صحيفة المثقف

عقيل العبود: رسالة صبح فيروزي

عقيل العبوديوم جلستُ أنا، والصبحُ مبكرًا، كما عادتي، رحتُ أحتسي الكلمات مع استكانةِ شاي، استهوتني نكهتها لأن أغرقَ في سبات تأملي، وكانت مائدتي مثل دعوة ولاء مفتوحة في حضرة الملائكة.

**

باتت زرقة السماء تشبه صفاء روح متيمة بالعفة، والحياء، وأحلام تشبه في انسيابها رقة الأمواج، ولون البحر، تدافعت الوريقات أمامي، بصورة تشبه في تماسكها أجنحة الطيور، أطلت أمام بصيرتي لقطات مبعثرة، دنا وجه زميلتي التي لم أكن أقوى على مصارحتها.

**

حضر المشهدُ دون حاجة إلى جهاز تصوير، ومخرج، حتى فرضت اللقطة جوانحها المستحبة على مشاعري التي كتمتها، وجدتُ نفسي مستسلمًا لذلك الخفقان، ومع اللحظة، شعور راح يفرض نفسه على شاكلة نشوة، سرعان ما أخذت طريقها صوب معتكف مقدس.

**

أحست السطور التي كانت بيدي بإضطراب غريب، راح صراخي يغمر المهد، إرتكنت الحروف عند حافة طاولة تنتظر الحديث معي منذ زمان.

**

بقيت المعاني في جوفي تميل إلى الصمت،

يداهمها حاجز، يصعب اقتحامه.

**

أقفلت لغة الخطاب أبوابها، إلا مقولة واحدة، أطلقت لنفسها العنان دون استئذان؛ ذلك تأثرًا بألحان طائر كان ينصت إلى نحيب شجرة، أحرقها الوجع.

**

تناثرَ ضوءُ الشمسِ مُطلِقاً العنان لتلك الأغصان؛ ليتها تتنعم بأسراب العصافير.

**

أمسيت على موعد مع النادل لحين إكمال قصيدتي، تعثرت القوافي، هوت المشاهد، أخذت تستعيد ذاكرة اللحن عند أخاديد بقعة، بقيت جذورها لم تكتوي.

**

صارت فيروز تشدو (بكتب اسمك يا حبيبي)، سكنت مهجتي، شَدَت انغام روحي، لعلها تسترد رونق اللحظة القادمة.

**

جلسنا، هي، وأنا في قاعة المحاضرات، غدوت بشغف أنتظر الفرصة المناسبة، متكئًا عند حدود مشاعري التي حبستها منذ شهر، أمسيت خلالها مثل طائر يحلق خارج السرب.

**

شئ ما راح يحثني لأن أحرر هذا الكائن الجميل، (الوردة) التي منحتني، أعقبتها (مزهرية)، أهديتها إياها، كما أغنيتي المفضلة لفيروز.

**

ترتب علي أن أترقب اللحظة المناسبة للبوح ببطاقات عاطفتي، لم يبق أمامي إلا لحظات معدودة، لكي ينتهي الدرس، الذي يعقبه ساعة استراحة، لحين محاضرة قادمة، وتلك فرصتي الأخيرة.

**

تلاشت الدقائق، اقترب الزمان، أحسست بتثاقل أقدامي، صرت أسعى لاختصار المسافة التي أحالت بيننا، احتضرت القصيدة، تناثرت أبياتها المرتجاة مثل حبات سنبلة أحاط بها الوهن، أضحت المزهرية وحيدة تبحث عن خيبتها التي سرعان ما اقتطعتها أنفاسي.

**

 

عقيل العبود

........................

* لم نكن نتداول حديث العشق في تلك الأيام بسهولة كما هذه الأيام، لذلك كان الحياء يحول بيننا، دون أن نحقق ما نصبو إليه، ويبقى العاشق حاملًا معه هم مشاعره، حتى تأتي الفرصة المناسبة. آنذاك كانت أغاني فيروز مثل ترياق لأرواحنا، وهي تشدو لغة الصبح، والأمل، والحياة.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم