صحيفة المثقف

المولدي فرّوج: السين وسوس السياسة

المولدي فروجسيداتي سادتي كنا تحدثنا سابقا في غير هذه السّاحة عن مسألة تبدو للعيان سهلة ولكنها عسيرة على العقول وقلنا في معرض حديثنا عن العربية واختلاف النحويين حول جذعها واصلها وفصلها، وعن الحروف في اللغة العربية وأسباب نزولها وعلاقتها بذات المتكلم، وبعد فحص وتمحيص ودراسة وتلخيص اكتشفنا ان الحروف لا تتساوى في الصفة ولا في المدلول ولا حتى في القيمة والاحترام عند الكاتب آو السارد وتأكد لنا أن أكثر الحروف شرّا وخبثا هو حرف السين .هذا الحرف أساء إلى لغتنا العربية واثر في سياسة بلدنا الحوارية. وها نحن نقدم بكل حماس على فضحه وتعرية مسيرته، وستكتشفون في هذه الأسطر سرّ اهتمامنا به وسبب تركيزنا عليه وسوف تلتمسون لنا العذر عندما تتأكدون انه لا يستأهل سوى كسر عظامه وأسنانه الثلاث.

سيداتي وسادتي

اخترت أن أبدأ كلامي بحرف السين فلا تتسرعوا في السؤال عن سبب ذلك فأنا أصارحكم بأنه ورد إلينا عن بعض الأسلاف السمحين الطيبين أن العربية حاولت مرارا  إسقاط حرف السين  من سجل الحروف ومحوه من حسبها ونسبها فكلفت اللسان بسحقه سحقا وسحله سحلا  فحاول المسكين سنينا طويلة لكنه لم يستطع فأصابه البؤس واليأس والهم والغم والكدر والقهر فاكتفى بسبه سبا قاسيا ولم يجد مهربا الا العمل على نسيانه وسماه سمّ اللغات وسوس الألسن.

فقد بات واضحا أن هذا الحرف تلبس بنا جميعا منذ أن دخلنا إلى المدرسة فركب ألسنتنا ودفعنا الى أن نصيح ونملأ القسم حسا رافعين سباباتنا نحو السماء نتسابق في سيدي/سيدي نرفعها الى مدرّسنا حتى نكاد أن نلامس رأسه. نستأذنه في إجابة خاطئة أو سليمة فيسمح لنا بالكلام لنسكت بعد الإشارة ومنذ ذلك الوقت سرت بيننا عادة المسكنة وصرنا نحسب لحرف السين ألف حساب، وأصبحنا كلما رغبنا في التهرب من القيام بعمل أو أردنا أن نضع وعدا بدون تنفيذ، أصبحنا نسوّف فنقسم أننا سنفعل وسنفعل وسنكون عند حسن الظن ولكننا ننكث العهد ونحنث في القسم. هذا الحرف الملعون استعمل معنا سياسة النسنسة والوسوسة يحشر نفسه في كل كبيرة وصغيرة فيتقدم الكثير من الأفعال خاصة تلك التي تميل بمحدثها نحو القبح والفعل الدنيء ويسير بنا إلى عدم الانضباط والتسيب فيحملنا قسرا إلى معان عافانا وعافاكم الله تدلّ على الانسياب والتسيّب مثل: سال وساق وساس وسار وساد وسطر وسبح وسعى وسرى وسرب وسام وساب وساد أو الى معاني الجريمة أو المرض فسمم وسعل وسقم وسوف وسخر وسخط وسرق وسلب وسبا وسجن وسحق وسحل وسقط وسطا وسوط وسلط وسد كلها أفعال تشي بالسوء. وكذلك فعل بالكلمات فدخلها من أحد جوانبها كالدنس او النجس فاستوطن بعض الكلمات ايضا فالسقم والسرطان والسعال والسل وسعل العين والسلاح والسكين والساطور والسيف والسهم والسندان كلها لا تسر القلب ولا تفرح النفس .

أما إذا سمحنا له بأن يتضخم ويكبر ويشتدّ عوده فسيصبح دالا على قوة الصوت وضخامته فصاح وصحِل صوته، وصخّ الحجرُ، وصدح الطائر، وصرخ، وصرّ، وصؤل البعير، وصدّ، وصرم (قطع) وصفد، وصكّ، وصلت بالسيف، وصلب وصمد وصمل.

ولقد رأيت بأم عيني كيف ان حرف السين يندس في الناس ويسري فيهم متمسكنا كالسلحفاة او يسير سير السكير مرة على اليمين ومرة على اليسار ومرة يسقط في وسط الكلمة ومرة يسيطر عليها ليسلبها معناها فانا أنبه السيدات والسادة الى ان سوس الحروف هو حرف السين الذي تتأسس عليها السياسة ويحبّه السياسيون لأنه أباح لهم فعل ساس يسوس وجعل من السياسة سوسا للشعوب.

 

المولدي فرّوج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم