجابي، ويتوثب لمستقبل يريده، ويرسمه بقوة ما فيه من الطاقات والقدرات، والمهارات اللازمة لصناعة وجوده اللائق به.

فقل "نكون" ولا تقل "كنا"، فمن الضروري التأكيد على مفردات صيغة المضارع، لأنها تعني الحاضر والمستقبل، أما المفردات الماضوية فتجلب المحن والعجز، وتبعد الناس عن التحديات التي تواجههم، وتدفع بهم للهرب إلى خنادق التبعية والإمتهان.

فابْعِدوا "تلك" المثبطة للعزائم، والطاردة للجد والإجتهاد!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم