صحيفة المثقف

منى زيتون: قطوف تربوية

منى زيتونجمعت في هذا المقال أشتات متفرقات من آرائي وخبراتي في ميادين العلوم الاجتماعية:

علاقة التمييز بالذكاء

في مقالات سابقة تحدثت عن التعميم والتمييز، وذكرت أن التمييز على عكس التعميم، هو القدرة على التفريق بين المثيرات المختلفة في البيئة، ومن ثم إصدار الاستجابة لمثير دون آخر.‏

وإن دققنا لاكتشفنا أن التعلم في حقيقته قائم على عمليات تمييز متتالية، وأن هذا ينطبق على عمليات وأشكال التعلم كافة، بدءًا من تعلم الأطفال حروف الهجاء والأرقام، فيميز الطفل أشكال كل حرف عن الآخر، ويميز نطقه، ويميز إن كان الحرف يوصل بما قبله أو بما بعده عند الكتابة. والعامل في المصنع يتعلم كيف يصدر استجابات مختلفة مميزة لكل خطوة من خطوات التصنيع، ولكل صوت يصدر عن الماكينة، وطبيب القلب يستمع إلى دقات قلب المريض، ويميز بين تلك الأصوات، ويعطي تشخيصه الأولي للحالة وفقًا لما سمع. فكل ما نتعلمه هو نتاج لتمييزنا بين المثيرات واستجاباتنا المختلفة تجاهها.

وهذا لا يلغي أهمية التعميم؛ فالتعميم هو أساس تكون المفاهيم، لأن كل مفهوم في حد ذاته هو تعميم لجنس دون تمييز بين أفراده، فالكتاب (أ) والكتاب (ب) والكتاب (ج) كلها تندرج تحت تعميم لمفهوم كتاب، والشجرة (أ) والشجرة (ب) والشجرة (ج) كلها تدخل تحت مفهوم شجرة، ولكن التعلم الحقيقي يتعدى مرحلة تعميمية تكوين المفاهيم، ويقتضي التمييز بين المفاهيم ومعرفة أوجه ‏الشبه والاختلاف بينها، كما يقتضي التمييز بين نوع ونوع آخر يندرج تحت المفهوم ذاته؛ ومن ثم فالتمييز هو الذي سيجعلك تدرك الفرق بين شجرة التفاح وشجرة الموز وشجرة الزيتون.

وقلنا إن تعلم التعميم يسبق تعلم التمييز، فالإنسان لا يميز بدقة بين المثيرات إلا في مرحلة متقدمة من نموه ‏العقلي، وعليه فإنني أرى أن القدرة العقلية العامة المرتفعة للإنسان هي التي تمكنه من التمييز بتحديد أوجه التشابه والاختلاف بين موقفين قد يراهما من هم أقل ذكاءً وأقل قدرة على التمييز متشابهين ولا فارق بينهما، فيميلون ‏إلى إطلاق استجابة متشابهة لموقفين مختلفين! وتقول العامة عندنا في مصر عن الغبي إنه ‏لا يميز!‏

وكانت من ألعابنا ونحن صغار أن نتدرب على اكتشاف الاختلافات بين صورتين تبدوان متطابقتين، أو المقارنة بين كذا وكذا من كل الأوجه الممكنة، أو ذكر الفرق بين كذا وكذا في أحد الوجوه تحديدًا، وغيرها من ألعاب التمييز التي تنمي الذكاء وتساعد الإنسان على رؤية المواقف بصورة أكثر دقة، وليتنا نكثر منها مع الجيل الجديد.

هل يكذب الأطفال؟

يُقال إن للكذب ركنان رئيسيان وهما أن تقول ما يخالف الحقيقة، وأن تعلم أن هذا القول مخالف للحقيقة بالفعل ومع ذلك فأنت تدّعيه، فإن فُقد الركن الثاني لم يُعد ما قيل كذبًا.

وللتوضيح فإن أحدًا يمكن أن يسألني عن فلانة، وأنا أحسب إنها في مصر، ولكني أخبره عامدة إنها مسافرة خارج البلاد، فهذا القول يعد كذبًا مني على السائل، حتى وإن اتضح لي بعد ذلك إنها بالفعل مسافرة، لأن اعتقادي في عدم صحة ما أخبرت به أهم من كون القول يوافق الحقيقة ولا يخالفها.

ولأن النية كثيرًا ما تنبني على الوعي والإدراك، والطفل ليس واعيًا ومدركًا لما حوله درجة وعي وإدراك البالغين فإن كثيرًا من السلوكيات السيئة التي يأتيها الأطفال من الصحيح أن نصفها بأنها سلوك يشبه سلوك كذا عند الكبار؛ فإن أخذ الطفل شيئًا ليس له فهذا سلوك يشبه سلوك السرقة عند الكبار، ولكنه ليس سرقة ولا يؤاخذ عليها، وكذلك فإن إخبار الطفل بشيء يخالف الحقيقة لا يعد في أحايين كثيرة كذبًا لأن الطفل –خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة- لا يميز بين الواقع والخيال، وتمييزه ضعيف بين المثيرات البيئية، وعليه فلا تُعتبر شهادتهم ذات قيمة أمام القضاء.

وبالرغم من ذلك فالأطفال أحيانًا ما يكونون واعين بأنهم يكذبون، وأكاذيب الأطفال تتنوع بتنوع الدوافع التي دعتهم إليها، فأحيانًا يكذبون تهربًا من العقاب، وكثيرًا ما يكذبون رغبة في الحصول على إثابة لا يستحقونها.

كم افتقدنا ثقافة الأتراك

لكل شيء يختص بالإنسان محاسن مهما كثرت وتعددت مساوئه، والحكم العثماني بقدر ما أضر بالبلاد والشعوب العربية اقتصاديًا وتعليميًا، وأدى لتخلفها حضاريًا، فقد أكسب شعوبنا عادات اجتماعية رائعة لا زال من يتمسك بها –وأغلبهم في الريف- يشعرون أنهم يمسكون بالذهب.

ولا بد من الإقرار أنه لا يوجد مجتمع ملائكي، وجميع المجتمعات الإنسانية لها وعليها؛ وفي كل مجتمع هناك مهذبون كما أن كل مجتمع به سفلة، ولكننا عندما نتحدث عن ثقافة مجتمع فنحن نعني الطريقة التي يُربى بها المحترمون من أبنائه وليس الرعاع.

وثقافة الأتراك الاجتماعية ولا شك تحمل الكثير من الإيجابيات التي كنا قد أخذناها عنهم فترة تأثرنا الثقافي بهم، وأبرزها احترام المرأة واحترام الكبير؛ كما أن عادات دخول المنازل سواء لأهلها أو زوارها وعادات الضيافة قد ارتبطت بالثقافة التركية، فكانت الأحذية تُخلع على باب المنزل، وهناك حجرة مخصصة للضيوف في المنزل، وغيرها.

ولعل احترام المرأة الزوجة من أهم ما يميز ثقافة الأتراك؛ فالرجل التركي يُربى على أن الله قد خلقه لحماية زوجته، ولا معنى لرجولته إن أُهينت. هم يفهمون معنى القوامة الحقيقية على المرأة وليس قوامة الغطرسة المعروفة عند العرب، وعندما كانت الثقافة التركية سائدة لدينا إبان الحكم العثماني تنبه المصريون إلى هذا المعنى، وإلى أثر الرجل في تقرير احترام زوجته في المجتمع، فشاع بينهم القول: "اللي زوجها يقول لها يا هانم يتلقوها الناس من على السلالم".

أما عن احترام الكبير، فقد يقول قائل إن احترام الكبير ثقافة شرقية، ولا تجوز نسبتها إلى الأتراك تحديدًا، وليس منا من لم يوقر كبيرنا، وهذا صحيح إجمالًا، ولكن هناك عادات لا زلنا نجدها في الريف المصري ترتبط بالثقافة التركية تحديدًا، مثل تقبيل يد الأب والأم والجد والجدة، ومناداة الأخت الكبرى بـ "أبلة فلانة"، ومناداة الأخ الكبير بـ "أخي فلان"، وغيرها من العادات التي يعتبر من لا يسلك وفقًا لها مفتقدًا للأدب.

وحتى قريب كان ينتشر في المجتمع احترام الآباء والأمهات والجدود والجدات والأعمام والعمات، وأخذ مشورتهم في كل أمر، وهذا على عكس ما آل الحال إليه الآن في كثير من العائلات بعد أن أصبحنا متأثرين بالثقافة الغربية التي تزيد من شعور الفرد بذاتيته وتقلل انتمائه للأسرة.

بل كان لكل عائلة كبيرة لدينا مجلس كبراء، والعائلات التي تفتقده لا تعد من العائلات ذات الوزن في المجتمع، وكانت الثقافة السائدة في مصر إن "اللي مالوش كبير يشتري له كبير"، وهو قول يذكرنا بالموالاة والإجارة عبر التاريخ للغرباء والضعفاء، عندما كان الرجل العربي يقدم إلى أرض غريبة فيوالي بعض أكابر القوم منهم ليجد حماية.

ولا شك أن في وجود كبير يأتمر الناس بأمره ويستمعون لكلمته صلاح حال لهم، ولو راجعنا وجهة النظر الشرعية في المسألة، فسنجد تأكيدًا على ضرورة أن يكون أمير لكل جماعة، ولو كنتم ثلاثة فائتمروا، وقد حفظ المؤرخون لسيدنا علي قوله ردًا على الخوارج: "قالوا لا إمام ولا بد للناس من إمام بر أو فاجر". ومع ذلك فقد اختلف المسلمون سُنة وشيعة حول شروط الإمام وطريقة اختياره، ما بين شورى وتوصية ووراثة، وبعض المعتزلة كأبي بكر الأصم كان له رأي عجيب بعدم ضرورة الإمامة!

والكبير مكانة، ومن يوضع فيها يحسن سلوكه ولو خوفًا من السيرة السيئة، والتاريخ يحكي عن أبي سفيان عندما سأله قيصر الروم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف خاف أن يكذب عليه فتنزل قيمته بين القوم، فاضطر أن يصدقه.

وأن تكون كبيرًا تعني أن تكون مسئولًا؛ أي أن تتحمل المسئولية عن أولئك الذين أنت كبيرهم. ويذكر لنا التاريخ موقف السيدة صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول يوم غزوة الخندق، عندما شعرت باليهودي يحوم حول الحصن وليس فيه رجال، واضطرت لتحمل المسئولية بأن قتلته كي لا يعود إلى قومه ويخبرهم أن الحصن ليس به سوى النساء والأطفال، وربما أغاروا عليه.

وعلى المستوى النفسي، بإمكاننا القول إن الطفل لا يشعر بالأمان إلا في وجود من هو أكبر منه. نكبر في العمر ومع ذلك نبقى نشعر بالأمان في وجود هؤلاء الذين طالما أشعرونا به، وحتى بعد أن يكبروا هم وينعكس الحال ليحتاجوا إلينا، نشعر باليتم والضياع عندما نفقد أحدهم.

لكن ما زاد عن حده ينقلب إلى ضده، ويتعدى إلى نقيضه، ففي بعض الأسر الكبيرة التي لا زالت تتمسك بالعادات والتقاليد القديمة كثيرًا ما يصير الائتمار بأمر الكبير وأخذ مشورته في الأمور الخاصة تعديًا على حرية الفرد في تقرير أمور لا ينبغي لأحد التدخل فيها ويجب أن يقررها بنفسه. وهنا يجب التنبيه على أن الانتماء للجماعة لا ينبغي أن يكون على حساب حقوق وخصوصية الفرد.

معنى أن تكوني هانم

ينتشر في الثقافة العربية لقب هانم أو خانوم أو خاتون بمعنى سيدة، ويُطلق دومًا معقبًا على أسماء النساء من علية القوم.

وأثناء سنوات دراستي الجامعية قرأت لأول مرة "حمار الحكيم"؛ وهي ليست رواية بالمعنى التقليدي؛ وإنما واحدًا من كتب توفيق الحكيم الذي يعد ضربًا لطيفًا غريبًا من السيرة الذاتية لا يوجد عند أحد سواه من الكتاب في الشرق أو الغرب، والذي يحكي لنا فيه بعضًا من حوادث حياته مختلطة بأفكاره -عن نفسه وعن المجتمع- التي تتداعى مع تلك الحوادث، والتي فيها -على بساطتها- من صنوف الحكمة والفلسفة ما فيها.

في هذه الرواية يحكي الحكيم –من بين ما يحكي- عن امرأة أجنبية كانت زوجة المصور الأجنبي الذي جاء إلى مصر ضمن فريق لأجل تنفيذ مشروع فيلم عن الريف المصري، كان يتم الإعداد له قبل قيام الحرب العالمية الثانية، وكان المفترض أن يقوم توفيق الحكيم بكتابة السيناريو الخاص به.

ويروي الحكيم عن تلك المرأة كيف اهتمت بتعليم الفلاحين أسس النظافة الشخصية وكانت تداوي المرضى وتواسي الفقراء، وتعمر البيئة التي وجدت فيها؛ فكانت في نظره "سيدة" بالمعنى المستحق للكلمة، ولم تكن كمثيلاتها من الهوانم الشرقيات الأشبه حالًا بالجواري البيض المتخذات للمتعة، واللاتي لا عائد على المجتمع من وجودهن فيه، فوجودهن مثل عدمهن، واللاتي لا زلن الفئة الأكثر انتشارًا من النساء في الطبقة المخملية في مجتمعاتنا الشرقية.

فكان الحكيم يرى أن الهانم أو السيدة هي وظيفة تقوم بها المرأة في المجتمع، وليست لقبًا تتلقب به من لا تعرفن هذا النوع من المسئوليات التي يلزم للسيدة أن تؤديها في مجتمعها، والخلاصة إن قيمتك تتحدد بدرجة تأثيرك في الآخرين؛ فبقدر تأثيرك تكون قيمتك.

حضارتنا المادية وتدمير الفطرة

الإنسان مفطور على معرفة الأخلاق وتحديد الخير من الشر، وحتى قريب كان أكثر الناس فسقًا يتخفى عند فعله الشر عن أعين الناس ولا يعترف بارتكابه إلا مرغمًا.

ولعل من أكبر مشكلات العصر الحديث أن هناك من يريدون أن يغيروا القوانين الأخلاقية بداخلنا بحيث تنقلب بعض الأفعال المشينة لتصير أفعالًا عادية لا يأنفها الناس ويتعاملون معها على أنها استجابة لطبيعتهم البشرية، وكما لو كان هذا جزءًا من تطور وترقي البشر؛ فالإنسان البدائي وفقًا لهؤلاء هو من كان يأنف هذه الأشياء الطبيعية بزعمهم ولا يتقبل الاختلاف!

ومن السلوكيات التي يريدون تغيير نظرة الناس إليها الزنا والشذوذ الجنسي، بدعوى أنها سلوكيات توجد حولنا في الطبيعة، وتُعرف في أنواع حية أخرى!

ولو كانت الأمور تُقاس على هذا النحو فإن ذكر حصان البحر هو من يحتضن البيض بعد أن تضعه الإناث، وهذا سلوك طبيعي بالنسبة لهذا النوع، ولكنه ليس طبيعيًا في العموم بالنسبة للأنواع الحية، فهل يُعقل أن يحمل رجل أطفاله بدلًا من زوجته ويدعي أحد أن هذا طبيعي لأنه سلوك يوجد في الطبيعة؟!

إن سلوك أي نوع حي يكون طبيعيًا بالنسبة لنوعه، وليس لأنه موجود في الطبيعة، فالمغالطة إنهم يقيسون سلوكيات نوع حي على نوع آخر، فيحاولون إيهامك أن الشذوذ الجنسي بين البشر شيء عادي وعليك تقبله لأن هناك حيوانات تأتيه!

إن تاريخ الشذوذ البشري بدأ مع قرية سدوم وعمورة قوم لوط، ولم يُعرف قبلهم. والشذوذ في الحيوانات معروف أيضًا من قديم، ولعل أقدم ما حُكي عنه كان في ذلك الفصل الذي كتبه الجاحظ في كتابه "الحيوان" بعنوان "ما شابه الحمام فيه الناس" حيث ذكر فيه –ضمن ما ذكر- أن أفراد نوع طائر الحمام معروف بينهم سلوك الشذوذ الجنسي؛ وقصد أن هذا السلوك المشين يوجد بين الحمام كما يوجد بين البشر، ولم يتخذ هذه المشابهة لتبرير الشذوذ لدى بعض البشر.

النمط الاستهلاكي المتزايد

من ينتمي إلى جماعة ينقاد لها كما ينقاد الخروف في القطيع؛ لذا لا يمكن تفسير تصرفاته بدقة في ضوء ‏مبادئ علم النفس الفردي.‏ وللحق فإن مادية البشر في عصرنا وصلت إلى حد مضجر، بسبب شيوع الفساد والنهم وثقافة الاستهلاك البلهاء التي يقيس بها كثير من البشر -خاصة النساء- قدر رفاهيتهم، ومن ثم سعادتهم!

ولا ينكر عاقل إننا كبشر بحاجة للمال لنتقي شظف العيش ونتجنب مرارة الاحتياج، وليس لأن نغرف من المال كما لو كان بحرًا، ناسين أو متناسين أن ماء البحر لا يروي عطشًا!

ومن أسوأ ما انتشرت من ظواهر في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة ظاهرة الغارمات اللاتي يُسجن لعدم قدرتهن على أداء الأموال المستحقة عليهن نظير شراء مستلزمات زواج بناتهن، وهي الظاهرة المرتبطة بالنمط الشرائي المتزايد للشعب المصري، والنهم إلى تجريب كل شيء والاستحواذ على كل شيء ولو كان لا يلزم ولا فائدة منه.

إحدى السيدات اللاتي تتولين تجهيز البنات الفقيرات للزواج كتبت ذات مرة على صفحتها على الفيسبوك إنها أثناء مراجعتها لفواتير مشتريات بعض البنات تجد أنواعًا عجيبة من المشتريات وبأسعار أعجب، وآخر فواتير راجعتها كان من بينها فاتورة شراء ورد صناعي بقيمة ثلاثة آلاف جنيه مصري! فهل يُعقل أن تُسجن أم لأن ابنتها ناقصة الأدب والتربية قد اشترت أمثال هذه التوافه ولم يهمها ما يمكن أن يحدث لأمها من عاقبة شراهتها الشرائية؟ وهل لو كانت هي من ستوقع على فاتورة الشراء ووصل الأمانة المرفق بها كانت ستشتري هذا الورد؟!

ويترافق مع هذا السفه من جانب الفتيات الفقيرات وأمهاتهن سفهًا موازيًا من حمواتهن المستقبليات، فأغلب الفتيات تعللن نهمن الشرائي للوازم الجهاز بما يفوق مستوياتهن المعيشية ويشكل ضغطًا على أسرهن بأنهن لو لم يفعلن فإن حمواتهن ستَعِبن عليهن وتنتقصن منهن! لأن هناك مستوى معين من التجهيزات للزواج تقوم الفتيات من الأسر المقتدرة ماديًا بشرائها، وكل أم ترغب أن يتم تجهيز بيت ابنها بالمستوى ذاته!

ومن مظاهر النهم المتزايد في مجتمعنا ما نلاحظه عندما نفحص الصور التي تعرضها بعض الصفحات الالكترونية المختصة باسترجاع الواقع المصري منذ ‏أواخر القرن التاسع عشر فنجد أن أغلب النساء في الريف والحضر نحيفات -رغم وجود تقبل للامتلاء وعدم النفور من المرأة ‏الممتلئة- ولا حديث عن النحافة والتنحيف بالرغم من ذلك؛ بمعنى أنهن وصلن لهذه الأوزان بشكل طبيعي، بينما الفتيات في عصرنا منهن من نراها فنظنها خارجة من مجاعة بينما هي لا تتوقف عن الأكل بشراهة، ولكنها تحافظ على وزنها بالرياضة وشرب المشروبات التي ترفع معدل الحرق في الجسم! والخلاصة أنه من الواضح أن استهلاك الفرد للطعام في مصر قد تزايد، والإحصاءات تؤكد صحة ذلك.

ووصل تزايد الاستهلاك في عصرنا إلى الملابس؛ فحتى عقود كانت الناس تحرص على شراء أقمشة جيدة لتُفصل منها ملابس قيّمة تعيش طويلًا، حتى أن بعضها كان يتوارث، خاصة فساتين الزفاف، وكان هذا ينطبق على جميع طبقات المجتمع مع الفوارق بين كل طبقة اجتماعية وأخرى، ولكن كان الكيف عمومًا أهم من الكم، وسبق أن كتبت مقالًا عن "أميرات الدولار" وهو مصطلح ظهر في القرن التاسع عشر، يشير إلى الفتيات صاحبات الثروة وضيعات الأصل، واللاتي كن يبالغن في أعداد ‏الأزياء الجديدة اللاتي كن يعددنها في كل موسم، مقارنة بما تعارف عليه الحال بين الأميرات الحقيقيات.

ووصل الحال بنا في العصر الحديث إلى أن صارت أميرات الدولار هن الأغلبية في مجتمعاتنا إلى درجة أن الملابس لم تعد وسيلة للتفريق بين المستويات الاجتماعية، وقد قرأت منشورًا على موقع الفيسبوك عن نادي الجزيرة الأرستقراطي في القاهرة ورد فيه أن موظفي الأمن لم يعودوا يميزون بين عضوات النادي وبين مربيات الأطفال المصاحبات لهم وكثيرًا ما يخطؤون بين الفريقين! ورغم أن المنشور عنصري ومشين لكنه يظهر إلى أي حد بلغ إنفاق بعض من تنتمين إلى الطبقة المتوسطة في المجتمع على مظهرهن!

متناقضات

طوال عملي في ميدان التعليم والتربية لم يصدف أن وجدت ذكيًا خبيثًا، فكل ذكي طيب، بل وقد يكون ساذجًا، بينما يكون الخبثاء على الدوام متخلفين دراسيًا حتى لو ذاكروا واجتهدوا، وكأنما قد أُوصد باب العلم أمامهم، وإن نجحوا ووصلوا لمراتب يكون ذلك بأيدي خفية تدعمهم لا عن أحقية وجدارة.

وطوال حياتي كلها وجدت اقترانًا بين التنطع في عدم إتيان المباحات، بتحريمها أو التورع عنها للشك فيها!! وبين إتيان الرُخص التي خصّ الله بها الضعفاء ولا تخصهم، ولا أعني رخصًا مثل قصر الصلاة في السفر، بل ما رأيته بأم رأسي مما يفعله بعضهم في الحج الذي يقضونه استجمامًا في الخيام ويتركون مناسكه وهم أقوياء على أدائها، في حين يحرمون كل طيب تنطعًا دون دليل، ولعلها سمة من سمات خوارج العصر!

 

د. منى زيتون

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم