صحيفة المثقف

ثامر الحاج امين: إضاءة في منجز الباحث حسين علي الحاج حسن

ثامر الحاج امينفي السابع والعشرين من آذار 2004 غيّب الموت الباحث المحامي (حسين علي الحاج حسن 1935 - 2004) الذي يعد واحدا من أبرز الباحثين الرواد في تراثنا الشعبي والعناية بآداب العامة وفكرها، فقد اغنى مكتباتنا وثقافتنا بعطائه الغزير في البحث والتحقيق المتمثل بمؤلفاته:

1- جمهرة الأمثال الفراتية

2- كنايات الريف في الفرات الأوسط

3- التعليقات على أمثال العامة

4- التعريف بمصادر البحث عن الأمثال

5- أمثال قرآنية

6- شرح كتاب النكاح من كتاب (قواعد الاحكام في معرفة الحلال والحرام)

7- البيع والشراء في الفقه الجعفري

ويعتبر "كنايات الريف في الفرات الأوسط" من أهم كتبه الذي كان قد نشره عام 1971 ضمن مجلة التراث الشعبي عندما رأس تحريرها في فترة اصدارها الأهلي للسنوات من 1964 ـ 1967، وتأتي أهمية هذا الكتاب في كونه فك الارتباط وأزال اللبس بين المثل والكناية الذي وصل الخلط والجهل بالحدود بينهما حتى لبعض الدارسين لهذا الموضوع، وهذه فضيلة تحسب للباحث في انه لم يكن جامعاً للكنايات فحسب، انما كان ناقداً ومصوباً للكثير من الأخطاء التي وقع فيها الأقدمون. أما في كتابه "التعريفات" الذي أهداه الى صديقيه كوركيس عواد وعلي الخاقاني فهو يرى ان للأمثال في نظر الدراسات الاجتماعية المعاصرة أهمية بالغة وتقدير متزايد، فهي الى جانب الخصائص الفنية والشكلية البحتة التي كفلت لها الذيوع والانتشار عبر حقب متطاولة من الزمن تمثل خلاصة اجتماعية واعية. وقد تكون الأمثال تجربة اجتماعية خاطئة ومشوهة وبعيدة بعدا قصياً عن مصالح المجتمع التي يعتمدها، غير أنها تحتفظ مع ذلك بكامل اهميتها لكونها ممثلة لفكر اجتماعي خاطئ ومشوه. أما كتابه " التعليقات على أمثال العامة " الصادر عام 1967 فهو عبارة عن طائفة من أمثال عوام العراق في القرن الرابع الهجري مستخرجة من كتاب " نثر الدر " للوزير ابي سعد منصور بن الحسين الآبي المتوفي سنة 421 هـ وقد أعاد الباحث نشرها بعد ان قام بتصويب ما يمكن تصويبه منها فجاء الكتاب محملاً بالشروح والتعليقات المعنية للباحث والمستقصي. وللباحث ايضا بحث طويل عن "الهوسة" كان قد نشره في مجلة القبس التي صدرت في الديوانية في سبعينيات القرن الماضي، اعتبر فيها الهوسة عنوان تاريخ الفراتيين وديوان احداثهم وهم مبتدعو هذا الفن الشعري دون سواهم وقد تضمن بحثه الكثير من الهوسات الخاصة بشعراء الفرات الأوسط.

لقد تمير الباحث " حسين علي الحاج حسن " بغزارة علمه ودأبه الجاد في البحث، حيث تشير مقدمة كتابه " جمهرة الأمثال الفراتية " الى انه بدأ بجمع مادته عام  1952 وانتهى من طبع جزئه الأول عام 1967، فضلا عن تميز عطائه بالغزارة والتنوع، فقد حاول في مطلع شبابه مجاراة " مجنون" جبران خليل جبران الذي نطق بالحكمة بما لم ينطق به الكثير من العقلاء، حيث دفعه الشغف بجنونه الى مجاراته في حكمه وأقواله فكتب عدد من القطع الأدبية جاءت على درجة من النضج ومؤشرة على موهبة الباحث في مجال السرد، ولأهمية هذا الجانب الذي لم يعرفه الا القلة المقربة منه نختار بعضا من خطى المجنون.

تولى احدهم غسل جثة احد اللصوص، فأبصر في اصبعه خاتما  عرف فيه الخاتم الذي سرق منه قبل حين. فقال لزوجة اللص: ـ انه خاتمي ولا أظن زوجك الاّ قد سرقه مني، واني لأعجب كيف سولت له نفسه ان يسرق خاتما لا يزيد ثمنه على دانقين، فقالت زوجة اللص: اذن فخذ خاتمك واغفر لزوجي ما فعله، فأني والله اخجل أن اراكما في يوم الحشر وانتما تقفان امام الرب ليقضي بينكما في أمر خاتم تافه كهذا. فضحك الرجل وقال: أتصدقين هذا الذي يقولونه، وترين ان الله سيشغل بنا، نحن سارقوا الدانق والدانقين عن محاسبة هؤلاء الذين يسرقون كل يوم حيوات الرجال، وغذاء اطفالهم، وكرامات نسائهم. فزفرت زوجة اللص بهدوء وهمست: اظنك تنطق بشيء هو الحق، او شيء يشبهه.

قال أحد الطغاة لابنه وقد حضرته المنية: ها اني مخلفّ لك كل هذا الملك والسلطان العريض، ولا أريد غير ان تدع الناس الذين حكمتهم لخمسين عاماً خائفين مذعورين ان يذكروا ايامي بخير. فقال الابن: سأجعلهم يفعلون ذلك يا أبتاه. كيف؟ فتبسم الابن وقال: لقد كنت تقتل الناس بالشبهات والظنون. أما أنا فلن أشغل نفسي بالبحث عن شبهة أو ظنة لقتلهم.

 لقد ظل الباحث " حسين علي الحاج حسن " دؤوباً في اشتغاله واهتمامه بشؤون التراث الشعبي حتى رحيله تاركاً وراءه إرثاً كبيرا ومخطوطات للأسف لم ترى النور بعد.

 

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم