صحيفة المثقف

ضياء نافع: شئ عن الموسيقار خاتشاتوريان

ضياء نافعولد الموسيقار الارمني آرام خاتشاتوريان عام 1903 في الامبراطورية الروسية وتوفي عام 1978 في الاتحاد السوفيتي، وعندما وصلنا الى موسكو عام 1959 لم نكن نعرفه، ولم نكن قد سمعنا باسمه اصلا، ولكن بعد عدة شهور من دراستنا للغة الروسية وبداية تعايشنا مع المجتمع السوفيتي المحيط بنا (اكتشفنا!) هذا الموسيقار الشهير جدا في الاتحاد السوفيتي آنذاك، واصبحنا جميعا من المعجبين (بل والمندهشين!) جدا بفنّه الموسيقي، وعشقنا خصوصا مقطوعته الموسيقية الشهيرة بعنوان (رقصة السيوف)، وكنّا نتحدث عن انبهارنا بها، لأنها كانت تتناغم وتنسجم جدا مع روحيّتنا الشبابيّة المتأججة وحيويتها.

 لم نستطع طبعا ان نلتقي بخاتشوتوريان، او حتى الاقتراب من تلك الاوساط التي يختلط معها هذا الموسيقار الشهير، الا ان د. خليل عبد العزيز، الذي بدأ يعمل – بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الصحافة - بمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية، التقاه عدة مرات وتحدث معه، لأن طبيعة عمل د. خليل في المعهد المذكور(ومع رئيس المعهد الاكاديمي غفوروف بالذات) سمحت له اللقاء مع الوفود العربية التي كانت تزور موسكو برئاسة القادة العرب، ومنهم عبد الناصر والملك الاردني الحسين والملك المغربي محمد الخامس ...الخ، وهكذا التقى الموسيقار خاتشوتوريان اثناء زيارة الملك المغربي لموسكو وتحدّث معه، وعندما كنت ادردش مرة مع د. خليل (وما أكثر تلك الدردشات، والتي كتبت عنها عدة مقالات)، قلت له، انت تتحدث دائما حول السياسة والسياسيين، واريد ان اسمع منك حديثا بعيدا عن السياسة، فضحك د. خليل وقال، لأحدثك عن الموسيقار الارمني الكبير خاتشوتوريان، فعندما التقيته وعرف اني من العراق، قال لي مبتسما، عندكم (حرامي بغداد) جديد، ظهر في الموسيقى العربية المعاصرة اسمه محمد عبد الوهاب . اندهشت أنا من كلام خاتشوتوريان هذا، بل امتعضت في الواقع، وقلت لخليل رأسا، ألم تقل له، ان محمد عبد الوهاب هو موسيقار الاجيال العربية، واننا جميعا نستمع اليه طوال حياتنا بكل اعجاب وحب ولا نملّ ابدا من اغانيه الجميلة ذات الالحان الرائعة، فأجابني د. خليل، نعم قلت له ذلك، ولكن خاتشوتوريان أوضح لي، ان محمد عبد الوهاب موسيقار ذكي جدا، وانه يعرف كيف يتعامل مع الالحان الاجنبية ويستخدمها في موسيقاه، بل ان خاتشوتوريان قال لي، انه يمتلك مكتبة موسيقية كاملة تبين جذور تلك الظاهرة وتثبتها، فقلت أنا لخليل، أخشى ان هذا الكلام ينطلق من حسد او غيرة ليس الا من شخص ناجح مثل عبد الوهاب، فقال لي د. خليل، ان نجاح وشهرة خاتشوتوريان ليست أقل من نجاح وشهرة عبد الوهاب، بل هي واقعيا أكبر، وحدّثني، كيف دعاه الملك محمد الخامس لزيارة المغرب، وكيف ان الموسيقار الارمني قد اعتذر عن تلبيتها قائلا للملك، ان اجازته قد شارفت على الانتهاء، وبالتالي ليس لديه وقتا لتلبية تلك الدعوة، وان الرئيس السوفيتي عندئذ بودغورني كان يستمع الى دعوة الملك واعتذار الموسيقار، وقال لخاتشوتوريان ان يوافق على الدعوة، وانه لا توجد اي مشكلة بشأن تمديد اجازته، وقد زار خاتشوريان المغرب فعلا، واعتذر هناك عن تلبية الدعوة لتأليف موسيقى النشيد الوطني لهم .

بقيت كلمات خاتشوتوريان عن عبد الوهاب في ذاكرتي طويلا، اذ اني من المعجبين جدا باغاني هذا الفنان العربي الكبير، ولكن – مع هذا – بدأت بالبحث والاستفسار حول ذلك، اذ ان آراء موسيقار كبير بمستوى خاتشوتوريان لا يمكن ان تكون عبثية، وقد وجدت مرة اغنية يونانية لمطربة اسمها صوفيا فيمبو، والاغنية هذه نسخة طبق الاصل لاغنية عبد الوهاب (يا مسافر وحدك) المعروفة، وقد استمعت فعلا الى تلك الاغنية اليونانية مع مجموعة من الزملاء، وعلّق أحدهم قائلا – ربما هذه المغنية هي التي اقتبست اغنيتها من عبد الوهاب، وضحكنا جميعا، وقلنا، اننا لا نقدر ان نتناقش لا مع خاتشوتوريان، ولا مع هذه المغنية اليونانية، وقال شخص آخر بيننا، ان هذه الاحاديث ليست جديدة ابدا بالنسبة لمحمد عبد الوهاب، ويقال، انه يوجد حتى تقرير تفصيلي لليونسكو حول (13) اغنية من أغانيه مقتبسة (ولا اريد استخدام كلمة مسروقة !) من ألحان غربية معروفة، وأشار زميل رابع، الى انه سمع، ان هناك أغان مشهورة لعبد الوهاب مأخوذة من ألحان اجنبية مثل اغنيته المشهورة من كلمات بشارة الخوري - (جفنه علّم الغزل)، الا اننا اتفقنا جميعا، اننا لسنا من العارفين (بخفايا !) الموسيقى والموسيقيين والملحنين، ولكننا نحب عبد الوهاب ونحترم موهبته ونستمع الى اغانيه ونطرب لها، ونقدّر دوره الكبير في عالم الموسيقى العربية، وبدأ زميل بيننا (كان صامتا اثناء هذه الدردشة) يدندن باغنية وهو يقول، انها الاغنية التي يعشقها طوال حياته، رغم انه سمع ايضا، ان محمد عبد الوهاب (استعارها !) من الاخرين، والاغنية هي  –

أحب عيشة الحرية ....زي الطيور بين الاغصان

مادام حبايبي حواليه... كل البلاد عندي اوطان

***

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم