صحيفة المثقف

صادق السامرائي: الشعراء والرثاء!!

صادق السامرائيالرثاء يطغى في "الشعر ديوان العرب"، ويكاد أن يتسيّد دواوين الشعراء الكبار حتى في القرن العشرين، ويأتي بعده المديح والغزل والإفتخار، أما معالجة الحالات الإنسانية والفكرية والجمالية النبيلة السامية، فأنها قليلة وربما غريبة .

فأغراض الشعر معروفة وما تبدلت ولا يزال الرثاء سيّدها، ولو تأملتم الشعر الحديث لوجدتم الرثاء هو الذي يسوده أيضا، وتصفحتم أي موقع ثقافي فيه شعر، لتبين أن معظم المنشور رثائي بكائي، وفيه جلد عنيف للذات، والعجيب في الأمر، أن شعر البكاء والدموع والإنقضاض على وجود الأمة، والتقليل من قيمتها ودورها يلقى رواجا، ولولا الإقبال عليه لما تواصل الشعراء بكتابته.

فما فائدة الرثائيات المهيمنة على مشاعرنا ورؤانا؟

إنها ترويح عن الذات المنكوبة، والعاجزة عن التصدي للتحديات، بإرادة ذات قيمة إنجازية إنتصارية على معاناتها وويلاتها، التي ربما تستلطف تثميرها وتطويرها.

والرثاء والمديح تجارة مربحة إعتاد عليها شعراء التسول والإرتزاق في مسيرة الأمة الثقافية، والذين يمكن وصفهم بشعراء "الجدية"، لأنهم يستجدون بشعرهم، ونحسبهم كبارا ونبرر لهم، لكن الدارس المتعمق لشخصياتهم يكتشف النسبة العالية من النفس الأخرى فيهم.

ويبدو أن شهرتهم وترسخهم في أذهاننا على أنهم سادة الشعر ورموزه الكبار، أسهمت في تمسكنا بأغراضهم البالية وأشعارهم الإستجدائية، التي أمعنوا فيها بالكذب والتحليق في مدارات تضليلية وهمية، لإستدرار العطايا والمكرمات من الشخص المَعني.

والتجديد الصادق الأصيل في الغرض الشعري، وليس بالشكل وحسب، كما توهم المتجددون، وإنطلقوا في نحيبهم وندبهم وبكائياتهم المرسِّخة لليأس والبؤس والحرمان، وكأنهم أسهموا بلا قصد بتأمين عناصر ومفردات التردي والإنكسار في أجيال أمةٍ، عليها أن تكون ذات مقام رفيع ودور بديع.

فالرثاء السائد عندنا ربما لن نجد له مثيلا في أمم الدنيا، التي يكون الشعر فيها قائدا ورائدا لمنطلقات حضارية متجددة.

فهل سنتعافى من ذرف الدموع على السطور؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم