صحيفة المثقف

محمود محمد علي: وداعا المفكر الكبير حسن حنفي

محمود محمد عليغيّب الموت، مساء الخميس الماضي- الموافق الحادي والعشرين من شهر أكتوبر لعام 2021، المفكر الكبير الدكتور حسن حنفي (1935 - 2021)، أستاذ الفلسفة بآداب القاهرة، وأهم أبرز منظري تيار اليسار الإسلامي عن عمر ناهز 86 عامًا ، بعد مسيرة علمية وأكاديمية كبيرة، أبحر فيها بين الفلسفة والعقيدة الإسلامية، رحل عن عالمنا اليوم، الفيلسوف والمفكر الإسلامى الكبير حسن حنفى، عن ناهز 86 عاما، والراحل يعد أحد منظرى تيار اليسار الإسلامى، وتيار علم الاستغراب، وأحد المفكرين العرب المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية.

وفد نعت جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت، الفقيد، الذى أعرب عن تعازيه لأسرة الفقيد داعيا أن يتغمده الله بواسع رحمته. وقال الخشت، على صفحته على الفيس بوك ناعيا الراحل: «لم يكن يحمل أى شيء فى نفسه منى عندما كنت أختلفت معه فى الرأى اختلافا كبيرا، وأنا لا أزال معيدا وهو كان رئيسا للقسم فى الثمانينيات. وكان يمدنى بالمراجع الأجنبية من مكتبته العامرة وأنا فى مرحلة الطلب العلمي، بل كان يقتطع جزءا كبيرا من وقته وراحته وهو خارج مصر لكى يحضر لى شخصيا المراجع التى طلبتها منه».

كما نعى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، المفكر الإسلامي الدكتور حسن حنفي، حيث كتب علي على صفحتيه الرسميتين بموقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر: "رحم الله أ.د. حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، الذي قضى عمره في محراب الفكر والفلسفة، وزخرت المكتبات العربية والعالمية بمؤلفاته وتحقيقاته، وأذكر له مطالبته الغربَ والمستشرقين بإنصاف الشرق والحضارة الشرقية والقيم الإنسانية النبيلة.. رحم الله الفقيد، وتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

ولد الدكتور حسن حنفي في الثالث عشر من فبراير لعام 1935 في القاهرة، وقد ألتحق بكلية الأداب جامعة القاهرة ليدرس الفلسفة وتخرج منها عام 1956 ليسافر بعدها في العام نفسه إلى فرنسا ليستكمل دراساته العليا وبالفعل قد حصل على درجة الماجستير ثم درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بعد حوالي 10 أعوام من سفره.2931 حسن حنفي

وبعد حصوله على الدكتوراه تعين في جامعة محمد بن عبدالله بفاس لمدة عامين وكان يحب هذه الجامعة كثيرًا حتى إنه مان دائمًا يصفها ب "بيته الأول"، ثم بعد ذلك سافر إلي اليابان ليعمل بالتدريس فيها لمدة ثلات سنوات وقد عمل مستشارا لبرامج البحث العلمي لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو أيضا. عاد حنفي إلى القاهرة عام 1987، حيث أشرف مع آخرين على إعادة تأسيس الجمعية الفلسفية المصري عام 1989 وشغل منصب السكرتير العام للجمعية منذ هذا التاريخ.

وقد حصل حنفى على العديد من الجوائز أبرزها جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 2009 وجائزة النيل فى العلوم الاجتماعية عام 2015، وكانَ محط اهتمام العديد من الجامعات، كما عمل كمدرس زائر بعدد من الجامعات في طوكيو والجزائروالمغرب والولايات المتحدة والمانيا، ومستشارًا علميًا بجامعة الأمم المتحدة بطوكيو، وشغل منصب نائب رئيس جمعية الفلسفة العربية، والسكرتير العام لجمعية الفلسفة المصرية.

وللراحل العديد من المؤلفات من بينها "التراث والتجديد" والذي يوصف بأنه "مانفيستو حسن حنفي" لانه يقدم تفصيل لمشروع الفكري في تجديد التراث الديني، وكتاب "من العقيدة إلى الثورة" وهو كتاب من خمس أجزاء"؛ منها: "نماذج من الفلسفة المسيحية فى العصر الوسيط"، و"اليسار الإسلامي"، و"مقدمة فى علم الاستغراب"، و"من العقيدة إلى الثورة"، و:من الفناء إلى البقاء"؛ وينقد فيه علم أصول الدين، ويدعو لتبني أفكار جديدة تلائم العصر لان حسب وصفه فأن الحضارة الاسلامية تراثاً ابداعي يتفاعل فيه الانسان مع المتغيرات السياسية والحضارية، وكذلك كتاب "اليمين واليسار في الفكر الديني" وهو كتاب يتناول قصة صراع الطبقات، وأنه صراع موروث منذ بداية التاريخ؛ كما أثرى الدكتور حسن حنفي المكتبة العربية بالعديد من الترجمات التي عكف عليها لدراسة التراث الغربي بما يخدمه مشروعه فيما بعد و لدحض نظرية أن الأفكار الغربية هي أصل الإنسانية والتنوير، فقدم ترجمات مثل نماذج من الفلسفة المسيحية، رسالة في اللاهوت والسياسة لسبينوزا، تربية الجنس البشرى للسنج ، تعالي الأنا موجود لسارتر

يقول الكاتب أبو بكر الجيلالي في دراسة له عن مشروع التجديد والتراث للفيلسوف حسن حنفي "إن مشروع "التراث والتجديد" يحمل هموم الإنسان فكرًا وواقعًا ووطنًا في العالم العربي المعاصر، وهو يقاوم لإبداء الموقف الحضاري من التراث العربي الإسلامي ومن التراث الغربي ومن الواقع بأبعاده الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والثقافية والفكرية والفلسفية، هذا الصراع والاجتهاد في فكّه يعكس حاجة الإنسان المعاصر في عالمنا العربي والإسلامي إلى نظرية تفسر الواقع، وهو اجتهاد يتمّ بصورة لا تخلو من الانسجام والنسقية بين الجبهات التي فتحها المشروع، وهو شرط التخلص من التخلف الفكري والاجتماعي، الانسجام بين العقل والتراث والواقع والآخر.

وفي المقابل يقول الكاتب محمد حلمي عبدالوهاب في مقالة له إن  مشروع حسن حنفي يتوزع حول «التراث والتجديد» على عدة محاور رئيسية؛ بحيث شملت معالجاته أغلب القضايا التراثية من جهة، وأهم التيارات الفكرية الغربية من جهة أخرى. ومن ثم، يمكن القول: إن السمة الرئيسية المميزة لمشروع، أو قراءة، حنفي للتراثين: العربي والغربي، تتمثل في اتساع رقعة المشروع والشمولية، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية على حساب الدقة في الطرح، والموضوعية في التناول.

وينتمي الدكتور حسن حنفي إلى تيار اليسار الإسلامي، وهو تيار فكري ذو مرجعية إسلامية ظهر في مصر وكان هو رائده ثم في دول عربية أخرى مثل تونس، يتبنى هذا التيار رؤية مقاصدية للإسلام و يدير منتدى فكريا مفتوحا على كل التيارات يسمى "منتدى الجاحظ" كما أنشأ في 2013 جمعية تسمى "رابطة تونس للثقافة والتعدد" وقد أصدر هذا التيار في بداية الثمانينات مجلة فكرية عنوانها مجلة الفكر الإسلامي التقدمي 15-21 ولكنها توقفت عن الصدور في مطلع التسعينات.

كما كان حسن حنفي ممن فسروا "تيار الاستغراب" وعملوا من خلاله تحديداً في قضيته ومشروعه الأهم" التراث والتجديد " ولمن لا يعرف فمصطلح "الاستغراب" يعني ظاهرة نفسية واجتماعية وثقافية معاصرة، يتميز الأفراد الذين يجسدونها بالميل نحو الغرب والتعلق به ومحاكاته، نشأت في المجتمعات غير الغربية؛ سواء أكانت إسلامية أم لا، على إثر الصدمة الحضارية التي أصابتها قبيل الاستعمار وخلاله،   وقد قال الدكتور حسن حنفي عنه إنه فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر... والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر الغربي، بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس... مهمة علم الاستغراب هو القضاء على المركزية الأوربية، وبيان كيف أخذ الوعي الأوربي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث، داخل بيئته الحضارية الخاصة. وقد ألف الدكتور حسن حنفي كتابه مقدمة في علم الاستغراب عام 1992

وبالطبع لم تكن حياة الدكتور حسن حنفي هادئة كل الهدوء فقد أتهمه الكثيرين بالإلحاد والكفر بسبب أفكاره الخاصة بالتجديد، وعاصر صراعات كثيرة منها انتماءه للإخوان المسلمين ثم إنشقاقه وأمور أخرى، لكن أتفق الجميع على مكانته التي لا يضايها أحد وجهوده في الفلسفة والفكر العربي وإعمال العقل  سواء من طلابه أو من أوساط المثقفين.

ومن جهة أخري لقد استحضر الدكتور حسن حنفي (بشهادة د. مصطفي النشار) كل التجارب الفكرية المصرية والعربية السابقة عليه وتتلمذ عليها من رفاعة الطهطاوي إلي الأفغاني ومحمد عبده وعثمان أمين وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين، كما عاش كل التجارب الفكرية والثورية في عصره وتفاعل معها وشارك فيها فكان دائما صاحب الموقف الصريح والرأي الحر المختلف ... إنه المحاور الفذ القادر وحده بين أقرانه علي مجابهة كل الأفكار والتحاور مع ممثلي كل الثقافات حيث يتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والفارسية والتركية... إنه المثقف والفيلسوف الملتزم بكل جلسة علمية وبكل محفل علمي أينما كان في كل زمان وأي مكان ولا يترك مكانه لغيره ولا يعتذر طالما في العمر لحظة وفي الجسم قدرة ولا زلت أذكر أنه لم يتنازل عن المشاركة في افتتاح مؤتمرا علميا عقدته الجمعية الفلسفية وهو سكرتيرها العام وهو علي سرير المرض وعقب عملية جراحية خطيرة فقرر إلقاء محاضرته الافتتاحية إلي المؤتمرين عبر الفيديو كونفرنس . وحتي مع اشتداد حالته الصحية خطورة لدرجة أن قدميه لم تعد قادرتين علي حمل الجسم الذي يعاني المرض وقد تجاوز الثمانين من العمر، فقد فاجأ حسن حنفي الجميع أن كل ذلك لم ولن يمنعه من الحرص والالتزام بحضور كل الفاعليات العلمية والاجتماعات المهمة وهو علي كرسيه المتحرك، فالعقل الذي عاش حياته متأملاً وناقداً وباحثاً ومبدعاً لا يزال يشع الفكر المستنير والآراء السديدة سواء عبر عنها بكتبه التي تتوالي اصداراتها في عدة دور نشر أو بمقالاته التي لا تزال تتري في العديد من المجلات والصحف.

تحية طيبة لأستاذنا الدكتور حسن حنفي الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجا فذا للمفكر الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطنى يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم