صحيفة المثقف

حاتم حميد محسن: هل الفلسفة الأخلاقية تساعد الناس عملياً؟

حاتم حميد محسنان دراسة الفلسفة الأخلاقية يجب ان تمكّن الناس كي يصبحوا أفضل حالا. انها يجب ان تمنح القدرة على فهم الطرق التي تؤثر بها أفكارنا وأفعالنا على الآخرين. كذلك يجب ان تجعلنا نرغب في التصرف الجيد حتى عندما لا نكون دائما قادرين على ذلك. اذا كانت دراسة الفلسفة الأخلاقية لا تنتج أي من هذه النتائج، فنحن بالتأكيد يجب ان نسأل عن الفائدة منها؟

ارسطو لاحظ ان الموسيقيين يستطيعون ان يصبحوا موسيقيين فقط  من خلال العزف على الأدوات الموسيقية. ومثلما نسأل عن الهدف من تعلّم نظرية الموسيقى دون استخدام  آلة موسيقية، كذلك نستطيع السؤال ايضا عن فائدة مناقشة النظريات الأخلاقية اذا لم يكن لها أبدا أي  تأثير على أفعالنا. اذا كانت النظرية منفصلة عن التطبيق، فما هو الغرض منها؟

هل الفلسفة الاخلاقية تنجز أهدافها؟

يُنظر دائما الى الفلسفة باعتبارها غير ملائمة عندما تصبح دراستها الاكاديمية  ضيقة ومنعزلة ويصعب الوصول اليها ومنفصلة عن غرضها الأصلي. هذا بالذات يُعتبر هاما عندما يتعلق الامر بالفلسفة الاخلاقية، لأنه عندما يصبح هذا الحقل منفصلا عندئذ فان النمو الأخلاقي للأجيال القادمة  سيصبح عرضة للخطر. في المسرحية الكوميدية التلفزيونية (المكان الجيد)،2016-2020 ، يوضح احد الشخصيات المشاكل التي تبرز من فصل الفلسفة الاخلاقية عن الفلسفة التطبيقية.  Chidi (شيدي) وهو بروفيسور لامع يحب القراءة ولديه موسوعة معرفية في الفلسفة الأخلاقية عبر التاريخ، يخصص كل حياته فقط لدراسة الفلسفة الاخلاقية وان معرفته المكثفة تجعله يحسب كل نتيجة ممكنة، الواجب، والنية في كل مرة يحتاج فيها الى إتخاذ خيار، ولهذا السبب فهو في الحقيقة لم يكن قادرا ابدا على عمل اي قرار أخلاقي. مشاهد  المسرحية مضحكة لأنها تجعل هناك فجوة بين الفلسفة الاخلاقية والممارسة الاخلاقية تبدو كأنها سخافة ساخرة، لأنه عندما يفكر (شيدي) بالنتائج الأخلاقية لكل مادة في قائمة الطعام، فان النادل يجب ان يأتي خمس مرات قبل ان يقرر شيدي نوع الطعام المطلوب. تلك الفجوة تثير اسئلة خطيرة حول الطريقة التي  تُدرس وتُدرّس فيها الفلسفة الأخلاقية.

هل الفلسفة الاخلاقية تجعلنا أفضل حالا؟

عند شراء الطماطم من بائع الخضار يعني اننا وبلا قصد ندعم مبيدات الآفات السامة، استغلال القوى العاملة، وكذلك المساهمة في الإحتباس الحراري. الانسان يعتقد انه يعمل خيارا واحدا، لكنه في الحقيقة يعمل العشرات من الخيارات التي لا يعلم انه يتخذها (ميخائيل،المكان الجيد).

الفلسفة الأخلاقية يجب ان تكون احدى اهم الموضوعات التي يدرسها أي شخص. ومثلما يذكر الشخصية المسرحية (ميخائيل) أعلاه، فان العولمة، التصنيع،الرأسمالية ، الى جانب عوامل اخرى، تجعل العالم غير مؤكد أخلاقيا. انه تحدّي لأي شخص في ان يحكم بدقة على النتائج والتداعيات الاخلاقية لأفعاله بالتركيز على تاثيراتها، وفي ان يكون كل من لديه ضمير قادرا على التصرف الجيد.

اذا اريد للفلسفة الاخلاقية ان تكون فعّالة في مساعدتنا لنصبح اناسا أفضل، فهي يجب ان تبدأ بهذا النوع من التحديات. انها يجب ان تعلّمنا حول تأثيرات القضايا الواقعية بالتفصيل لكي يمكن وبمعرفة هامة وملائمة إيصال عقائدنا الاخلاقية وافعالنا .

تعلّمنا من التجربة بان مناهج الاخلاق التدريسية تميل لتبدأ بالتجريد عبر طرح اسئلة عامة حول ماهية الاخلاق وكيف نعرف الصحيح من الخطأ، ايضا تطرح تلك المناهج تجارب فكرية لايمكن ابدا ان تحدث في الواقع. هي تجسّد نظريات اخلاقية تاريخية تقريبا لا احد يعيش بها مباشرة اليوم، عادة بدون أي احالة لسياقاتها التاريخية، ومن ثم تسأل الطلاب توضيح كيفية استعمال تلك النظريات التاريخية في الاستجابة للسيناريوهات الافتراضية. نحن نكتسب من هذا معرفة في النظريات الاخلاقية وفي الفلاسفة الذين أوجدوها، بالاضافة للمفردات التقنية لتوضيح المفاهيم الأخلاقية. لكن يجب ان نسأل : كيف يساعدنا هذا لنصبح اناسا افضل؟

تنقسم الفلسفة الاخلاقية تقليديا الى اربعة فروع: الأخلاق الفوقية meta-ethics – تتعلق بماهية  الاخلاق، والاخلاق المعيارية وتصف كيف يجب ان نتصرف ولماذا، والاخلاق الوصفية – وتدور حول ما يعتقد به الناس حقا من حيث الصحيح والخاطئ، والاخلاق التطبيقية applied ethics والتي تضع النظرية موضع التطبيق. فقط عندما ندرس الاخلاق التطبيقية يصبح للطلاب فرصة لدراسة القضايا الملائمة المباشرة لحياتهم. غير ان مستوى العمق الذي تغطي فيه هذه القضايا هو محدود بسبب متطلبات دراسة الفروع الثلاثة الاخرى من الاخلاق ايضا، لذا فان المعرفة المكتسبة هي عادة ليست هامة بما يكفي لمعالجة هذه القضايا بكفاءة. كذلك، النظريات التي يدرسها الطلاب ليطبقوها على القضايا هي عادة تاريخية. وهكذا، هم سيكون من الافضل لهم تطبيقها على سياقاتها التاريخية المحددة.

النظريات الاخلاقية التاريخية مثل النفعية والاخلاق الظرفية situational ethics لم تتشكل بعزلة، انها عكست عقائد مناصريها استجابة للقضايا الاخلاقية في زمانهم. المؤسسون الأصليون للنفعية الكلاسيكية، جرمي بنثام (1748-1832)، وجون ستيوارت مل (1806-1873) كانا كلاهما نشطين متحمسين للاصلاح السياسي، يتحدثان عاليا في زمانهما عن قضايا الحقوق مثل الحاجة للديمقراطية، وحقوق الحيوان، ومناهضة العبودية، وحق الاقتراع للمرأة. خصيصا، (مل) تحدّى بقوة القانون في ذلك الوقت الذي أعلن بان المرأة ليس لها حق التصويت طالما هي ممثلة بزوجها. النفعية، التي تدعو بان افعالنا يجب ان تضاعف السعادة الكلية، تعارض بوضوح مثل هكذا قانون. جوزيف فليتشر (1905-1991) مؤسس الاخلاق الظرفية كان رائدا في حقل اخلاق الطب البايولوجي، وان تفكيره قاد الى اتجاه اكثر ليبرالية واقل دوغمائية في القضايا الاخلاقية مثل الاجهاض ومسائل الخصوبة. أخلاقه الظرفية تتجذر في تعاليم المسيح في تشجيع الناس ان لايتصرفوا بطاعة عمياء للأوامر الاخلاقية، وانما من الحب نحو الآخرين. غير انه، في الفلسفة الاكاديمية،تُدرّس النظريات الاخلاقية بعزلة، قبل ان تُطبّق على القضايا وبدون فائدة كبيرة. هذا يفسر لماذا لا احد تقريبا يعيش مباشرة في هذه النظريات اليوم. الاسئلة المجردة الخالصة ستكون لها أجوبة مجردة خالصة. ولكن عندما تُطرح الاسئلة بعزلة، مثل "كيف نعرف الصحيح من الخطأ"؟ و "كيف يجب ان نعيش حياتنا؟" تكون اسئلة مجردة ، وعندما يُجاب عليها بعزلة فسيقود ذلك الى أجوبة مجردة. وبالتالي، النقاشات الفلسفية التي تقارن حسابات بنثام في المتعة مع الاخلاق المطلقة لكانط، او حول ما اذا كانت الاقوال الاخلاقية مسائل للحقيقة ام انها فقط تعبيرات عن العقيدة، يُحتمل كثيرا ان تكون  خالصة نظريا دون أي علاقة لها مع الحياة الواقعية. وهكذا،ينهي الطلاب دراستهم بأفكار ليست أفضل مما كان لديهم قبل ان يبدأوا كيفية معالجة التحديات الاخلاقية التي يواجهونها عمليا.

ماذا نحتاج للتغيير؟

الفلسفة الاخلاقية يجب ان تعطي طلابها الفرصة ليصبحوا افضل الناس، وفي عدة طرق انها تفشل بالقيام بهذا. الفلسفة الاخلاقية يمكنها استعادة سمعتها لتصبح موضوعا ذو أهمية كبيرة. ولكي يحدث هذا، تُطرح التغيرات الثلاثة التالية:

1- يجب ان لا يكون هناك فرق بين الاخلاق والاخلاق التطبيقية. الاخلاق التطبيقية لا يجب النظر اليها كفرع من الاخلاق. بدلا من ذلك، الاخلاق والاخلاق التطبيقية يجب ان ينظر اليهما كشيء واحد.

2- جميع دراسة الاخلاق يجب ان تبدأ بقضايا الحياة الواقعية بدلا من البدء بافتراضات من خلال تجارب فكرية، وتعريفات مكثفة للغة فلسفية او نظريات أخلاقية تاريخية.

دراسة القضايا الاخلاقية للحياة الواقعية يجب ايضا ان تتأسس على هيكل قوي من المعرفة الحالية، لكي يستطيع الطلاب تطوير فهم دقيق لآثار وتداعيات رؤاهم وافعالهم.

3- نظريات الاخلاق التاريخية لا يجب ان تُدرس بعزلة، ولايجب ان تُطبّق عشوائيا على قضايا الحياة الواقعية. بدلا من ذلك، هذه النظريات يجب تدريسها ضمن اطار من سياقها التاريخي. كذلك، عقائد الطلاب الاخلاقية يجب ان ترتكز على استجاباتهم الشخصية لقضايا الحياة الواقعية، لكي  يتحفزون للعمل بها.

 

حاتم حميد محسن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم