صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: الحزب الشيوعي العراقي.. هدية سيكولوجية لمناسبة مؤتمره الحادي عشر

قاسم حسين صالحيعقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الحادي عشر في ظل وضع سياسي معقد داخليا وخارجيا يعيق تطلعات جماهيره في اقامة دولة مدنية ديمقراطية عصرية تحترم سيادة القانون والمؤسسات الدستورية واستقلال السلطة القضائية التي تمتحن الان في نتائج انتخابات 10 تشرين 2021 .

ويواجه الحزب موقفا صعبا في تحقيق اهم اربع قضايا تشغل العراقيين: تشكيل محكمة من قضاة مستقلين لمحاسبة الفاسدين تعتمد مبدأ من اين لك هذا، تشكيل حكومة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والمهنية، حصر السلاح بيد الدولة وانهاء دور الميليشيات، والكشف عن قتلة شهداء تشرين.

ان المهمة الاساسية لمثل هكذا مؤتمر هي مراجعة مسيرته السابقة وتعزيز ما هو صائب من مواقفه وممارسة النقد الأيجابي لأخرى كانت غير موفقة او لم تاتي من قراءة دقيقة للواقع العراقي المتداخل والمعقد، واخرى تخص انقساماته الداخلية.. وعن هذه الأخيرة سنتحدث سيكولوجيا.

عقدتان سيكولوجيتان

في (8 /2 /2008) اقترحت على الأخ رزكار عقراوي (رئيس موقع الحوار المتمدن) تشكيل لجنة تحضيرية، من غير المنتمين والذين لا يثيرون حساسية هذا أو ذاك، تتحرك لتوحيد قوى اليسار العراقي.وبعد نشر موضوعين لنا بعنوان (البديل المنقذ لعراق مدني ديمقراطي) تفاجأت أن عدد هذه القوى من الشيوعيين عشرة أو يزيد. ثم فاجأني الأخ رزكار برسالة يقول فيها، بعد ترحيبه بفكرة تشكيل هذه اللجنة، بأنه تحّرك فعلا" فوجد ان العداء بين معظم هذه القوى من النوع اللدود، وطلب مني ان اقوم بتحليلها نفسيا" لتشخيص ما فيها من أمراض نفسية. .فتوصلت الى وجود (علّتين) سيكولوجيتين تتحكمان بقوى اليسار العراقي هما: الصراع على الهوية (أو العنوان)، اذ يمكن تشبيه قوى اليسار العراقي بأولاد أسرة واحدة يحظى فيها الأب بمقام رفيع وصيت ذائع بين ناس يعدّونه " نبيا" أو " عبقريا " من طراز فريد. وحين مات هذا الأب (ماركس) تنافس (اولأده ـ قوى اليسار) على من يحمل الهوية أو اللقب أو العنوان، ثم تطور هذا التنافس الى صراع وعداء، واشد انواع العداوات تلك التي تكون بين الأخوة. فالكبير منهم (الحزب الشيوعي العراقي) يعّد نفسه الوريث الشرعي للأب وحامل هويته وأسمه وعنوانه، ويعدّ من يخرج عن طوعه منشقا" وعاقّا"، فيما يرى الأخ المنشق عليه في مسيرة الأخ الأكبر، حامل العنوان، أنه اساء الى أبيهم وشوّه أفكاره، ويؤنبه بعبارة: ما هكذا قال ابونا، وانك لو تمعنت فيما قاله واتبّعته لما اصابنا ما اصابنا.. وتلك هي الآلية السيكولوجية التي فرّقّت بين (اولاد ماركس).. لأن كل واحد منهم يرى في نفسه أنه الأحق بحمل هوية الأب الذي يعّده الفقراء والمظلومون أنه "نبيهم" و"مخلصّهم".

وواقع نفسي مثل هذا يحتم عليه أمرين، الأول: مهاجمة الأخ الكبير والتركيز في تضخيم أعمال أو مواقف يعدّها اخطاء كبيرة وخروجا" على منهج الأب وما اوصى به. والثاني: دعوة الناس المحبين لأبيه الى أنه هو ممثله الحقيقي، وأن عليهم ان يتخلوا عن أخيه الأكبر ويلتحقو به ان كانوا من محّبي أبيه الذي رسم لهم طريق الخلاص.

والمفارقة ان الأخوة الصغار المنشقيين يدركون أنهم لن يستطيعوا ازاحة الأخ الأكبر من موقعه ولن يكسبوا من الناس قدر ما كسب، ولكنهم يمضون في ذلك مدفوعين بالحاجة النفسية الى الشهرة والزهو بالهوية، مسنودة بالخوف من سلطة الأخ الأكبر اذا ما تصالحوا معه وعادوا الى خيمته، لأنهم يعتقدون بأنه حين يضعهم تحت جناحه فأنه سيطمس وجودهم ويفتقدون " الهوية " التي تمثل كينونتهم واعتبارهم الشخصي، وطبيعي ان الانسان يفضّل تهميش الوجود على الغائه. وقد يكون لدى (أولاد ماركس) ايمان مطلق بأن استعادتهم للهوية " مسألة وقت ليس الا، ويبشّرون أنفسهم والآخرين بأن هذا الزمن آت لا ريب فيه.

والثانية، ان قوى اليسار يتحكم بها " العناد العصابي" الذي يعني اصرار الفرد (او الجماعة)على البقاء في الموقف الذي هو فيه وعدم تزحزحه عنه حتى لو ساوره شك بأنه على خطأ، لأنه يتحكم فيه دافع قسري يجبره "غصبا عنه " على البقاء في الموقف. وغالبا ما يصاب بهذه العقدة القادة النرجسيون والمثقفون المصابون بتضخم الأنا، لأن كلا الصفتين " النرجسية وتضخم الأنا " يعدّان الاعتراف بالخطأ نيلا من الاعتبار الشخصي وجرحا للأنا المتضخم وللغدة النرجسية المتورمة في صاحبها.. وليت الجميع يراجعون انفسهم.. فبوحدتهم يكون الشيوعيون اقوى.

تهنئة من القلب لرفاق الدرب وهم يواصلون مسيرة 87 عاما من النضال الجسور والشجاعة التي تتحدى الموت.. فما من حزب سياسي عراقي قدّم تضحيات كالتي قدّمها الحزب الشيوعي، بدءا من اعدام قيادته الأولى المتمثلة بفهد ورفاقه عام 48 .. الى الموت تحت التعذيب البشع لقيادته الثانية المتمثلة بسلام عادل ورفاقه عام 63 .. الى أفجع تراجيديا ابادة سياسية في الشرق الأوسط لعشرات الآلاف من الشيوعيين وأصدقائهم الذين استشهدوا او غذّبوا أو ملئوا السجون العراقية ومراكز الشرطة وأقبية مديريات الأمن .. التي ارتكبها فاشست الانقلاب الأمريكي الرجعي في 8 شباط الأسود.

تحية للحزب الذي كان مثقفوه هم اداة التنوير والوعي الثقافي، في مفارقة مدهشة وجميلة هي أن أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي للمدة من(1955-1963) كانوا من عائلات أسياد!، وأنهم توزعوا بين سنّة عرب وشيعة وكورد!، ومؤكد ان بين الحاضرين مؤتمركم الآن من هم بأكثر من هذا التنوع.

لكم منا ايها الأحبة خالص تمنياتنا بالنجاح لمؤتمركم الحادي عشر بتحقيق شعاره (وطن حر وشعب سعيد).

*

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم