صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: الحقيقة دوما ثورية.. اين نحن منها اليوم؟

عبد الجبار العبيديسُئل المهاتما غاندي ما هي أحسن لحظة عشتها في حياتك؟ فأجاب هي اليوم.. أما اذا سئلت العربي والمسلم نفس السؤال يقول لك: هي العصر الذهبي الاسلامي.. عصر النبوة والخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين.. فالماضي محفور في مخيلته حاجزا عنه صيرورةالتاريخ.. فرق في فلسفة التفكير بين الأثنين كبير.

التاريخ يُعلمنا ان عصر النبوة العظيم انتهى بالغزوات وفتح مكة ووثيقة المدينة ، سجل الرسول (ص) فيها حقوق وواجبات المسلم ولم يأمر بتسجيلها كدستور ملزم التنفيذ ظناً منه ان العقيدة أصبحت عقيدة عند الوارثين.. على طريقة قانون حمورابي والوثائق الرومانية عند السابقين.. لكن بعد وفاته سنة 11 للهجرة أخفيت الوثيقة في ظروف غامضة ولم يعد لها من تأثير.. وحتى اليوم .

كما أخفوا الامويين والعباسيين الوثيقة التي تتعارض وحكم المغتصبين... كان المفروض على المؤرخين تدوين الوثيقة ، والالتزام بتطبيقها.. لكن حكم القانون لم يكن متعارفا عليه في ذلك الزمن القديم.. فُترك الامرسائبا والخلاف بين المهاجرين والانصارقائماً.. و بين أمية وهاشم متأصلاً.. فلم تعد للشورى مكانة في التثبيت.. وهكذا كانوا.. وكنا اليوم.. دولة بلا قانون..

من هنا.. برزت سياسة الخلاف بين المهاجرين والانصار على السلطة والمال الوفير.. في عصرهم الذي سموه بعصر الراشدين والذي انتهى.. بالعنف.. فقتل ثلاثة منهم ولامغنم حضاري حصلنا عليه من حكمهم سوى لغة العنف.. بالسيف.. كما كما في قمع القبائل العربية وما أطلقوا عليه بالردة على نظام الزكاة الذي كان حديث عهدٍ بالمسلمين.. فتغلب على المجتمع عصر البداوة وغابت الشورى والتحديث.. بعد ان تأصلت في مجتمعنا الاسلامي المطامع الشخصية وضعفت العقيدة.. فغاب العدل والقانون..

من هنا توقفت الدعوة الدينية ولم يعد لها تأثير مباشر في التغيير.. بل ظلت كعقيدة دينية مقدسة يفتي فيها الفقيه دون تأصيل.

وما ابتكر فكرة نظرية الفتوح الاسلامية الا لأمتصاص الخلاف بينهم خوفا من الفوضى الداخلية.. هنا تغلبت الهشاشة المادية على الهشاشة الفكرية التي بها كانوا يتظاهرون.. ولا زال السيف الى اليوم مرسوما على اعلامهم يرافق العقيدة دون عقل وتفكير .

وبهذا التاريخ المظلم الذي بنيناه فقدنا العقلانية العلمية وحقوق الانسان بعد ان حولنا الفكر والعلم وحقوق الناس الى خُرافة نتغنى بها في المساجد فسمينا عصرنا بالعصر الاسلامي الذهبي.. واعلنا ان الاسلام هو الحل.. ولا ندري أي حل يقصدون.. ؟

فحلت صناعة المؤمن، بدلامن صناعة المواطن.. وصناعة السيف بدلا من صناعة القانون حين ادركوا ان أمتزاج الدين بالسياسة ينتج عنهما الأستبداد الكبيروهذا هو هدفهم في تفريق الحقوق ولا غير.. كما نراه اليوم في سلطة العراقيين ومن أمثالهم كثير.. يعامل المواطن على اللقب والاسم والقبيلة، ولم نقرأ لكاتب أو مؤرخ او فقيه ان كتبوا لنا في العقل وحقوق الناس سوى التمجيد بمن يحكمون وفقهاؤهم "قدس سرهم" اللامقدس واللا فهيم.. وهم اساس نكبة نظريات الافكار عند العرب و المسلمين. .

الوحيد الذي كتب في التنبيه على هذا التوجه الخاطىء هو العلامة ابن رشد "ت520"للهجرة.. محقق كتاب جمهورية افلاطون.. الذي قال: "ان القرآن والدين يدعوان الى البرهان العقلي بحكم التحكيم العقلي والأبتعاد عن الخُرافة والوهم " ، وجاء من بعده محمد عبدة ، ورشيد رضا وجمال الدين الأفغاني واخرين .منذ ذلك الوقت أتجه مسؤلينا نحو المصالح الخاصة وما ملكت أيمانهم يستوردون لنا الجواري الحسان ويبتكرون لنا سوق الأربعاء لبيع الجواري والسبايا ولم ينتبهوا لما افرزته حضارة العراقيين القدماء والرومان واليونان والفرس الزرادشتيين.. لان عقلهم وفكرهم وما هم فيه والغون مرتبط بالجنة والنار والحج الذي يغفر حتى للمجرمين.. ونتحداهم ان جاؤا لنا منهم بعلم أكيد.. واليوم يبتكرون لنا متعة النساء والمسيار ورضاعة الكبير.. دون وعي من ضمير ؟

على الكتاب والمؤلفين ان يبحثوا لنا بجدية البحث العلمي الرصين لماذا نحن متخلفون عن بقية العالم الى اليوم حتى في الحقوق والواجبات .لكننا شطار حين نرفع شعار.. الأسلام هو الحل" ولا ندري أي اسلام يقصدون.. ؟

فهل يقصدون ما قاله الفقهاء وأجمع عليه السلف الاقدمون.. ولا ندري من هم؟ ام نظرية الاجماع المتخلفة التي زرعت فينا فرق التفريق في الحياة والاعتقاد ان لا تجاوز على ما يقوله المتخلف الفقيه.. وعلى نظريات الاحزان التي رافقتنا منذ القرن الاول الهجري وحولتنا الى بكائين.. واليوم .كل الطوائف تتصارع بينها ولاتدري اين الحل الصحيح..

ونحن نسئل ونريد الاجابة من رواد الدين.. لماذا اغفل الله الحضارات الكبرى السومرية والاكدية والبابلية والاشورية واليونانية والرومانية والفارسية والصينية ولم يرسل لهم انبياء يقودون.. هل ان أمتنا متميزة عن كل الأخرين.. أم نحن نستحق التخلف والعبودية وفقدان الحقوق كما يعتقدون.. ؟

أنا لا اريد جنة وولدان مخلدون وأرائك اتكأ عليها في عليين.. بل اريد ممن يعتقدون بقدرة الآله رب العالمين ان يحققوا ما جاءت به الوصايا العشرلكتب السماء في كل الديانات في العدل والحرية والحقوق.. ليرفع عنا: نظرية الخوف، والهزيمة امام التجربة الاسلامية الفاشلة، ويرفع عنا اليأس والحزن والضعف من الفشل الروحي.. ساعتها سنتمكن من السلوك العادل ونبتعد عن شهوات الجسد.. وبعدها ستكون لكم قوة المقاتلة للباطل والفوز بالعدل والصراط المستقيم .

نحن المسلمون نعيش اليوم في عالم مليء بالازمات التي خلقها باطل النفس الانسانية المغلفة بقدسية الدين في مناحيها المختلفة كالقتل والاغتصاب للحقوق والطائفية المقيتة ،والمذهبية المخترعة والعنصرية الكريهة،وسرقة المال العام والارهاب باسم الدين والخيانة الوطنية والعدالة دون ان نعترف بواقع حال المسلمين.. وهم من العدل والارادة الالهية براء.. فاذا لم تقم الحكومات بالحماية من هذه الامراض فلمَ القوانين وهذه الهلمة في انتخابات مجالس النواب والقسم واليمين كما كانت شورى المسلمين بيد خليفتهم دون العالمين.. بل لماذا الاديان والمرجعيات المقدسة كما يدعون.. وقوانين الاغلبية والاقلية هي السائدة اليوم.

نعم.. نحن نمر اليوم بمرحلة الجهل المطبق الذي خلفته لنا مؤسسة الدين منذ البداية ودكتاتوريتها الباطلة في التنفيد.. التي فرقت المجتمع الى فرق واحزاب متناحرة.. ادت وتؤدي الى الحروب بينها فاضعفت الرابطة الانسانية والاحتاجات الاجتماعية والمالية فحل التذمر بدلا من الاخوة والوئام.. والظلم بدلا من العدل ،والخوف الدائم بدلا من الأمان ،والسيف بدلا من القانون.. ناهيك عن ان معاهدات الصداقة بين الامم وسرعان ما تصلنا منها فساقتنا الى الحروب والعداوات.. فأين نجد راحة القلوب اليوم غير عند المنقذ الاكيد رب العالمين.. وهاهم من ينوبون عنه في الارض من اكثر الناس فسادا ومجرمين.. ؟

كونوا واعين للزمن والتاريخ.. مؤمنين بالله والحياة وحقوق الناس دون تفريق والامصيركم كمصيرابو رغال خائن مكة مع الحبشيين ،ووزير المستعصم بالله العباسي ابن العلقمي مع المغوليين ، فالعدل في الحسابات الآلهية خط أحمر لا يُخترق.. واليوم حكام العراق من اعضاء مجلس الحكم والوزراء والنواب كلهم ينتظرهم نفس المصيربعد ان داسوا على القيم وأيدوا عدوهم المحتل اللئيم ، لانهم خانوا الله وحنثوا القسم واليمين وشرف الاله في تسليم الوطن للغرباء الاعداء دون ثمن لمجرد السلطة والمال وما ملكت ايمانهم من نساء متعة الدين.. انظر الى وجوههم اليوم تراهم انقلبت الى وجوه اللاأنسانيين بشاعة في نظر المواطنين فهل يدركون.. فلا يوجد وسيط بين الانسان وربه الا عدل القانون..

لا تكن ايها الحاكم مثل ابليس الذي ابى واستكبر فكانت لعنة الله عليه الى يوم الدين. قالها التاريخ من قبل بالغادرين.. الملعونين.. فالحياة قصيرة فلا تخونوها وتعيشونها حقيرة.

ايها الحاكمون الباطلون: ان اوجه النفاق عندكم تتفاوت اليوم من نفاق اجتماعي الى سياسي ال ديني الى اخلاقي .حتى تلاحمت الاوجه كلها عندكم فلم نعد نفرق بينها فيكم.. اصبحتم مزيجا مأساويا من مثالب تنخر في مجتمعنا البائس.. فتحولت الى لصيق شبيه بكم.. فلم يعد الاصلاح ينفع معكم الا بأجتثاثكم كما يجتث الفساد من عروقه من الفاسدين.. فهل تعودوا الى ربكم وقرآنكم وعدالة السماء ان كنتم تعتقدون حقا بهم.. ام تبقون في المظالم سادرين..

 حتى الطيور اصبحت لا تغرد في بلادي.. بل تتذمررافعة اصواتها الى العلي القدير لازاحة الغمة عنها.. انتم قوم لا ينفع معكم الا طوفان نوح.. وهوليس ببعيد عنكم ابداً.. فلكم الخيار.. ؟ اقدم يا صاحب العزة والقرار الأخيريا صاحب من جعلت عادٍ وثموداً فما أبقى في العالمين.. وانت آله الناس لتحميهم من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنَةِ والناس.. أقدم يا رب العالمين.. بالقرار الأخير ونفذ فيهم أرادتك الجبارة.. والا.. لا أمل بمن خانوا الله والوطن والضمير.. وأجعلهم فما أبقى في العالمين.. ليكونوا عبرة للقادمين فقد اصبحت قصص القرآن الكريم التي نرددها.. كل يوم

 قديمة.. تحتاج.. الى تجديد.

 

د. عبد الجبار العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم