صحيفة المثقف

حيدر عبد الرضا: دراسة في عوالم أحمد سعداوي الروائية.. رواية (أنه يحلم أو يلعب أو يموت) انموذجا

حيدر عبدالرضاالفصل الثالث ـ المبحث (1)

السارد والشخصية بين تماثل أقنعة الخطاب والفعل السردي المعادل


 توطئة:

أنما يتجلى أمامنا في إطار وسائل البحث في مفهوم ثنائية (السارد ـ الشخصية) المتعلقان في تعاملات رواية (أنه يحلم، أو يلعب، أو يموت) بصورة علاقة تأويلية ـ إيهامية، تجمعها علامات من صياغة الضمائر النحوية في الذات الواحدة بصفة مجملة وروابط مسافة متحولة ومتوارية في مواشيج من الوظيفتان (التصويرية = الفعل السردي) وصولا بالأفعال الإمكانية نحو ظرفية الخطاب المؤدي بالأداة العاملية نحو سياق متغاير ومختلف في أوجه إحالات ومؤشرات محورية دلالية خاصة في منظومة التخييل والإيهام القناعي الضام بدوره كل تمثيلات الوسائط الدلالية عبر مسار الفصل الأول من الرواية، ذلك الفصل الموسوم بـ (كتاب الأقنعة) وعندما نمعن في شيفرات وماهية واستراتيجية هوية ذلك القناع نعاين ظلا ظليلا وأمدا متحولا في وظيفة خاصة من تقانة، الاستبدال الصفاتي أو الذواتي، أو ما يقدر لنا تسميته بذلك الكائن المرسل في أوجه من السنن والتمثيلات المنعكسة في جملة من الإحالات الذواتية المتبناة في أوجه من الشخوص الأخرى أو في أوجهة من الواحدات التكرارية الكبرى من زمن اللقطات السردية: (تخيلت مرارا كل التفاصيل .. أزرار القميص للمضيفة التي تقدم لي الشاي أو المشروب الغازي داخل الطائرة .. تخليت حتى ملمس السلم الحديدي تحت حذائي الرياضي وأنا أهبط منه مع مسافرين من شتى الأجناس في شمال أمريكا./ص7 الرواية.) .

ـ حالة التحول في تتابعية فوارق الفاعل المنفصل.

قد يستوحي القارىء من جراء معاينته إلى وحدات الحالات الأولى من النص الروائي، حول ذلك السارد الشخصية الموظف في حدود نمذجة من الذاكرة والإيهام والحلم ، وعندما ندقق في عبورية مشخصات السرد، بأن مبدأ السرد جاء في حدود لعبة إحالية من التصوير التمثيلي الذي من شأنه التماثل في صوغ حالات غير متداولة في واقع حياة السارد الشخصية، وما كان يستضمر الشخصية في أدق أحوالها الإيهامية، لحاجة الظهور بأساليب وتضمينات أحوال الشخوص الأخرى من ذاكرة المحكي نفسه.إذ أننا نعاين من جهة هامة بأن مجمل الفقرات السابقة كانت تلوح بالملفوظ نحو حالة الشخصية وهي تتوخى التموضع في أفعال ذاكراتية ووهمية من مواقف وترابطات خارج حيز شكلها الفاعل في تعيينات المكون السردي للحكاية.فعلى سبيل المثال نقول أن جملة تخييلات الشخصية في النص، جاءت ضمن علاقة(إنفصامية واصلة ـ اتصالية منفصلة) دون موضوع يرتبط بالآخر ويحدد ملفوظه المرسل بطريقة دلالية واضحة، وهذا الأمر ما جعل من الشخصية الساردة، تشكل بذاته تقمصا أو تمثيلا لنوعية غريبة من الفوارق الواقعة بين الحالات والتحولات المشتملة في موجهاتها الخماسية (كينونة + خارج الكينونة = حالة تماثل = عاملية مرتبطة = فاعل منفذ)وعندما يتم اتصال العلاقات بين الهيئات الأخرى من الذاكرة الشخوصية والحاضر الشخوصي المحول في احتمالية المحكي، نشاهد بأن انطلاقية الفاعل لدى مؤشرات النص تبدو وكأنها تشكلات متقمصة لأفعال أحوالية ذواتية ثنائية، وليس بالمتصلة في صدود إطارية الفاعل المنفذ في الأغلب الأعم، فهو من جهة هامة، يشكل بذاته كأداة تصويرية مراقبة، ومن جهة أخرى يبدو بمثابة الفعل المتماثل الذي يفترض لنفسه حالة القناع في لغة مصاحبة لجميع حالات المحاور العاملية المشتق منها تحولات الذات والفعل السردي: (أنه شيء يقارب الخيال.. ولم أكن أتوقع أن أرى هؤلاء الشباب حليقي الوجوه ها هنا أبدا.. كنت أحلم كل مساء.. وبشكل لا أرادي أن حميد سيرسل بطلبي، وأنني سأشاهد هؤلاء الأغراب هناك./ص8 الرواية.) تترك فينا هذه الوحدات هواجس من إمكانية إيهامية خاصة بعوالم لبوس الشخصية، وبدءا من تخيلاتها للمضيفة في داخل الطائرة، وحتى تباعا إلى مرحلة التعايش بالحلم التعويضي: (أطبع في أوقات الظهيرة حين ينام الجنود كلهم، وأفشل في الاسترخاء، رسائل متخيلة من حميد وأتوقع أنه سيرسلها في يوم ما./ص8 الرواية .) فلنتأمل إذن علاقة التمفصل الحكائي هنا لدى السارد الشخصية، حتى نتمكن من تحسس وجهة المنظور السردي في حالاته المنتزعة من تعدد حافزية الحلم بالإيهام الذاتي، وبقراءتنا للحظة السردية الأخيرة، قد نشعر بمدى غلو نوبات الفضاءات المتوزعة في النص ضمن اتجاهات حسية ناتجة من عمق ارتدادات منظور السارد نفسه.أقول أن النظام السردي بعبارة موجزة في محكي دوال (كتاب الأقنعة )أخذ يترجم لنا ملفات حكاية الشخصية السيرذاتية بأسلوب الملازمة بأحداث وشخوص ووقائع مادة حكائية تعيد تشكيل ذاتها في المتن السردي عبر وظائف مقاربة إلى دلالة التحول في مخيلات أشكال مكانية وزمنية وذاتية مفرطة في حواس الإيهام وزوايا تجاوز الأنا الساردة لذاتها أحيانا، لتحيا في هويات وأحوال ذوات ثانية من دلالات قصدية ناتجة عن صياغة الداخل الشخوصي: (وأقول مع نفسي، رغم كل شيء، أن الخطة لا تسير حسب التفاصيل المتوقعة، ولكنها سائرة وبقوة نحو النتيجة الرجوة.فبنية مصابة بداء السكري، وتعاني من أمراض صغيرة شتى، وقد جرى بطريقة مشابهة مع يار الله أثناء الثمانينات./ ص8.ص9 الرواية .) لاشك أن حقيقة حكاية الرواية، قد لا تبدو لنا حالة غريبة ومنفصلة مع محمولات روايات علي بدر تحديدا، ولكن الفارق ما بين الكاتبان، تكمن أن سعداوي ذات اشتغالات محملة بمضمرات خاصة، فيها أن بدر تبدو مساراته السردية واضحة في أبعادها المدلولية الغنية والثمينة.أن شخوص سعداوي ضمنية ومتحولة في مسار خطها السيرذاتي الانتاجي، ولكنها تبقى أسيرة لحكاية الأنا السيرذاتية تحديدا، لذا فنحن في وحدات هذه الرواية، تواجهنا الخلفية السيرذاتية للروائي التي اطلعنا على بعضها سابقا في رواية البلد الجميل كما لو أنها لازمة من لوازم أدب سعداوي، فهنا نعثر على الشخصية الهالكة في حياتها اليومية العاطلة عن العمل، والتي لا تنفك بالبحث في ذاتها عن خلاصات تتلخص في خروجها من واقعها الأليم، الأمر الذي يذكرنا بالتماثل مع شخوص روايات بدر التي تتمثل بذات الحبكة من مأزومية الشخوص وقلق الآمال الضائعة، ولكنها أخيرا تبقى أسيرة لتصوراتها الوهمية، ودون رجوعها حتى إلى نمط حياتها السوية: (كنت أستعيد كمن يحرك شريطا سينمائيا متآكلا، التفاصيل نفسها، والكلام نفسه، ذلك الذي دار بيني وحميد، أستعيد حكاياته، وأقلب مرة بعد مرة كل شيء في هذا الوعاء الكبير الذي أسميه حياتي، لأني كنت أمرن نفسي، كما كنت أفترض/قضيت التسعينات كلها وأنا أمرن نفسي، على الهجرة المؤبدة.. أختزلت حياتي ببضع محطات وكبستها مع بعضها، ووضعتها في حقيبة./ص9.ص10 الرواية .)من الواضح أن سعداوي أخذ يرسم لشخصيته الروائية ذات البعدين (الخرجي ـ الداخلي) ذلك الفضاء المتمثل بخروجه الخارجي مع صديقه(جاسم أبو المصايب) بعد الانتهاء من عمله في مكتبة تختص بيع القرطاسية، حيث كان يختص فيها هو بعملية نسخ الوثائق والكتب القديمة ثم ليعيدها في هيئات جديدة من التشكل والتصميم والإخراج، وكثيرا ما يصادفنا حديث السارد الشخصية حول أحداث ومواقف صديقه جاسم وهما يهيمان في عملية البحث عن حانوت بيع المشروبات الكحولية: (شربت من دون علم بنية ضبعا، وداهمني ثقل شديد في الرأس/ونمت كمن ينزلق بين حدود هذه المفردات الثلاث من دون إرادة واعية.. نمت وحلمت هذه الليلة بحميد أمام قناني البيرة الثمان، وكنت مثل صديق قديم./ص12 الرواية.) .

ـ المظهر الداخلي: كفاءة الحلم وفاعلية التحول.

علاوة على ما رأينا في مظاهر الفعل الخارجي للشخصية الساردة، الناتجة من حياة يومية ضاغطة بمختلف مظاهر التنفيس الحرة عن أثقال كبيرة في النفس، خلقتها مفردات الواقع المأساوي لدى الفرد العراقي، لذا هو يشبع غيظه بالانغماس الكامل بالشرب أو العيش داخل حلقات الفضاء الحلمي التعويضي الناتج عن ذاكرة معاشة وهما في مجمل وحدات النص.من هنا نعاين ما بين سطور الفقرات والوحدات كيفية الكشف عن أزمة واقع الهوية في حياة المواطن العراقي المشبعة بأقبح الصور السوداوية العدمية المقيتة، لذا نجد نديم الشخصية في الرواية، يلجأ إلى الخمر إلى جوار صديقه جاسم، ويحدث إن نام فرأى حميد رؤيته المنامية غارقا وسط قناني الخمر، كما يمكننا أن نعد هذه الأحلام بمثابة البديل الداخلي المعبر عن مأساوية واقع الفرد الذي يهم في أبعاده الداخلية النفسانية التي من شأنها إبراز مواطن الاسترجاع الذاكراتية في ضمير الشخصية نديم التي كان يدعوها حميد بأسم عبود في ثنايا السرد الضمني، لذا فهذا النعت يسجل للشخصية أبرز المؤشرات الزمنية والمكانية الخاصة في سرد المشاهد من خلال الاستعادة أو التذكر أو الإسهام في نوبات المخيلة الحالمة في الخروج من زمنها الموحش: (أن عبد أبو الخصاوي السود، كما رغب حميد بمناداتي تلك الليلة داخل حلم نديم.. أنا القناع الرابض تحت يده، والذي يعلق به وجوه من ينادمونه، وبالذات بعد الزجاجة الثامنة.وبسبب ذلك أنا وحدي من يأرشف سهراته السباعية، خارج مدار بسطاله النائم في البيت.أن الشاهد على ثرثراته الطويلة.وليس أيا من رفاق جلساته الذين يشطبهم فجأة حين يضع على وجهوههم قناع عبود.وأنا في النهاية لست واحدا منهم./ص18 الرواية.) يسعى الروائي سعداوي نحو الكشف عن مفهومه القناعي الاستعاري، بواسطة لغته الاسترجاعية القادمة من زمن الداخل الذواتي، فهو يحظى بكاميرا إيهامية مجملة راحت تبرز لنا كيفية الاستجابة إلى تلك القابلية الذاتية القنتعية المكررة في العدد الاحصائي في النص: (كنت واحدا من هؤلاء النكرات الـ 60 ألفا الذين دخلوا التاريخ ذائبين في رقم موحد./ص19الرواية .)وما يمنح الذات الشخوصية بعدها القناعي النفساني، هو ما يحقق لها في الآن نفسه عضوية الاستجابة المعادلة الناتجة عن قيمة هؤلاء الجنود، لذا فهو قناعهم الحاضر من خلال قيمة مدلولية جوانية تمثيلية في علامة مواجيد الاستحضار التخييلي، ذلك لأن فضاء (الـ 60 قتيلا) بمثابة العدد الاحصائي المذاب في مادة زائلة في تواريخ الزمن والواقعة الظرفي، فيما تكمن علاقة الشخصية نديم من خلالهم بواسطة المبأر القناعي أو بالمرآة العاكسة لمجمل تلك الأرواح الساكنة في وحدة من المقابلة العاكسة اختزالا في عين الذات الواحدة، أي كحقيقة مراوية لذلك الفضاء الذاكراتي ولكن بصورة إيهامية معبرة عن دلالة تلك الواقعة الزمانية والمكانية: (ولكني أخذت، وبالمصادفة ، مسارا جديدا مع حميد. تعفنت جثتي وانتفخت وأكلتها الأسماك هور الحويزة، أو دفنتها الجرافات العسكرية الإيرانية في الأراضي الجرداء./ص20الرواية.)قد تبدو حبكة الأقنعة الإيهامية في مستوى التخييل مخصوصة نحو زمن اللقطة المشهدية المسجلة في ذاكرة السرد والشخصية.إذ يتقدم الراوي الشخصية ذاته في كل مرة من أجزاء مقاطع قطعية من السرد إلى بث حقيقة علاقته بأولئك الجنود القتلى في الحرب، ولأنه منهم على مسافة معينة من حيادية المشهد وزاوية التخييل، نراه يتابع بعين الكاميرا الملتقطة لأهم المشاهد الذاكراتية.أن تركيز اللعبة القناعية في وحدات الرواية حول ذاكرة الأفعال والعلاقات في الزمن الماضوي، هي من دليل السارد المكمل لأفعال الشخصية القناعية لحاضر سردها، ومن حيث هي لعبة فنية نراها ملازمة في كل مسافة مرئية ومسموعة من زمن المحكي.

ـ السارد ومواقع تشظيات الدال المحورية.

ليتضح لنا من خلال متواليات رواية سعداوي في قسمها الموسوم ب (كتاب الأقنعة) بأن الغاية المضمرة في محكيات السارد الشخصية، تتجاوز وتنعطف نحو تداعيات مركزة من قيمة علاقات (الذات ـ القناع ـ الفاعل المنفذ ) ارتباطا لها بذلك الاحساس القادم من أولئك الجنود القتلى، والذي هو العدد المكمل منهم، كقيمة متحولة في ذاتية إحالة زمن الحكاية إلى زمن مادة متلفظة داخل بطون الأسماك التي أكلت جلود وأحشاء الجنود العائمة فوق مجرى النهر بين أحراش زوايا أعواد البردي والقصب، يتضح لنا مغزى متعلقات العلاقة الإيهامية الواردة من قبل متخيل الشخصية، على أنه مادة جامعة بين فضائين (الذاكرة ـ دليل المعادلة الحاضرة من الترميز) وهكذا توافينا لاحقا أحداثا تسعى إلى أن تنفك من الذاكرة، ولكنها على حين غرة تعود إليها مجددا، ذلك لأن الذات الساردة أصبحت ترجح كل خياراتها الحياتية في مرهون كفة خاصة من تفاصيل المعادلة الجامعة ما بين(الأنا هناك.. الأنا هنا) مع مضاعفة زمن التلفظ في نسيج مؤسس على الومضات الخفية من قيمة السرد الدال: (أنا الآن لست ذلك الذي غطس في ليل الهور المأساوي.. أنا شخص أو شيء جديد.. حافظت على بقائي من خلال الذاكرة الليلية لموائد حميد السباعية في أبي نؤاس وشارع السعدون، ثم تقدمت خطوة أكبر بتحول جديد مثل بيدق شطرنج إلى رأس نديم./ص25الرواية.) وتتميز هذه الوحدات في إحالة صوت السارد إلى ضمير الشخصية في النص، الذي يعد تقديمها هنا كظاهرة محورية تمتلك أشد اللحظات الاعتبارية في الاحساس السردي، ولكننا عندما نعاين التمظهرات التصاعدية في النص، كحالة مبعوثة من لدن السارد، قد نشعر بمدى انفصال السارد عن الشخصية تارة والصعود بها تارة أخرى.

ـ الفضاء القناعي بين التمثل الغيري واحتواء الذات الآنوية

عالجت رواية (أنه يحلم، أو يلعب، أو يموت) عبر فصلها الأول تلك الحالة الانفصامية الواقعة ما بين حقيقة الأنا وتماثلاتها في هوية شخصانية أخرى، وهذا الأمر ليس بالغريب تماما، مادام شخوص وموضوعة الرواية تتناول مأزومية الذوات من جراء رتابة واقعها المميت، ومحاولتها في الخروج نحو ممارسة جديدة تعد شكلا من أشكال التنفيس النفسي وخرق العادة السلوكية اليومية.يحدث مثل هذا الأمر مع صاحب المكتب الذي يعمل فيه الشخصية في حدود واقعة غرائبية في حدوثها الواقعي المقبول: (لأني لم أستطع العثور على حياة تنسيني أجواء الأسر.. بقي هذا الأمر مستمرا حتى ظهور سائق الحافلة: هل أعرف أسمه؟لا تتصورون أنني أنكر ذلك عن عمد.. أنه ببساطة سائق الحافلة، يمكنك أن تفهم ما سأقوله لك ياصديقي. أنا واثق من ذلك، أنت بالذات ستفهم، ولهذا سأكتشف لك سرا، إن خراب حياتي التقيل، والذي لا ينفع معه شيء تحول في أعماقي إلى قطعة مغناطيس كبيرة تجذب تباعا وبقوة كل الخرابات والانهيارات الممكنة والمحتملة، حتى أحلامي وتخيلاتي لا تستدعي سوى الصور الكأبية والمدمرة، لذا كان عليّ، أن أتخيل وبإصرار صورة أخرى، وأكتشفت ذات صباح هذه الصورة الأخرى أمامي.. أنها صورة سائق الحافلة./ص31 .ص32 الرواية.) هكذا وجدنا مبلغ حجم الحلمية الحاصلة في التمثيل بين الذات الأولى والذات الأولى والذات الأخرى في شخصية الرجل صاحب المكتب، فهو من ناحية يسعى إلى الحصول على حياة ثانية تعاكس حلقات واقعة الشعوري المحمل على أشد اللحظات الانسانية انكسارا وخيبة ومن ناحية أخرى فضل انتزاع ذاته القديمة للدخول في تقاسيم ذاتية وموضوعية أخرى، تكون خلافا لحياته الحقيقية المنهارة من جراء زمن الحروب وجحيم زنازن الأسر.ومن هنا قد نجد هذا التنوع والتعدد في مستوى بناء هذا الفصل الأول من الأقنعة الروائية، حيث يكتسب فنية وأسلوبية وجمالية عالية، خاصة عندما يقدم لنا أبهى تقانات التضميين والتقطيع والتداخل الضمائري والأصواتي في نسيج تقاني الاسترجاع والاستباق.

ـ التحولات النفسانية في معطى دليل القناع

أن جملة معطيات التحولات النفسانية من شخصيتها الآنوية إلى شخصية الأول إلى حاضنة تمثلات الذات الأخرى، وهذا التحول يعد اختلافا نفسانيا وضديا مع آنوية الذات الأولى، خروجها لها من أقفاص وشرنقة ذاتها المقهورة والمغمومة من جراء دائرة واقعها الحياتي الأليم، ومن الممكن أن يكون هذا التقمص الدوري سوى حالة من التعايش السيكولوجي مع الوظائف الأخرى من الشخصيات، كوحدة حلولية في قيمة التفاعل مع أحوال وأفعال وصفات غيرية مريحة: ( أنا سائق التكسي طبعا يمكن الافتراض أنني صباغ أحذية في الباب الشرقي أو عامل الكبة في المعامل الخلفية لعلوة جميلة.. أنا ضابط متقاعد بعد أن تحلل الجيش كيمياويا وعاد إلى عناصره الأولية: رجال، وأرض، وأسلحة تلاشت أو تحولت إلى خردة غير مفيدة. /ص36 الرواية.) .

ـ تعليق القراءة:

في الواقع كان الفصل الأول من رواية (أنه يحلم، أو يلعب، أو يموت) عبر صياغته العنوانية الفرعية يشكل بذاته أكثر من ركيزة شرعية قصدية مضاعفة في حيازة كل مبررات.إدانة الحرب والدمار الذي خلف من وراءه حاصلية مسخ الأنسان إلى أطوار نفسانية وأجتماعية قاهرة، حقا لقد أجلا سعداوي في رسم معادلة دلالية كاشفة عن فداحة ما وصلنا إليه من نتيجة إقصاء الأنسان والكينونة في دهاليز مصيرية ظلماء من العشوائية السلوكية، لذا يخرج لنا الكائن الانموذج بوظائف انفصامية تتمنى الولوج إلى عوالم أكثر استقرارية واحترازية، ناهيك ما لهذا الفصل من إجرائية روائية سردية منسجمة عبر جملة تشكلاتها الشخوصية والذواتية والموضوعية المنطلقة من مخيلة أحسنت تشييد معمارها البنائي للمتلقي والتلقي، بل أنها أدخلتنا في مسوغات تنصيصية إيهامية مشفوعة في دوافعها الدلالية الحافلة بأسمى مقترحات النصية الروائية الواقعة ما بين هموم السارد والشخصية وبين أقنعة الخطاب السردي والحكائي المتماثل في مجالات من المعادلة الروائية الفنية الحاذقة .

 

حيدر عبد الرضا

 

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم