صحيفة المثقف

حاتم حميد محسن: الأبعاد السياسية والاجتماعية لنظرية الصراع

حاتم حميد محسننظرية الصراع هي نظرية سوسيولوجية مرتبطة بكارل ماركس. تسعى لتوضيح الأحداث الاقتصادية والسياسية وفقا للصراع المستمر على الموارد المحدودة. في هذا الصراع، يؤكد ماركس على العلاقات العدائية بين الطبقات الاجتماعية، وبالذات العلاقات بين مالكي رأس المال – الذين يسميهم ماركس "البرجوازية" – والطبقة العاملة التي يسميها "البروليتاريا". الصراع كان له تأثيرا عميقا على فكر القرنين التاسع عشر والعشرين ويستمر في التأثير على النقاشات السياسية حتى يومنا هذا.

ترى نظرية الصراع ان النظام الاجتماعي يتم المحافظة عليه عبر الهيمنة والسلطة وليس عبر الإجماع والإنسجام، وان منْ لديهم الثروة والسلطة يحاولون الإمساك بهما بأي وسيلة كانت، وبشكل رئيسي عبر قمع الفقراء ومنْ لاسلطة لديهم. الافتراض الأساسي لنظرية الصراع هو ان الافراد والجماعات ضمن المجتمع سوف يعملون لأجل تعظيم ثرواتهم وسلطاتهم الخاصة.

فهم نظرية الصراع

جرى استعمال نظرية الصراع لتوضيح نطاق واسع من الظواهر الاجتماعية بما في ذلك الحروب والثورات والفقر والتمييز والعنف المحلي. انها تعزو معظم التطورات الاساسية في التاريخ الانساني، مثل الديمقراطية والحقوق المدنية، الى المحاولات الرأسمالية في السيطرة على الجماهير. المنطلقات المركزية في نظرية الصراع هي مفاهيم اللامساواة الاجتماعية، تقسيم الموارد، والصراعات التي توجد بين مختلف الطبقات المجتمعية.

يمكن توضيح عدة انواع من الصراعات المجتمعية طوال التاريخ باستعمال المبادئ المركزية لنظرية الصراع. بعض المنظرين، بمن فيهم ماركس، يعتقدون ان الصراع المجتمعي هو القوة التي بالنهاية تقود التغيير والتطور في المجتمع. ان صيغة ماركس لنظرية الصراع ركزت على الصراع بين طبقتين رئيسيتين. كل طبقة تتألف من جماعة من الناس مترابطة بمصالح متبادلة ومقدار معين من الملكية. اعتبر ماركس البرجوازية، جماعة من الناس مثّلت أعضاء مجتمع يمتلكون غالبية الثروة ووسائل الانتاج. البوليتاريا هي جماعة اخرى تتشكل من الطبقة العاملة او الفقراء.

مع صعود الرأسمالية، رأى ماركس ان البرجوازية، وهي الأقلية من السكان، سوف تستعمل نفوذها لقمع البروليتاريا، الطبقة الأكثرية. هذه الطريقة من التفكير ارتبطت بالصورة الشائعة المتعلقة بنماذج المجتمع المرتكزة على نظرية الصراع، المناصرون لهذه الفلسفة يميلون للاعتقاد بترتيب هرمي للكيفية التي تُوزع بها السلع والخدمات في المجتمع، في قمة الهرم هناك جماعة صغيرة من النخب تقرر شروط ومواصفات النسبة الأكبر في المجتمع لأن تلك النخب لديها النصيب الأوفر من الموارد والسلطة.

التوزيع غير المتساوي في المجتمع كان يُتوقع ان يستمر من خلال القمع الايديولوجي، حيث ان البرجوازية سوف تفرض على البروليتاريا القبول بتلك الشروط . نظرية الصراع تفترض ان النخبة سوف تضع انظمة القوانين والتقاليد والهياكل الاجتماعية الاخرى لكي تدعم وترسخ هيمنتها بينما تمنع الآخرين من الالتحاق بهيكلها. ماركس رأى انه، بما ان الطبقة العاملة والفقيرة كانت عرضة لظروف سيئة، فان الوعي الجمعي سيخلق المزيد من الوعي حول اللامساواة، وهذا سوف يؤدي الى الثورة. اذا جرى تعديل الظروف بعد التمرد لمراعاة مصالح البروليتاريا، فان دائرة الصراع سوف تتكرر بالنهاية ولكن في الاتجاه المعاكس. البرجوازية بالنهاية ستصبح متمردة وثائرة، تطمح الى إعادة الهياكل التي حفظت هيمنتها سابقا.

افتراضات نظرية الصراع

في نظرية الصراع الحالية، هناك اربعة افتراضات رئيسية مفيدة للفهم وهي: المنافسة، الثورة، اللامساواة الهيكلية، والحروب

المنافسة

تعتقد نظرية الصراع ان المنافسة مستمرة، وفي اوقات معينة، تكون العامل المهيمن في كل علاقة او تفاعل انساني. المنافسة توجد كنتيجة لندرة الموارد، بما في ذلك الموارد المادية من نقود وملكية وسلع وغيرها. وفي ما وراء الموارد المادية، ايضا يتنافس الافراد والجماعات ضمن المجتمع على الموارد غير الملموسة . هذه تتضمن وقت الترفيه، الهيمنة، المكانة الاجتماعية، الشراكة الجنسية. نظرية الصراع تفترض ان المنافسة هي عدم الالتزام (بدلا من التعاون).

الثورة

اذا كان الصراع وفقا لإفتراضات المنظّرين يحدث بين الطبقات الاجتماعية، فان احدى محصلات هذا الصراع هو حدث ثوري. الفكرة هي ان التغيير في ديناميكية السلطة بين الجماعات لا يحدث كنتيجة لتكيّف تدريجي. وانما، يأتي كمظهر للصراع بين هذه الجماعات. بهذه الطريقة، عادة ما تنفجر فجأة وعلى نطاق واسع التغيرات بديناميكية السلطة بدلا من ان تكون تدريجية وتطورية.

اللامساواة الهيكلية

أحد الافتراضات الهامة لنظرية الصراع هي ان العلاقات الانسانية والهياكل الاجتماعية كلها تشهد لا مساواة في السلطة. بهذه الطريقة، يطور بعض الافراد والجماعات فطريا مزيدا من السلطة والمكافأة قياسا بالآخرين. يتبع هذا، ان اولئك الافراد والجماعات الذين يستفادون من هيكل معين في المجتمع يميلون للعمل والحفاظ على تلك الهياكل كطريقة لإبقاء وتعزيز سلطتهم.

الحرب

منظّرو الصراع يميلون لرؤية الحرب اما موحِّدة او منظّفة للمجتمعات. في نظرية الصراع، الحرب تنتج عن صراع متنامي وتراكمي بين الافراد والجماعات، او بين المجتمعات بالكامل. في سياق الحرب، ربما يصبح المجتمع موحدا ببعض الطرق، لكن الصراع يستمر بين المجتمعات المتعددة. من جهة اخرى، الحرب قد تؤدي الى نهاية كلية للمجتمع.

ماكس ويبر

بالنسبة لماركس نظر الى الرأسمالية كجزء من التقدم التاريخي للأنظمة الاقتصادية. هو اعتقد ان الرأسمالية تتجذر في السلع او الاشياء التي تُشترى وتُباع. فمثلا، هو اعتقد ان العمل هو نوع من السلعة،  لأن العمال لديهم القليل من السيطرة او السلطة في النظام الاقتصادي (لأنهم لايمتلكون المصانع او المواد)، قيمتهم تتآكل بمرور الزمن. هذا يخلق عدم توازن بين مالكي الشركات والعاملين لديهم، والذي يقود بالنهاية الى صراع اجتماعي. هو اعتقد ان هذه المشاكل بالنهاية ستُحل من خلال الثورة الاجتماعية والاقتصادية.

ماكس ويبر الفيلسوف والسوسيولوجي الألماني تبنّى العديد من مظاهر نظرية ماركس في الصراع، ولاحقا، صقل العديد من الأفكار التي وردت فيها. اعتقد ويبر ان الصراع على الملكية لم يقتصر على سيناريو معين وانما هناك أشكال متعددة من الصراع توجد في أي لحظة وفي كل مجتمع. وبينما أطّر ماركس رؤيته عن الصراع باعتباره بين المالكين والعمال، اضاف ويبر عنصرا عاطفيا لفكرته عن الصراع. . يقول ويبر: " هذا العنصر هو الذي يجسد سلطة الدين ويجعله نصيرا هاما للدولة، يحوّل الطبقات الى جماعات فرعية ذات اسلوب مستقل عن الطبقة، ويعمل نفس الشيء مع الجاليات الاقليمية في ظل ظروف معينة... وبذلك يجعل "الشرعية" هي التركيز الحاسم لجهود الهيمنة".

عقيدة ويبر حول الصراع تتسع الى ما وراء رؤية ماركس لأنه يقترح ان بعض اشكال التفاعل الاجتماعي بما فيه الصراع، تولّد معتقدات وتضامن بين الافراد والجماعات ضمن المجتمع. بهذه الطريقة، ربما يختلف رد فعل الافراد لعدم المساواة اعتمادا على الجماعات التي يرتبطون بها، ما اذا كانوا يتصورون اولئك الذين في السلطة شرعيين ام لا، وهكذا.

منظّرو الصراع اللاحقين في القرن العشرين والواحد والعشرين استمروا يوسعون نظرية الصراع الى ما وراء الطبقات الاقتصادية الصارمة لماركس رغم ان العلاقات الاقتصادية تبقى سمة جوهرية لعدم المساواة بين الجماعات في مختلف فروع نظرية الصراع. نظرية الصراع هامة جدا في النظريات الحديثة وما بعد الحديثة في اللامساواة العرقية والجنسية، السلام ودراسات الصراع، والعديد من الدراسات المختلفة للهوية التي برزت في الاكاديمية الغربية في العقود الماضية.

أمثلة على نظرية الصراع

يرى منظّرو نظرية الصراع ان العلاقات بين المجمع السكني والمستأجر ترتكز اساسا على الصراع بدلا من التوازن والانسجام. هم يعتقدون انها تتحدد بالموارد التي يمكن الحصول عليها .

في المثال أعلاه، بعض الموارد المحدودة التي قد تساهم بالصراع بين المستأجرين ومالك المجمع تتضمن المكان المحدود في المجمع، العدد المحدود من الوحدات، النقود التي يدفعها المستأجرون لمالك المجمع كايجار، وهكذا. بالنهاية، يرى منظرو الصراع هذه الديناميكية كنوع من الصراع على الموارد. مالك المجمع، مهما كان كريما، هو بالاساس يركز على توفير اكبر عدد من الغرف المشغولة كي يحصل على اكبر قدر ممكن من الايجار، خاصة اذا كان يتوجب عليه تغطية الفواتير مثل فوائد القروض السكنية وخدمات الماء والكهرباء . وعلى الجانب الآخر من الصراع، يسعى المستأجرون انفسهم للحصول على أحسن شقة ممكنة بأقل مبلغ ايجار نقدي ممكن.

يشير المنظّرون الاقتصاديون للأزمة الاقتصادية عام 2008 ومدفوعات البنوك اللاحقة كمثال جيد على الصورة الواقعية لنظرية الصراع، طبقا للمؤلفين الن سورس وجيمس كيرن في كتابهما (كتاب جيد في النظرية). هما ينظران الى الأزمة المالية كنتيجة حتمية لعدم المساواة وعدم الاستقرار في النظام الاقتصادي العالمي، الذي يمكّن أكبر البنوك والمؤسسات من تجنّب إشراف الحكومة وأخذ زمام المخاطر الكبيرة التي تكافيء فقط القلة المختارة. المؤلفان لاحظا ان البنوك الكبيرة والشركات الكبيرة لاحقا استلمت مدفوعات نقدية من نفس الحكومات التي ادّعت ليس لديها مال كاف لبرامج اجتماعية كبيرة مثل رعاية صحية شاملة. هذا الاختلاف يدعم الافتراض الأساسي لنظرية الصراع بان المؤسسات السياسية الرئيسية والممارسات الثقافية تفضل الافراد و الجماعات المهيمنة . المثال يوضح ان الصراع يمكن ان يكون متأصلا في كل انواع العلاقات بما فيها تلك التي لا تبدو في الظاهر عدائية. انه ايضا يبيّن حتى السلوك الواضح يمكن ان يقود الى عدة اشكال من الصراع.

الانتقادات الشائعة لنظرية الصراع

أحد الانتقادات هو ان نظرية الصراع تفشل في استيعاب الطريقة التي يمكن ان تكون بها التفاعلات الاقتصادية ذات فائدة متبادلة لمختلف الطبقات المشاركة. فمثلا، نظرية الصراع تصف العلاقات بين أصحاب العمل والعمال كنوع من الصراع فيه يرغب اصحاب العمل بدفع القليل لقوة العمل، بينما العمال يرغبون بتعظيم اجورهم. في التطبيق العملي، عادة تكون لدى العمال واصحاب العمل علاقات منسجمة. كذلك، وجود مؤسسات مثل خطط التقاعد والتعويضات المرتكزة على الانتاج يمكن ايضا ان تردم الهوة بين العمال والشركات عبر إعطاء العمال حصة اضافية من مكاسب أصحاب الأعمال .

 

حاتم حميد محسن

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم