صحيفة المثقف

ضياء نافع: غفوروف وخليل عبد العزيز في طاجيكستان

ضياء نافعاطلعت على مقال  بالروسية عنوانه – (الاكاديمي غفوروف بعيون الصحافي والسياسي العربي خليل عبد العزيز). المقال بقلم تاج الدين ماردوني، وهو حاصل على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا وباحث علمي في قسم الشرق الاوسط والادنى بمعهد اسيا واوروبا في جمهورية طاجيكستان (والمجلة العلمية لهذا المعهد هي التي نشرت المقال في نهاية آب / اغسطس 2021)، ويمكن القول – وبكل ثقة -  ان هذا المقال  يعدّ بحثا علميا حقيقيا ورصينا وأصيلا بكل معنى الكلمة، بحثا يعتمد بالاساس على قراءة معمّقة وشاملة وذكيّة لكتاب (محطات من حياتي)، الذي أصدره خليل عبد العزيز في بغداد عام 2018، مع التركيز على موضوعة مهمة جدا (بالنسبة لتاريخ طاجيكستان المعاصر) وهي - موقع ودور غفوروف (تلك الشخصية الطاجيكية السوفيتية المرموقة في عالم السياسة السوفيتية والدراسات العلمية للتاريخ آنذاك)، ومكانته في كتاب خليل عبد العزيز المذكور، والدور الذي لعبه في المسيرة الشخصية لعبد العزيز اثناء عمله في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية آنذاك، عندما كان غفوروف رئيسا للمعهد.

عنوان هذا البحث (أجبرني!) على ان اتوقف عنده، وان اطالعه بانتباه وبشكل دقيق وعميق، اذ انه يعني (فيما يعنيه)، ان كتاب العراقي خليل عبد العزيز اصبح مادة لكتابة بحوث من قبل باحثين أجانب من خارج العراق والوصول الى استنتاجات مبتكرة واصيلة في تاريخ بلدان اجنبية، وهي ظاهرة جديدة (قلبا وقالبا !) بحياتنا الفكرية في العراق، ظاهرة تثير طبعا الاعتزاز و الفخر عند كل عراقي (وقد شعرت بذلك خصوصا، عندما قرأت اشارة صريحة جدا في ثنايا ذلك البحث تقول، ان الطاجيك سيعرفون اشياء جديدة لم يسبق لهم الاطلاع عليها عن النشاطات السياسية والعلمية لغفوروف من كتاب خليل عبد العزيز!)، وهذا اولا، أما ثانيا، فانها ظاهرة تستحق ان نتوقف عندها – نحن العراقيين -  بتأمّل وندرسها بشكل واسع وشامل، ونكتب ردود فعلنا حولها، اذ انها ظاهرة جديرة بهذا الاهتمام، وهو ما نحاوله بايجاز في مقالتنا هذه .

من الواضح تماما، ان هدف الباحث د. تاج الدين ماردوني من كتابة بحثه هذا هو دراسة اهمية غفوروف ودوره في مسيرة جمهورية طاجيكستان، اذ ان هذا الشخص (اي غفوروف) كان السكرتير الاول للحزب الشيوعي الطاجيكي الحاكم من عام 1946 الى عام 1956 (والسكرتير الاول للحزب الشيوعي يعني الشخص الاول في الدولة آنذاك)، عندما كانت طاجيكستان تدخل ضمن دولة الاتحاد السوفيتي، وكان غفوروف واقعيا الشخص الاول فيها زمن ستالين، ولكن غفوروف وصل الى هذا المنصب باعتباره شخصية علمية مرموقة ايضا، اذ كان مؤرخا كبيرا، وكان اختصاصه – تاريخ شعوب أسيا الوسطى، وهو مؤلف كتاب – (الطاجيك)  الخاص بتاريخ الشعب الطاجيكي ، ولهذا، وبعد وفاة ستالين عام 1953 ومجئ خروشوف (وكل التغيّرات الجذرية المعروفة و المرتبطة بهذا الحدث، التي تمّت في الاتحاد السوفيتي)، انيطت لغفوروف مهمة اخرى، وهكذا اصبح رئيسا لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية باعتباره حاصل على شهادة دكتوراه علوم في التاريخ، وباعتباره عضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية، وقد شغل هذا المنصب من عام 1956الى تاريخ وفاته عام 1977، ورئاسة هذا المعهد موقع سياسي مهم جدا سواء في الاتحاد السوفيتي آنذاك، او في روسيا الاتحادية الان، وليس من باب الصدفة ابدا، ان جاء بريماكوف رئيسا للمعهد بعد غفوروف، ويعرف القارئ طبعا، ان بريماكوف اصبح بعدئذ وزيرا للخارجية الروسية ثم رئيسا للوزراء .

ان مرحلة ادارة غفوروف لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية (الروسية حاليا)، التي امتدت طوال هذه السنين،تعدّ مرحلة تاريخية مهمة في مسيرة المعهد سياسيا وفكريا، اذ انها رافقت  تحولات كبيرة في مسيرة السياسة السوفيتية آنذاك، والباحث الطاجيكي تاج الدين ماردوني استفاد بعمق من كتاب خليل عبد العزيز (محطات من حياتي)، لتسجيل الدور الهائل الذي لعبه غفوروف في سياسة الاتحاد السوفيتي باكمله تجاه البلدان العربية واقامة اوثق العلاقات معها (السياسية والثقافية معا) عن طريق نشاطات معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية، وكيف استطاع بمهارة عالية توجيه ذلك خدمة لسياسة بلده، هذا الدور (غير المدروس كما يجب) في الاوساط الاكاديمية الطاجيكية، وحتى الاوساط الاكاديمية الروسية ايضا، وحاول الباحث الطاجيكي الاستفادة القصوى من كتاب خليل عبد العزيز لابراز دور غفوروف واهمية وقيمة تلك الشخصية الطاجيكية المعاصرة .

تحية اكبار واعتزاز للباحث الطاجيكي د. تاج الدين ماردوني على بحثه العلمي الرائد هذا، وتحية اكبار واعتزاز  لمؤلف كتاب (محطات من حياتي) د. خليل عبد العزيزعلى كتابه التاريخي المهم في مسيرة الحياة السياسية العراقية المعاصرة، مع التمنيات له بانجاز الطبعة الثانية المنقّحة والمزيدة لكتابه المذكور ...

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم