صحيفة المثقف

بكر السباتين: إضاءة نقدية وقصة فحماوي القصيرة جداً

بكر السباتينفي القصة القصيرة جداً التالية التي كتبها الروائي صبحي فحماوي تجد رمزية سيشعر المتلقي لو فك رموزها بأنها رسالة تتضمن هزيمة الفتاة أمام قيود والدها واستشعار بقائها على ذات الحال حينما تتزوج وخاصة -كما يبدو- بأن الخيار كان لوالدها.. وعلى متلقي هذه الرسالة أن يتخيل نفسه محلها ليتخذ قراراً برفض هذا الخيار كونه (كونها) صاحبة القرار شرعيًا، أو أن لتبرمج نفسها على علاقة زوجية تكون فيها أكثر استقلالية في إطار التعاون القائم على الاحترام.. لأن الخوف لا ينتج إلا الهزيمة والرماد.. وميزة القصة القصيرة جداً أنها لا تحتمل تفاصيل كثيرة، على أن تمتلك مفاتيحَ تساعد القارئ على تخيل ما ستفضي إليه الأحداث في اللاوعي، وهذا الهدف من كتابة هذه العجالات الإبداعية المكثفة في زمن متسارع لا ينتظر أحداً .. وبوسع القصة تأجيج العواصف من الأسئلة في رأسه حتى لو قرأها المتلقي وهو يشاطئ الطبيعة من خلال نافذة قطار لاهث باتجاه ما.. ودواليبه تعلك الوقت برتابة فتثير في المتلقي الارتياح ليتعايش مع تفاصيل القصة في حشاياه فتختمر الأسئلة حتى تخرج بإجابات من شأنها أن تعطي مساحة أوسع للتأمل بعناصر قصة وافية.

النص:

"ناداها أبوها وهي في غرفتها: هل شاهدتِ عريسك القادم لخطبتك يا ليلى؟ قالت : لا..لم أشاهده..فقال الأب: "إذن تعالي اعملي له فنجان قهوة."

بكت ليلى وهي تتخيل أن علاقتها مع عريسها تبدأ بالخدمة"

وفي هذا المقام فالقصة لا تحتمل المقارنة مع الرواية لأنها تشبه حبة العرق التي تسيل فوق الجبين عبر خيوط الزمن والتجاعيد في وجه منهك، أما الرواية فهي كالنهر الهادر الذي يشق الأرض التي تمثل المكان عبر الزمن الممتد، ويسير هادراً دفاقاً عبر الأخاديد العميقة، وترفده السيول وتقطع طريقه المكتنزة بالحياة شلالات تمثل أحياناً الذروة، وسدود تمثل خلاصة الصراع مع الأنسان في سياق ذروة أخرى، حتى يصل البحر الذي سيأخذه بالأحضان في نهاية مفتوحة.

وفي القصة أعلاه، فالفكرة ركن أساسي بارز تمتد تفاصيلها في عقل المتلقي ليشارك في كتابة النص في المتخيل، والزمن لحظي لا يتضمن تفاصيل متراكمة أو متشظية وسوف يرافق تفاصيل الفكرة مع عناصر القصة الأخرى إلى ذاكرة المتلقي، والشخصيات الرئيسة والثانوية أخذت نفس المساحة في النص وستكتمل أبعادها ما بين الفكرة على الورق وما ينداح منها من دوائر في عقل المتلقي الذي سيتعامل مع الفكرة بحرية وفق صلاحيات الشريك في كتابة النص ووضع النهاية التي ستأخذه إلى النشوة والارتياح.

أما بالنسبة للاستحواذ على الفكرة فمن الطبيعي أن تكون الفكرة تمثل نواة العاصفة التي ستنداح دوائرها انطلاقاً من عمق الفكرة في رأس الكاتب حتى أقصى مدى يمكن الوصول إليه في رأس المتلقي أثناء تأملاته للنص. فالفكرة ملموسة وتمثل منصة الانطلاق لكل الأسئلة التي سترافق لحظات التأمل من خلال مفاتيح النص إلى المتخيل في ظل ما قدحته الفكرة في رأس المتلقي من خيارات محتملة!

هنا تتجلى غاية القصة القصيرة جداً.. في أن تصل بمفاتيحها رأس المتلقي فتذوب في وجدانه بعد أن تتحلل بفعل العاطفة والعقل الباطني فتصيبه بالارتياح من جراء وضع نهاية تناسب رؤيته أو الزكام الذي سينفره من القصة وربما كاتبه إذا اعتبرها موقفاً يجير للكاتب الذي اقتحم عقل المتلقي بدون استئذان.

أما بالنسبة لذكر اسم ليلى فهذه سقطة أوافقك عليها؛ ولكنها لا تضر النص كثيراً، فما يعنيني في سياق النص المكثف جنس البطل أذكر كان أو أنثى.

حينما تبكي الفتاة فهذا مفتاح للمشاعر ومصدر للدوافع والنتيجة مفتوحة فهي قد تشكل دافعاً للتحدي وبالتالي الرفض، أو سيمثل لها أبوها المرياع فتتبع صوت الأجراس حتى يأخذها مرياع آخر يتمثل بالزوج.. ولكن هناك احتمالات أخرى في أن يكون الزوج رحيماً أو نقيض ذلك! هذه مفاتيح تؤدي آخر المطاف إلى مساحات للتأمل.

والخلاصة أن القاص وضعنا في مشهد سريع زمنياً لكنه مليء بالمفاتيح والأسئلة التي سيأخذها المتلقي في رأسه ريثما يجد متسعاً للخوض فيها والتعايش معها من خلال فك رموزها أو تذهب طياً في ذاكرةٍ مزدحمةٍ لا تتسع لجديد.

 

بقلم بكر السباتين

17 أكتوبر 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم