صحيفة المثقف

علجية عيش: انتقال الصراع بين المصاليين والمركزيين إلى فرنسا

علجية عيشأجبرت الظروف التي تعيشها الجزائر في الفترة من اندلاع ثورة نوفمبر 1954 إلى انتقال الثورة إلى الأرض الفرنسية ، حيث أحدثت تأثيرا  على الرأي العام الفرنسي، هذا الانتقال الإجباري نتج عنه تأسيس فدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني،  وجاء تأسيس هذه الفدرالية في ظرف حساس جدا، تزامن مع  الصراع الذي وقع في فرنسا بين  جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية المصالية،  تحول الصراع من صراع سياسي إلى صراع مسلح انتهى بمقتل 4000 مهاجر جزائري خاصة وأن الفدرالية كانت امتدادا لفدرالية حركة الانتصار للحريات والديمقراطية

هذا ما جاء في دراسة تحليلية قام بها الباحث أحمد منغور بعنوان: "موقف الرأي العام الفرنسي من الثورة الجزائرية"، نشرها في كتاب صدر عن دار التنوير الجزائر، حلل فيه مشكل الهجرة في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي، وكيف انقسم المناضلون الوطنيون في فرنسا إلى مجموعات (الميصاليون، المركزيون والمنظمة الخاصة) كان عدد المهاجرين الجزائريين في فرنسا يصل إلى حدود 450 ألف جزائري وكان على جبهة التحرير الوطني أن تؤطرهم وتربطهم بالثورة الجزائرية في الداخل، لذلك قام محمد بوضياف بتعيين مراد طربوش على رأس هذه الفدرالية، كما ارتكزت مهام الفدرالية على تأطير الجالية الجزائرية المهاجرة وجرّها إلى صف الجبهة وتجنيد العمال الجزائريين في معركة التحرير، إلا أن الفدرالية واجهتها مشاكل وصعوبات كبيرة لأنها كانت تركز على فئة العمال دون  الفئات الأخرى من الجزائريين مما جعلها تعجز عن جمع الأموال والأسلحة وإرسالها إلى الجزائر.

أسباب الصراع بين المصاليين والمركزيين تعود إلى اعتقاد المركزيين بأن المصاليين الذين يمثلون الحركة الوطنية MNA كانوا على علاقة بالشرطة الفرنسية التي كان موريس بابون المسؤول الأول عليها وهو المعروف بعدائه الشديد للجزائر، فقد أراد بابون تطبيق على المهاجرين نفس السياسة التي طبقها في قسنطينة مما أدى إلى أحداث 17 أكتوبر 1961، أو كما سميت بـ: "معركة باريس"، خرج المهاجرون الجزائريون إلى شوارع باريس، في مسيرة سلمية وهم يواجهون الشرطة الباريسية ، هي ليست المواجهات الأولى التي تلقتها الجالية الجزائرية في فرنسا أيام الثورة،  فقد سبقتها مظاهرات 14 جويلية 1953 عندما أطلقت الشرطة الفرنسية النار على الجزائريين المتظاهرين مع الكنفدرالية العامة للعمال CGT في ساحة الأمّة عند إحياء ذكرى الثورة الفرنسية وحدثت تجاوزات خطيرة ارتكبتها الشرطة الفرنسية في حق المهاجرين الجزائريين.

 هذه التجاوزات يقول موريس بابون خلال محاكمته أن جبهة التحرير الوطني FLN وحدها تتحمل المسؤولية، لأنها نقلت الحرب إلى فرنسا، فالخطأ الذي وقع فيه الأفلان هو انه لم يبق الوضع هادئا في فرنسا، بحيث نقل صراعاته الداخلة إلى فرنسا، لأنه ليس من مصلحته كما يقول الكاتب إشعال نار الثورة في فرنسا طالما هو القاعدة الأساسية في تحويل الثورة وشراء الأسلحة،  وهو السؤال الذي يطرح من جديد، ما علاقة الصراع بين المصاليين والمركزيين بأحداث 17 أكتوبر1961؟، لاسيما وهذه الصراعات تركت لدى الرأي العام الفرنسي تساؤلات، من أبرزها سؤال: لماذا يتقاتل الجزائريون في فرنسا؟، خاصة وأن الصراع بين الحركة المصالية وجبهة التحرير الوطني تحول من صراع سياسي إلى صراع مسلح، أي دموي اتخذ أسلوب التصفية الجسدية، حيث بلغ عدد القتلى حوالي 4000 قتيل و9000 جريح من جملة 12000 اعتداء، تركزت أغلبها في العاصمة باريس وهذا في سنة 1958 وكان مصالي الحاج قد نجي من إحدى العمليات التي استهدفته في إقامته الجبرية، وبسبب غيابه ( أي مصالي الحاج)  كانت نتائج الصراع لصالح الجبهويين ولذا لم تكن هناك ردود أفعال لدى الرأي العام الفرنسي خاصة وأن فئة كبيرة من الشخصيات الفرنسة والكتاب والمفكرين والصحفيين الذين يعارضون سياسة الحكومات الفرنسية في الجزائر ويرفضون الاستعمار.

فما هو متعارف عليه هو أن جبهة التحرير الوطني ولدت من صلب حزب الشعب الجزائري وكانت تسير على نهجه في حربها مع الاستعمار الفرنسي، وهو السؤال الذي لم يلق له جواب عن سبب انحراف جبهة التحرير الوطني عن حزب الشعب الجزائري الذي يعتبر التشكيلة السياسية الأمّ، كانت فيه القيادة واحدة يقودها مصالي الحاج، خاصة وكما تقول بعض الكتابات أن قياديي جبهة التحرير الوطني تخرجوا  كلهم من "المدرسة المصالية" ولكنهم تمردوا عليها، فمصالي الحاج من خلال "نجم شمال إفريقيا" و"حزب الشعب الجزائري" ربط التحرر بالبعد الحضاري العربي الإسلامي، حسب تصريح مولود قاسم نايت بلقاسم، لولا مصالي الحاج لما وجد حزب الشعب الجزائري ولما عرف الجزائريون كلمة الاستقلال 

أما الصحافة الفرنسية فقد كان لها اهتمام كبير بالقضية الجزائرية خاصة خلال أحداث 17 أكتوبر 1961 التي نظمتها الجالية الجزائرية في باريس بأمر من الجبهة، وتعرض المتظاهرون إلى القمع من  طرف الشرطة الباريسية، حيث ألقت بعض الأقلام المسؤولية على جبهة التحرير الوطني باعتبارها المسؤول عن المظاهرات، في حين حمّل آخرون الجنرال ديغول المسؤولية على اعتبار انه لم يوفر الشروط الكافية لاستمرار المفاوضات في 20 ماي 1961 والتي توقفت في 19 جوان من  نفس السنة،  كما يظل السؤال مطروحا ما علاقة الصراع بين المصاليين  والمركزيين في فرنسا بأحداث 17 أكتوبر 1961؟ هل كان مخطط من طرف الجبهة لإبراز قوتها أمام الحركة المصالية وبالتالي إفشالها؟

تشير بعض الكتابات أن جبهة التحرير الوطني عجزت عن مواجهة الراديكاليين بقيادة إدوارد هيريو وتمسكه بالنظرية الراديكالية التي بواسطتها يتم تحضير الشعوب ونشر الحضارة الفرنسية وبالتالي جعل الجزائر فرنسية وكذلك المنتخبون الأوروبيون من الجزائر وفي مقدمتهم بورجو وريني ماير وغيرهم، وكذلك الحزب الاشتراكي،  المدافع عن مشروع  الجزائر الفرنسية أمام إصرار رئيس الحكومة الفرنسية ميشال دبري على الحفاظ على المشروع باستعمال كل الوسائل، وهو بذلك يسير على النهج الديغولي، حيث قرر بابون تدمير جبهة التحرير الوطني والقضاء عليها نهائيا، ما دفع قادة الجبهة إلى إصدار أمر بخروج  المهاجرين الجزائريين إلى الشارع في مظاهرات ونقل الثورة الجزائرية إلى فرنسا وهذا من باب الندية.

 

قراءة علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم