صحيفة المثقف

رياض عيساوي: قراءة إنطباعية لومضات شعرية لسونيا عبد اللطيف

سونيا عبداللطيفليس من المنصف، ولا من الأمانة العلمية والأدبية، ان تلج عوالم الشاعرة الشحرورة، العازفة لموسيقى الروح، العارفة بصخب الحياة، والدارسة لطبيعة السلوك البشري وتناقضات الإنسان: سونيا: بمدٌ ألف الشموخ، وأبدا: تاء مربوطة تقزّم الأحلام وتكبح الخيال والجنون .عبد اللطيف: وقد استوفت حقّ التّعبيد من أسماء الله الحسنى (اللطيف)، فبدت لطيفة، لطوفة، أقر شعرها من أنها فيض يشعٌ نقاء وصفاء، وحشرجات فراشات ربيع، كيفما تدلّنا إليها الصّور الشٍعرية الكثيفة الموظّفة بومضاتها الشّعرية الهامسة عقلا وروحا.

وأنت تقلّب آخر الصفحات من الكتاب (بجناح واحد ...أطير)، تجدك منقٌبا لا شعوريّا عن باقي الصّفحات مابعد الفهرس، وقد ثبت بعد التّحرّي من أنّ المدوّنة عبارة على كتاب مفتوح مدٌ الحياة والأحلام ما امتدٌ الصّراع بين: -أكون أو لا أكون - ؟!..، ويمكنني أن أطير، ولو بجناح واحد: وشتّان ما بين مكسور الجناح، و من يملك بدل الجناحين أجنحة ..!؟، تلكم محطّات الكتاب لصاحبته: سونيا عبد اللطيف، العينة موضوع الدّراسة والتّحليل، من زوايا أخرى مختلفة حتى لا نكرّر ونجترّ ما حبٌره الأستاذين: محمد بغورة الصديق من الجزائر، والذي ترك بصمته الوارفة بتوصيفه للكتاب على أنه:-أوتار للتفرٌد والتجريب -، كما استوقفنا عند مجموعة محطات من نصوص الكتاب مع الشٍرح والتّحليل للبلاغة والبيان.

وذهب الأستاذ: هاشم خليل عبد الغني عن رابطة الكتاب الأردنيين /عمان، معرّجا على شخصيّة الكاتب ومدى تناصه مع نصوصه وأدلى لنا بالشّهادة: -سونيا عبد اللطيف شاعرة تعانق الواقع وتسخر منه -وقد أسٌس لدفوعه بتقديم السٍندات من النّصوص ذاتها، كاشفا عن كنه تلك الذّات المنسكبة في حبرها.

حيث تضعنا الشّاعرة سونيا عبد اللطيف في حيرة ومأزق كبير ..، حرٌض فينا ملكة الشّعر والإستشعار، أردانا فضولا وإلحاحا لضرورة الكشف واستكشاف هذه العوالم السّاحرة، كيفما تطابقت مجموعة الصّور المستوحاة من خيال حرّ، طليق العنان، مع الحروف المرسومة، المنسابة كما تدفّق الشّلال وسريان الماء في النّهر والوادي..، ومن عنوانه: (بجناح واحد...أطير)، تبدو جليّة: النّزعة الجبرانيّة في مجموعة نصوص المدوّنة، كما لو أنّ الشّاعرة بعد قراءتها لقصّة الأجنحة المتكسّرة للكاتب اللبناني جبران خليل جبران، متى خفق قلبه للحبّ وهو ابن الثّامنة عشرة من عمره، أين تلذّذ طعم حبٌ سلمى كراما، التي أجّجت عواطفه وحوّلتها إلى عواصف، التي ترجمها إلى لغة متحرٍكة من وحي الطّبيعة والجمال الذي قرن عبادته بجمال سلوى كراما، والذي أفضى من أنّ المعنى الشّعري بالنّسبة إليه هو الأنس..، وخفقان الحبّ بالطّفولة.

سونيا عبد اللطيف رغم تأثّرها البليغ بالأجنحة المتكسّرة، كان لها موقفا آخر، إذ تكتب بأكثر وعي ونضج فكريّ، وخاصّة بكبرياء الأنا والذّات التي تفرض منطقها ولن تقبل بالهزيمة والإنكسار، فتطرح لنا فلسفتها ومجموعة البدائل الاخرى فتطير بنا، ونطير رفقتها على متن طوّافتها التي تخترق الفسيح، الشّاسع اللاّمحدود، لما أوتت من خصوبة الخيال، وعميق الفكرة المحمّلة بالدّلالات والقيم الفنيّة والأخلاقيّة، وكانت نقطة الإنطلاق من العنوان نفسه كما هو موثّق: بجناح واحد...أطير ؛ قد يتبادر لذهن القارئ بديهيّا بأنّ مدلول الجملة لفظيّا يعني من أنّه يمكنك الطّيران بجناح واحد في دلالة إلى القوّة والعزيمة والإرادة، بينما يقف الرّائي عند الشّكل قبل المضمون حيث فاصل النقاط مابين: واحد ...ثمّ أطير، وليس اعتباطيّا، إنّما تعنّتا في تقنيات الكتابة الحداثيّة، إذ يومئ هذا الفاصل على المجال المفتوح والمبهم إلى حين ملء الفراغات بالكلمات المناسبة، وفي تقديرنا، ومن خلال سياقات هذه التّراكيب الشّعرية الدٌسمة، التي كما لو أنّها أتت في نسق روائيّ في قالب ومضات شعريّة تعتمد النّفس القصير عكس الرّواية كجنس أدبي له تقنياته وخصوصيّاته، حيث اعتمد هذا النّسق هيكلة بناء الصّورة وهندسة بناء الفكرة باستدراج الفكرة منهجيّا ومنطقيّا، كما هندسة الرّواية تحديدا وإن إختلف الجنسان ..، وكانت الحبكة فعلا مدروسة ومدسوسة في العنوان بفاصل نقاط، كعنصر شدّ وتشويق ولفت انتباه القارئ، حتى يتوغّل تدريجيّا ويتمعّن، الأمر الذي يحسب للشّاعرة، التي تريد فعلا محاورة الآخر من خلال هذا النّموذج المقترح، فتسعى لجذبه وتحريض حواسه الماديّة والحسية لتخبره أمرا ما ..، أو إنها تعوّله كي يتخطّى منغّصات الحياة، وتمدٌ له ملء يدها لتنقذه من مطبّاتها، بطرحها تجاربها الخاصّة كما الدّروس التي أكسبتها الحكمة والفراسة، وكيف عرفت سبيلها لتجاوز الأزمات الاجتماعيّة، وكان عبورها آمنا بنكهة التفوّق والإنتصار، واستدامت تقف ضميرا اجتماعيّا يخطب في النّاس ويرشدهم السّبيل وحسن التّفكير وتدبّر الأمور ..من خلال تجارب ذاتيّة حيّة عبر أروقة الحياة المتشعّبة..، هذا الوازع الإنسانيّ المحرّض على الكتابة دفع بالشّاعرة بأن تنصّب نفسها لسان حال مجتمعها (أدب الرّسالة)، إذ نستدلّ بما أقرّه: الأهداء عينه، من مدخل الكتاب: - إلى من عانقتني أرواحهم، ومن سافرت إليهم روحي، إلى من رأى فيٌ الإنسان والملاك والجمال-: إذا يتّضح من أنّ الشّاعرة تخاطب الآخر، عارضة عليه تجربتها خاصتها، حاثة كلّ من توسٌم فيها الإنسان بتجليّاته أن يحذو حذوها، وهي تخصّ بالذّكر المرأة على وجه التّحديد، والأنثى بالتّخصيص، حتى تتحرّر من عجزها وتتحدّى سلطة الذّكر وتنفذ من الإظطهاد، فتطير كعصفورة، تحلّق خارج القفص والحيز الضّيق،  على حدّ توصيف الشّاعرة بشكل آخر من الطّرق المقترحة والممكنة التي تناولتها في ومضاتها الشّعرية المبرقة.

ونفتح وإيّاكم على أولى هذه المقترحات من: - جناح الأحلام-، حيث تجعل له الشّاعرة مدخلا ربّما كان حوصلة النّثريّة في مقولة مشهورة لإرنست هيمنغواي مطابقة المعنى منه على شخصيّتها، إذ يقول: لست شخصا صعب الفهم، لكن الذين أشعر معهم بالرّاحة نادرون -مؤشرات جديدة تقودنا إلى وجهة أخرى من التأمّل وتفعيل الوجدانيٍة والإنسانيّة، وفلسفة الشّاعرة في طريقة العبور صوب الملاذ عن طريق الأحلام، كوسيلة للتّحليق والطّيران، باللّجوء إلى خزّان الذّاكرة وتسريح الخيال في سبيله والإنفصال. من الزّمان والمكان، وانظروا معي كيف جاء البناء الشّعري وتركيب الفكرة محمولة على الصّورة المراد تبليغها، على طريقة السّرد الرّوائي كما أشرنا أعلاه، ولو بالنّفس الشّعري القصير، حيث تجسٍدت النّثريّة في قالب هرمي محكم الرّباط مشمول بعناوين فرعيّة، بدؤها: حلم، أجنحة، جزاء، اتّحاد، عقد المرجان، انعتاق، طليق، نوارس،  جناح واحد، ولادة، قفص، فدية الجمال، حمامتان، ابتسامة، ومسك ختامها: سعادة ؛ هذا البناء المتسلسل جعل من النّثرية قصّة قصيرة تعجّ بالأحداث وتحكي توترات وتفاصيل، حيث توافقت في الشّكل البنيويّ مع جسم الرّواية كجنس أدبي له تقنياته وخصوصيّاته، سيما نقطتا البداية والنّهاية والخطّ الأفقي الرّابط ما بينهما ثمّ الأسلوب السّردي الذي انبنت عنه هذه الومضات الشّعرية، جاهزية الفكرية ثم الشروع في إسترسالها بالتوافقية ومنهجيّة تبليغ الصّورة، جناح الأحلام ومضات شعريّة في ثوب قصّة مؤثّثة، اختصرت معاني كثيرة في حروف قليلة، انبات عنها كثافة الصّور البيانيّة البليغة المرصودة من قبلنا بالعينة موضوع المعاينة، لا يمكن أن نخوض في غمارها، ونحبّذ أن نترك الفرصة للقارئ حتى يطّلع بنفسه ويستمتع بمشاهدة الذي نسعى لبثّه، ولن نفسد عليه تسبيق أو تقديم أحداث الشّريط فيراه بعيونه وليس بعيون الآخر، فقط نحاول توسيع أفق الفهم، وتمديد حقل الرّؤية.

وسيلة اخرى للطيران: بـ جناح الشذى- والمبوٌب بمقولة لـ: هيلين كيلر، يقول: كن مختلفا ولو صرت وحيدا -..، منعرج آخر يفتح على افق الشاعرة سونيا عبد اللطيف، وكيف تتعاطى مع الحياة، بأكثر إصرار وتحدّي وتفرّد بالموقف والفكرة والمنهج الذي تسلكه، وتظلّ تفرض رؤيتها وتدافع عن قناعاتها بصمود وثبات، مهما تباين ذلك مع الرّأي الآخر، ولو بقيت وحيدة .

جناح الشّذى: من حيث بنية النصّ، نجده بذات النّسق كسابقه، استرسال الفكرة ثم تحميل الصّورة باحترافيّة مهندس بناء، مع تسجيل تكثيف للصّور البلاغيّة التي طوّعت اللّغة والمفردات المناسبة لاختزال المشاهد في ومضة شعريّة ميّزها الأسلوب القصصيّ، هذا النّمط المعتمد في مجموعة نصوص الكتاب (قصة في قصيدة)، أمّا الحبكة التي أشرنا إليها سالفا، والتي نستنبطها من جناح الشذى، هي مقاربة النّقيض بالنّقيض، بأسلوب المتأمّل، السّاخر، كذلك استعمال الرّمز المستلهم من وحي الطّبيعة، ومدى تأثير المناخات المتقلّبة علينا: نقرأ من جناح الشّذى أولى اللّوحات المجزٌأة قصد بنية تقريب الصّورة ما أمكن للقارئ:

أشواك (عنوان فرعيّ، ومبتدأ القصيدة -القصة-)، تقول الشاعرة:

كلٌما أمسكت (هي) أشواقها بأنامل قلبه، وخزتها أشواكه ..!!؟ ؛ والأصل هو أن المُمسك بالشّوك هو من يشعر بالوخز: (مقاربة النّقيض بالنّقيض، وطرح إشكال ..)، معادلة، يأتي حلٌها مباشرة في اللّوحة الثّانية عنوانها: الوردة ...!، وجاء على لسانها: -داخل كل إمرأة وردة، هي لا تعلم مكانها، حتّى يأتي قاطفها الذي يدرك أهميّة عطرها -.

دلالات كثيرة محمّلة بصورة الشّوك (المرموز)، ثمّ الوردة (الأنثى الرّمز)، وكيفيّة نموّ وتطوّر الورود، صور جميلة، ومطابقة فنيّة جيّدة مع حال الكائن الحيّ الآخر من بني البشر، ليبقى باب التّأويل والإسقاطات مفتوحا إلى حين يفوح عطرها (الوردة الرّمز)، ويحين موسم قطافها.

لوحتان جميلتان فتحتا لنا الشّهية، لمتابعة خطّ القصّة بالومضة الشّعرية المختصرة، فيداهمنا مرتفع على الطّريق، يستوجب علينا تخفيض السّرعة في مواجهة: بائعة الياسمين ..! باللٍوحة الثّالثة من جناح الشّذى، بسرد مشهد بائعة الياسمين (والتي خيٌل إليّ كما لو أنها: كوزيت بطلة قصّة البؤساء للكاتب الفرنسي فكتور هيڨو)، بائعة الياسمين كما بتوصيف الشاعرة، تسعى في الدّروب، بين رصيف ورصيف، إلى أن يباغتها الخريف جالبا معه أنفلوانزا الموسميّة (عنوان فرعي للّوحة الرّابعة) من حلم الشّذى، ويرغب أحدهم (باقتناء) أو قطف وردة الياسمين تلك، فتصدٌه صدٌا ومنعا محذّرة إيّاه، تخاطبه: (تخاطب الذّكر المشبّه بأنفلوانزا)،  بقولها: -قبل أن تهتمّ بقطف وردة جديدة، تخلّص من شذى الورود القديمة وإلاٍ أصبت بحمٌى النّساء.- (المعنى واضح، جليّ، وصلت الرسالة)، في السّياقات التي نقرأ ونتمعّن القراءة، يؤكّد ويسند حقيقة ما ذهبنا إليه أي تغليب الضّمير الإجتماعيّ والوقوف على شؤون المرأة بالوعظ والنّصح، من منطلق التّجارب الذّاتية، والإنفتاح على الثّقافات الغربيّة، كذلك الخبرة المكتسبة من كتب المطالعة، وما عاصرته الشّاعرة بمجتمعها الشّرقي، وحيٌزها خاصّتها، ليكتمل المشهد والفكرة المسترسلة بطريقة النّسج المتأنّي، مما تبقّى من جناح الشّذى في أربعة عناوين فرعيّة: اقحام شخوص جديدة كأن: الشّحرور: بطلها، غير المرغوب فيه عند الوردة التي لا تريده بستانيا يرعاها ويحرصها، بينما شحرور ألفة وأنس ومؤانسة (توصيل صوت المرأة الأنثى إلى الرّجل الشّحرور، وتعريفه بالزّوايا المظلمة للأنثى: الوردة متى تفتّحت وأينعت)، وتضرب له مثلا باللّوحة الخامسة: زهرة دفلى: في مقاربة الذّبول بعد زينة وتنميق للوجد (نسيت أن تستحمّ بعطر الرّبيع)، في دلالة إلى إستنزاف الذّكر لمفاتن وحسن الأنثى حدٌ فقدانها الشّغف ومرور الزّمن فيها: وأصل وردة (الدّفلى) هي من يفشي الظلّ، وصف دقيق من قبل الشّاعرة لتوثيق صورة معاناة المرأة، الحاضنة، والمتحمّلة، و

الماسكة لسقف المنزل ..، ما تبرقه في اللّوحة السّادسة تحت عنوان الغصن من جناح الشّذى وقوّة العطر وسحره، ووحده الغصن من تحطّ عليه الطّيور، والزّهور وحدها من تزيٍن الرّبيع، أمّا الثٍمار .. (ورمزيّة الثّمار) آتت أكلها، وهي تتجدد مع كل بذر جديد، لأنها ببساطة هي الأصل المتجذّر والممتدّ أصالة وعراقة، فتختم ومضاتها الشّعرية الخاطفة بآخر اللّوحات بـ: السّنبلة: تختار فيها الشّاعرة دسٌ القيمة من الغرس في أرضه، وتسدي النّصيحة خشية فقدان التوهّج والبريق: احتفضي بعطرك ياوردة، إنه ما يميّزك، من السّحر، فمهما اشرأب عنق السّنبلة، فلن تصمد طويلا في مواجهة الرّيح.عشرة أجنحة أخرى من الومضات الشّعرية من كتاب: بجناح واحد...أطير، لا يمكن الخوض في غمارها وتناولها فرادى بالدّراسة و تحليل المضامين، لتباين الدّلالات كيفما سيستقطبها القارئ، نحن فقط نقوم على تعبيد أرضية القراءة وفق قراءاتنا خاصتنا، ونعمل على تمهيد الخطّ، كذلك نوجّه شعاع الرّؤية ونضع المتصفّح للكتاب في الحقل والمجال المؤطّر له..، ونكتفي بحوصلة لما ورد بين دفّاته من رؤى فلسفيّة، انساقت كالشّرارات الكهربائيّة التي تبحث لها عن نواقل عازلة لتمرّ من خلالها، قصد تموين الآخر بالضّوء والنّور، ومنها كما بالكتاب:

* جناح النّجوم: مرتّبة في إحدى عشرة ومضة رصدت لنا: الإشعاع الرّوحيّ للمرأة، مستلهمة من صناعة الحضارة من منظور:هيلين كيلر في مقولتها المشهورة والتي وثّقتها الشّاعرة كتوطئة لجناح النّجوم، اذ تقول هيلين: -فقط أولئك الذين يفكّرون ويعملون ويشعٌون يصنعون الحضارة -

* جناح الهوى: توصيف لحال المرأة ككيان، ثم أنثى بتفاصيلها الصّغيرة، ليبقى المصدر الملهم عند الشّاعرة: دوستويفسكي:- إنّ المرأة الواعية لا تستطيع أن تحبّ بسهولة، إنّها فقط تبحث عن نظيرها الرّوحي الذي يشبه تفاصيلها الصّغيرة .

* جناح الانكسار: الأمل بعد الخيبة والتحلّي بالشّجاعة والعزيمة من أجل غد أفضل وأجمل (تحثّ وتنصح للمرأة المخذولة المهزومة)، وتختار تبويبا لإرنست هيمنغواي: - قد ينكسر المرئ لكن لا ينهزم أبدا، غدا يوم آخر .

* جناح العيون: - ابق وجهك في اتّجاه الشّمس ولن ترى الظّلال - "هيلين كيلر".، وتجدر الإشارة هنا من أنّ الشّاعرة تتأسٍى من نموذج عالمي في تحدّي العجز والشّلل أيّا كان نوعه في سبيل تحقيق ذات وغاية، هذا النّموذج المستشهد به من قبل الشّاعرة هي: هيلين كيلر ؛ تلك الفتاة الألمانية: العمياء والصّماء والبكماء، والتي برهنت للعالم من أنٍ الإعاقة ليس في الحواس كما بمقولتها الشهيرة: -ليس المعاق الذي ليس له حواس، ولكن المعاق الذي ليس له طموح وأهداف -، نعم إنها هيلين كيلر، التي تحدّت الإعاقة، ونالت شهادة الدكتوراه في العلوم والفلسفة، وهي في سنّ الرّابعة والعشرين من عمرها، وفي رصيدها ثمانية عشرة كتاب أهمّ عناوينه: أضواء في ظلامي.

إنها العوالم التي أثارت شاعرتنا سونيا عبد اللطيف، والتي تغرف منها معاني القوّة والتحدّي، محاولة مطابقة النموذج الغربي على مجتمعها الشّرقي، محفّزة المرأة على فتح ملء عينيها على غد أفضل بكثير مما هي عليه وهي مغمضة العينين.

* جناح الصّمت:

ومرّة أخرى نمرّ عبر دوستويفسكي، نقرأ: -كنت قرّرت الصّمت، لكنّ الصّمت يحتاج إلى موهبة كبيرة .-

ونقرأ لسونيا: " بالأمس كانت تشكو حدٌة الطّعنات، صارت اليوم تنتشي برمي الجمرات ".

تصبر المرأة كثيرا وتكابد سقطات الرّجل في حياتها، زوجا كان، صديقا، حبيبا، خليلا، أو حتى مسؤولا مباشرا في العمل، لكنّ صبرها الصّامت الوفيّ، سرعان ما يتحوّل ويتبدّد من حال الحمل الوديع إلى ذئب شرس، وفي التّشبيه يجعل منك شيطانا، نتلذّذ ونحن نرجمه بالحجرات.

تجدر الإشارة هنا أيضا من أن الشّاعرة جد متأثّرة بتجارب وملحمات اشهر الكتاب العالميين، كما دوستويفسكي الذي يعتبر أعظم أدباء العالم في فهم البشر، وأشهر كتّاب روسيا، ومن يقرأ له:" مذكّرات قبو "، سيفهم حتما حجم المعاناة التي كابدها وجعلت منه قلما صارخا يصدى بجميع أنحاء العالم، والدّليل من أنّ صدى أدبه وصل عند حدود الشّاعرة سونيا، التي أجادت الإسقاط على الذّات ذاتها، والحوليّات حوّلها، ثم دوّنت الذي نحن نقرؤه.

لتختم الشّاعرة سونيا وصفتها الحكيمة ..، واصفة ترياق الطّيران كما يلي:

* جناح السّكينة: تجاهلي الآخر، كما لو أنٍك لن تلاحظي وجوده، وفي المقابل احظي بالسّكينة وراحة البال.

* جناح السّفر: العمر يمضي، سافري واستجمّي، وحلّقي مع أوّل فرصة، ترين فيها استحسانا وقبولا.

* جناح التّيه: يحدث أن نلتقي بحلم جميل، لا تجعلي أكبر همّك في قطعة رغيف لتحيى كإنسان ..، اكتبي، اسرحي، أطلقي عنان الخيال ..، فهناك متعة وحياة .

* جناح اللّيل: الهدوء والسّكون، والفرار من فوضى النّهار وزحمة المارّة.

* جناح الجنّة: الملاذ ..الخوف والرّجاء والصّبر ..

* جناح الأجنحة:

محصلة لمجموعة الأجنحة،  السٍفينة مبحرة (فكرة مستوحاة من مشهد التّيتانيك)، هي تغرق ببطء، والعالم بجوفها منشغل في حاله، من يرقص ومن ينام، ومن يحتسي النّبيذ ....، بمن فيهم ربّان السّفينة نفسه ..إلى حين ترمى الحبال وزوارق النجدة، فيفرٍ من يفرّ وينفذ بجلده، وتغرق السّفينة بربّانها .

ربما بالإسقاط، السٍفينة هي حياتنا الدّنيا، وغفلة الإنسان المتمسّك بها والمغترّ بطول العمر، فينتهي في لمح بصر.

بجناح واحد ...أطير، مؤانسة شيّقة جسّدت معاناة المرأة العربيّة عموما بالأحواز الضيّقة المنغلقة فكريّا، رغم التّطوّر الحضاري وتقارب الثّقافات وامتزاجها، نظير لامبالاة الرّجل المتفتّح جنسيّا، والمنغلق فكريّا ما تعلٌق الأمر بالمراة الطابو بكافة مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة، فلم تجد ملاذا لتخطي هكذا عقلية رجعية سطحية، وسلطة ذكوريّة سوى التّحليق والطّيران بجناحات متعدّدة بحثا عن نظيرها الذي يفهم سؤال الأنثى فيها ويتفاعل إيجابيّا مع تفاصيلها البسيطة التي تعني لها حياة بأكملها .

قراءة ممتعة للجميع .

 

عنوان الكتاب: بجناح واحد...أطير

المؤلف: سونيا عبد اللطيف /تونس

الناشر: دار الاتحاد للنشر والتوزيع/تونس

ردمك:4-80-926-9938-978

 

رياض عيساوي - الجزائر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم