صحيفة المثقف

مينا راضي: استَمِع إلى صوتِك!

الحاسّة السادِسة، أو الحَدس، ذلك الشُعورُ غيرُ المُفَسَّرِ الذي يَعتَرينا فَجأةً. البَعضُ يُنكِرونَ وجودَ الحاسّةِ السادِسة ويُلقونَها في حاوياتِ التُرَّهاتِ والأكاذيب، والبَعضُ الآخَرُ لا يُدرِكُها أصلًا. قد تَفوتُنا تلك الأحاسيسُ بسببِ انهِماكِنا المُطلَقِ في أحاسيسٍ أخرى مُفتَعَلةٍ أو مُصطَنَعة، قد تَتَقَهقَرُ وَطأةُ ذلك الحَدسِ في ظِلِّ عَواصِفِ الأحداثِ وقَرعِ الأصواتِ الأخرى من حولِنا. هناكَ مُصطَلَحٌ في علمِ النَفسِ يُسَمّى بالصوتِ الداخِلي، وهو المَفهومُ العِلميُّ لحَدسِ الإنسان. صوتٌ يَستيقِظُ في أعماقِنا عندَما يُداهِمُنا الخَطَر، عندما نَدخلُ منَ البابِ الخَطأ، سواءٌ أكانَ بابَ عَلاقةٍ جديدةٍ أو وَظيفةٍ جَديدةٍ أو مَسكَنٍ جديد. عندَما نوشِكُ على اتِّخاذِ قَرارٍ جَديد يَظهَرُ لنا ذلك الحَدسُ ليَردَعَ اندِفاعَنا، ليَحُثَّنا على التَرَيُّثِ أو أحيانًا التَراجُع، فذلكَ الصوتُ الخافِتُ في نواةِ ذاتِنا هوَ نَفحةٌ منَ المُستَقبَل يُرسِلُها اللهُ إلينا. وقد تَعَدَّدَت وَسائِلُ التَعبيرِ لدى هذا الصوتِ الداخلي، فأحيانًا يأتينا على هيئةِ ألَمٍ طَفيفٍ في المَعِدةِ يسلِبُنا شُعورَ الارتياح، وأحيانًا أخرى يَمتَدُّ في القَشعَريرةِ التي تَغزو أجسادَنا، وقد يتَلَخَّصُ في ضيقٍ في الصَدر، كلُّ تلك أماراتٌ لا يَجِبُ أن نَغفَلَ عنها، فهي بمَثابةِ تَكَهُّنٍ مُبَكِّرٍ بما سيأتي. الحَقيقةُ المَريرةُ هي أنَّ الغالِبيّة اليومَ لا تُفلِحُ في الاستِماعِ إلى صوتِها الداخِلي، لا تستَطيعُ الإنصاتِ لهُ بإمعانٍ وسطَ الضَجيجِ الذي يَعُمُّ الحياة. قد يتَحَلَّقُ الأهلُ والأصدِقاءُ حولَنا والحَماسُ يأخُذُ منهم كل مأخَذ، قد يُحاوِلونَ بكلِّ ما أوتوا من القوةِ وسُبُلِ الإقناعِ أن يدفَعونا صوبَ اتِّخاذِ القَرار، قد يُبارِكُ الجَميعُ لنا على خِطبةٍ وَشيكةٍ أو زَواج، قد يُهَنِّئنوننا ويُبدونَ سَعادَتَهُم الغامِرةَ بشأنِ وَظيفَتِنا الجديدة، لكن من المُهِمِّ أن نعرِفَ أنَّنا فقط من سيَتَحَمَّلُ عَواقِبَ القَرار، الآخَرينَ سيَتَواجَدونَ لفَترةٍ زَمَنيّةٍ مُحَدَّدة، سيُرافِقنوَنا مُؤقَّتًا، ومن ثم سوفَ تُغلَقُ الأبواب وسنُترَكُ نحنُ مع نَتائِجِ خَياراتِنا. أصواتُ الآخَرينَ والغَوغاءُ المُنبَعِثةُ من آرائِهم ونَصائِحِهم تُعيقُنا عن الاستِماعِ إلى أصواتِنا الداخِلية، فلا أحَدَ سيَسمَعُ صوتَ البَحرِ وسطَ ضَجيجِ السَياراتِ والشاحِنات. أحيانًا يَجِبُ أن نُسكِتَ الأصواتَ الأخرى التي تَرِنُّ في عُقولِنا ليَعلو صوتُنا الداخِلي، هكذا نَتَجَنَّبُ القَرراتِ الخاطِئةَ والعَواقِبَ الوَخيمة.

هل سَبَقَ واتَّخّذتَ قَرارًا خاطِئًا بسببِ عدمِ الاستِماعِ لصوتِكَ الداخِلي؟ أخبِرني قِصَّتَك...

 

مينا راضي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم