صحيفة المثقف

حسين السوداني: الوداع والخريف

الى روح صديقي الحميم الفنان التشكيلي القدير

منصور البكري - أهدي هذه السطور 


 وحيدا

أجلس في الحديقة العامة

مرتديا ثياب الأسى

أجهش بالبكاء كطفل يتيم

يسيل الدمع من مقلتي ويجري

أحتسي كأس اللوعة والمرارة

الأشجار تذرف أوراقا صفراء

الأزهار تحدث عن شبابها وتحكي

والندى يبكي

والسنجاب لشجيرة الورد يروي

حكاية العشب الذي ما انفك يذوي

العصافير الحزينة تودع أعشاشها

والفراق يدق مسامير الألم في قلبي

لا أحد من المارة يدري

الى أين دمعي يجري

الى أين تسيل أحزاني

خلف الحدود القريبة

تلبس - برلين - معطفها الأسود

وتضع وشاح الحزن على رأسها

وفي الحجرة - المرسم - من بيتك

أسمع الآن أصداء حواراتنا

في الحي الشعبي المكتظ بالناس

Friedrichshain - Kreuzberg

أتذكر لقاءنا الأول عام 1985

يوم جئتك من- براغ - زائرا

كان للفطرة رسمها

كان للبداهة إسمها

وكان لبرلين حينها جدار يقسمها

أتذكر زياراتنا لدار ثقافات العالم

وأتذكر الأماسي الفنية وسهراتنا

أرى الآلوان المائية في عيون الأطفال

وأشم رائحة لوحاتك الزيتية المعلقة

من لي في - برلين - سواك

وقد سكب ليلها عتمته الأبدية

على ذلك الحي العتيق

وساح الظلام في شارع -  أوبلنر

Oppelner Str.

من يأخذ بيدي الآن ويدلني

على مقاهي حاراتها

على عازفة الناي الحزين وجاراتها

من لي يا - منصور -  سواك

وقد حال التراب بيننا

قلت لي : ستزورنا في الصيف

ستأتي مع أخيك - عماد - الى براغ

لكنك رحلت بعيدا

أبعد من المنفى وأبعد من العراق

وحلقت روحك الرهيفة في الآفاق

يوم نعاك إلي الناعي

تمنيت لو كنت أصما

وحين قرأت خبر رحيلك

وددت لو  أن عيني إكتحلت بالعمى

يا أيها الناعي قد جرحت

روحي والحشى

هل يدرك الناعي حقا من نعى؟

رحماك رباه

لقد تكالبت علي بلايا الدهر

وأوصدت الدنيا نوافذ فرحها

وأغلق الزمان أبواب الفرج

حرائق الخريف تشوي كبدي

والوجد لهيب شوق في فؤادي

رحل الأهل

وفي كل عام أفقد صديقا

أمسيت كأنني - لأبي الطيب - شقيقا

رماني الدهر بالأرزاء حتى "

فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام

" * تكسرت النصال على النصال

وداعا أيها الغالي

وداعا أيها الأغلى

نم قرير العين يا صديقي

عسى الباري يجمعنا يوما

في فردوسه الأعلى

***

حسين السوداني

براغ في 15.11.2021 

.............................. 

* البيتين المحصورين بين هلالين لأبي الطيب المتنبي 

* رحل الأخ والصديق الحميم الفنان التشكيلي القدير  - منصور البكري - الى راحته الأبدية بعد معاناة ومشاكل صحية في القلب. كان - منصور - يبعث لي من المستشفى الذي يرقد فيه أعماله المنجزة بالألوان المائية على الورق. مكث في المستشفى حوالي 34 يوما ورسم حوالي أربعة وثلاثين عملا لوجوه ممثلين ومطربين وسياسيين ثوريين وبعد خروجه من المستشفى بأيام رحل عنا الى مثواه الأخير. رحل صديقي - منصور - بعد أكثر من أربعة عقود من الإبداع والعطاء المتواصل قضى قسما منها في العراق يرسم في المجلات الخاصة للأطفال. أما القسم الأعظم من حياته الإبداعية  فقضاه في المنافي - روما وبرلين - بعيدا عن الوطن. درس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد في فترة السبعينات ثم هاجر لدراسة الفن التشكيلي في روما وبعدها برلين التي إستقر فيها وكانت أطروحته الأكاديمية لنيل الشهادة من أكاديمية الفنون في- برلين - هي رسم أحداث وشخصيات ملحمة جلجامش بلوحات زيتية كبيرة

السلام والرحمة والطمأنينة لروحه الطاهرة المرهفة والمبدعة والصبر والسلوان لذويه وأصدقائه

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم