صحيفة المثقف

الطيب النقر: جناية الأنظمة المتعاقبة على دارفور

الطيب النقرنعتقد ونظن أن غيرنا من مؤرخي الأحداث في دارفور يعتقد أيضاً أن الشيء الذي نستطيع تفسيره وتعليله هو مناهضة هذه الحركات لتلك القبضة المطلقة المستبدة، والتي أفضت لما أفضت إليه من حروب هوجاء لا تأصرها آصرة، فنظام الإنقاذ الذي استوقح حافره ينسب الكثير من المخاز إلى الحركات المسلحة دون أن يلتفت إلى عقول الناس وأحلامهم، فهو لا يزين أباطيله بشيء من مظاهر الصدق التي تبهر البعض وتجعلهم يخضعون لتأثيرها، فالعقل كما قال الفلاسفة هو الأداة التي تمكن الأنام من تصور الحقائق والحكم عليها من خلال الكيفية التي تشكلت بها مستعيناً بالحس والشعور، فالإنقاذ التي أخضعت كل شيء لتأثيرها وسلطانها، سعت أن تخمد تلك الحركات قبل أن تصل إلى أوج رفعتها بانتهاج سياسة الأرض المحروقة والتي تسببت في نكبات فادحة دون وجه حق، لقد مضت الإنقاذ خلف غرائز جافة خشنة، وأوهام المد العروبي تتهادى أمامها وتجعلها تمعن في ازدراء إنسان دارفور والتهوين به، والغض منه، ولم تقنع بأن تلاحظ المؤثرات التي باتت تستهجن في تقزز، وتستنكر في شدة، هي لا يهمها إلا أن يمضي السودان محافظاً لأصله الذي احتفظت به حكوماته المتوالية، التمكين للشمال في دولة اعتورتها العصبية، إذن فظائع القرى المنكوبة، والجثث المتفحمة، والطفولة البائسة، لا تدحض من يقين الدكتاتور البشير بهذه الفلسفة وحرصه على تنفيذها هو ورهطه، وهي الغاية التي لم تتحقق في الواقع إلى يومنا هذا.

كما نريد أن نثبت أيضاً أن هذه الحركات التي استمدت جذوة نضالها من الظلم الذي لحق بإنسانها أضحت أكثر بسطة وأوفر بذخاً، بالنظر إلى ماضيها الذي كانت عليه، وفي سيرتها الكثير ما يهين ويخدش، فهي لم تخرج أبداً من قبضة الذل والقهر، فالحقيقة التي نحسها أنها ظفرت بطائفة من الأسياد الذين لولا دعمهم لضاقت هذه الحركات بهذه الحرب ذرعاً، ولتقاعست عن النهوض بأعبائها، وقد يكون من الحق والصواب أن نقول أن هذه الحركات وجدت نفسها مضطرة لأن تسمع وتطيع لهؤلاء البهاليل السادة حتى تحقق أجندتها وتسيطر على دارفور كلها أو أكثرها، ولكن هناك شيء لا سبيل إلى الشك فيه، أن هذه الحركات تداعت مسلماتها، وأن عقائدها اختلفت إلى الفوضى أو إلى شيء يشبه الفوضى، فهي لم تسعى إلى وحدة الصف، وجمع الكلمة، ونصرة المظلوم، لم تجتهد هذه الحركات في أن تقرب ما بينهم من المسافات، وأن تنتقل من عبث الخلاف، وشره المناصب، وفساد الذمم، إلى مقدار من العز يختلف عن هذه الدنايا اختلافاً عظيماً، لم يكن قط هدف هذه الحركات أن تبرهن لمواطنيها أنها خالفت الإنقاذ مخالفة شديدة لأنها لا تبتغي المنفعة في أغلظ وجوهها وأحطها، فهي لم تتورط في كريهة متصلة مهلكة للنفوس والأموال من أجل منفعة مبتذلة، وذكر عريض.

من أقدم التنظيمات التي ناهضت من أجل إرساء دعائم الحرية في إقليم دارفور، تنظيم (سوني) ويعتبر” أول حركة تدعو صراحة لحمل السلاح على غرار أنانيا بجنوب السودان، وتأثرت هذه الحركة بأدبيات المستعمر والاشتراكية الأفريقية”. ولكن معظم قيادات حركة (سوني) التحقت في وقت لاحق ببعض الأحزاب السياسية خاصة الحزب الشيوعي بينما بقى جزء منها مستقلاً بأطروحاته حتى انقلاب مايو، وطرحت قضية الحكم في أضابير مجلس الشعب والاتحاد الاشتراكي، وتم وضع دستور في عام 1973م الذي أقرّ نظام الحكم الإقليمي في البلاد بعد تعديله عام 1982م وتوسع الحكم النيابي، وفي حقبة المواجهة بين مايو والأحزاب السياسية ممثلة في الجبهة الوطنية، حُلت الإدارة الأهلية بدعوى أنها آلية تُقيد الإرادة الشعبية، إلا أن الأسباب الحقيقية لهذا الحل تمثلت في أن تلك الإدارات ظلت تمثل الثقل الجماهيري للأحزاب الطائفية المعارضة خاصة حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي إذ ظل زعماء القبائل يحظون بالاحترام”.

وعندما تسلم الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق في عهد الديمقراطية عام 1986م ” ساد شعور وسط القبائل العربية المستوطنة والمهاجرة بدارفور بأن الحكومة المركزية السودانية صارت أقرب إليهم، زاد ذلك من نفورهم من الحكومة الإقليمية التي كان على رأسها أحد أبناء الإقليم من القبائل غير العربية ليتبنوا موقفاً عنصرياً أكثر تطرفاً، ولذلك سعوا نحو التأثير العروبي في عام 1987م إلى تحالف عربي عريض يشمل كل القبائل العربية بدارفور أطلقوا عليه اسم “التجمع العربي” ضم 27 قبيلة عربية رغم خلافاتها وحروبها فيما بينها أكثر مما كان غيرها من بين سكان الإقليم، وقد أصدروا بياناً عُرف ببيان التجمع العربي أعلنوا فيه أن نسبة العرب بين سكان دارفور تبلغ 40% ولذلك يجب أن ينالوا حقوقاً موازية في السلطة والثروة وطالبوا كذلك بتغيير اسم الإقليم(دارفور) لأنه حسب رأيهم ينطوي على مضامين عنصرية، علاوة على ذلك قامت حكومة الصادق المهدي إبان فترة الديمقراطية الثالثة، وفي محاولة لموقف تقدم قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة” جون قرنق” نحو دارفور بتسليح القبائل ذات الأصول العربية ليست في دارفور وحدها بل وفي إقليم ” كردفان” أيضاً، وقد جاءت هذه الخطوة بنتائج وخيمة أدت إلى تفجير معارك ضارية بين القبائل العربية الدارفورية وقبيلة ” الدينكا” الجنوبية. لقد فشل حزب الأمة إبان نفوذه السياسي وهو في سدة الحكم في السودان في إدارة أزمة دارفور حيث كان له “34 “نائباً برلمانياً في هذا الإقليم ورغم ذلك فشل عملياً في تقديم خدمات محسوسة”. ولعل الحقيقة التي قد لا يغالي فيها أحد أن الفشل في تلك الفترة قد اتخذ صبغة مدرسية تامة، فهي لم تكن حكراً على دارفور وحدها، بل على كل أقاليم السودان التي اشتد فيها الاضطراب، وعبثت بها الحروب من كل جهة، والثورات من جهة أخرى، والمطامح الشخصية من جهة ثالثة، ففي ذلك العهد لم يكن بعض الساسة وقواد الجيش يترددون في اقتراف الخيانة العظمى دون أن يهتز لهم جفن، وعلى هذا النحو بدأ التوازن الذي تقوم عليه المعادلة السياسية يختل، وأصبح المواطن المغلوب على أمره ينتظر نظاماً جديداً ينتشله من هذه الفوضى، لأجل ذلك هشّ الشعب لبزوغ نجم الإنقاذ ورحب بها، لأنها سوف تخلصه من حكومة مضطربة في داخلها، مختصمة فيما بينها.

ورغم كل هذا نجد أن الصادق المهدي يحمل تبعة أزمة دارفور لنظام الإنقاذ وحدها ويتحدث في جرأة يحسدها عليه كل أحد بأن منطقة دارفور كانت تعيش متجانسة وتنعم بالهدوء حتى قدمت حكومة الاتجاه الإسلامي فأشرفت بها على الهلاك، يقول إمام طائفة الأنصار ورئيس وزراء السودان السابق عن دارفور الكبرى:” كانت متجانسة وكانت تتمتع بالهدوء والسلام، وكان عندها مشاكل ولكنها مشاكل طبيعية لا تؤثر على سير الحياة الآمن فيها، ولم يوجد فيها أحد يقوم بعمل عسكري مسنود من الخارج، إلى أن قام هذا الانقلاب فأوجد كل هذه المتناقضات عندما حاول أن يلعب في التركيبة السكانية، فخلق المشاكل المستعصية بين السكان، فأثر عددا من المشاكل ومنها الإثنية المسيسة، والانتفاضة المسلمة ضد الدولة، والقضية الإنسانية بحيث يوجد أكثر من مليون شخص في معسكرات نازحين أو لاجئين خارج السودان، وأخيرا، وجود تدخل أجنبي بهذا الحجم الكبير، الحكومة الحالية هي المسؤولة عن كل هذه المشاكل” كلا ليست حكومة عمر البشير وحدها هي المسؤولة عن كل هذا الفساد والاضطراب، فالشيء الذي لا سبيل إلى الشك فيه أن حزبك والحكومة التي كانت تقف على أمرها تتحمل فداحة ما حدث ويحدث في دارفور ، فما كان يجهله السيد الصادق المهدي بما يدور في أقاليم السودان أكثر مما يعلمه، وما كان يدور في السودان يدل دلالة واضحة على أنه قد آن الأوان لأن تنتقل قيادة السلطة في أرض النيلين من طور إلى طور، وأن يذهب الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني بديمقراطيتهم وعبثهم إلى مكان بعيد، فما أكثر خصومهم والساخطين على نظامهم البائس الذي لم يعد له سلطان على النفوس، ولا تأثير له على القلوب، لقد عصفت بالسودان المصائب في ظل حكمهم المبارك، وتساقطت مدن الجنوب في ظل حركة العقيد جون قرنق مدينة تلو أخرى، وعاش شعبهم في كبد، ولم يحدث أبدا ًكل هذا في كيدهم وتربصهم ببعضهم البعض ضعف أو قصور. إن من محاسن نظام الإنقاذ إن كان له محاسن أنه أراحنا من عالم الطائفية وأعراضه وأدرانه.

وبعد حكم الإنقاذ واستحواذها على السلطة في البلاد، هناك من صلب الحركة الإسلامية وأحد صناديدها من شعر بأن جهود حركته التي ينتمي إليها لا تتوحد إلا ضد عدو مشترك وهو الهامش الذي يعيش في صعاب مستمرة متجددة، فحركة التقدم لا تتسع وتتمدد إلى أقصى حدودها إلا في نطاق ضيق لا يتعدى العاصمة المثلثة وتخومها، لقد انشق داؤود يحيي بولاد إذن عن الحركة الإسلامية التي كان مقرباً جداً من عرابها الدكتور الترابي، و”التحق بجيش تحرير شعب السودان، محاولاً قيادة تمرد في دارفور عام 1991- 1992م، استخدمت الحكومة المليشيات العربية لإخماد ثورته، ثم قامت الحكومة بعدة محاولات لمعالجة شكاوي القبائل العربية التي ليس لها أرض في دارفور، وشكاوي المهاجرين من دولة تشاد بإعطائهم أرضاً كانت المجموعة المستقرة تعتبرها إرثاً تقليديا لها”. فقامت مجموعة من المسلحين بحمل السلاح في وجه الدولة بحركة (جبل مرة كرنوي) وهذه الحركة التي بدأت عرقية سرعان ما نقلت الحدث إلى صراع مسلح بين المركز والإقليم”. الصراع القبلي في الإقليم-كما تطرقنا إلى ذلك من قبل- دفع قبائل الإقليم للتنافس في التسليح وتكوين مليشيات وتدريبها بغرض حماية الأراضي الزراعية من التلف وحفظ الأموال من السلب والنهب، وكانت تطلق على المجموعات المسلحة التابعة للفور مليشيات، وعلى المجموعات التابعة للقبائل العربية بــــــــ”الجنجويد” لاستخدامهم الخيل في الغارات والسلب، وكان الإقليم يعمه الفوضى وعدم الاستقرار وغياب هيبة الدولة، وكثرت جرائم النهب المسلح وغيرها، ولذا تحولت مليشيات القبائل العربية من حماية الديار والزراعة إلى حركات تمرد”.

وحركة أخرى حرّمَ قائدها على نفسه أن يتفق مع أحد، فهو يؤثر نفسه بهذه الصفة المقيتة التي اشتهر بها، فهو يخالف الغير أشد الخلاف، ويجد في مخالفاته تلك متعة لا تضاهيها متعة، فهو لا يكد ذهنه في شيء، ولا يجري على أمر ما تفكيره، ولكن إذا اجتهد أحدهم وأذاع عليه اجتهاده في جزل، فلن تمنعه وجاهة هذا الاجتهاد وحصافته من الإسراع إلى إنكاره والاستخفاف به، وقد سلطه الله على الحركات المسلحة التي تقاتل معه حكومة المؤتمر الوطني، ووفود المفاوضات التي كانت تستمع إلي أحاديثه المتهافتة، ومنطقه السقيم، في مدينة أبوجا بنيجيريا والدوحة بدولة قطر وخلافها، كما سلطه الله أيضاً على الدكتور عبد الله حمدوك الذي أدى اليمين الدستورية يوم 21/ أغسطس 2019م ،كرئيس وزراء للفترة الانتقالية بعد إزاحة البشير، والذي التقى به في فرنسا مقر إقامة هذا القائد المظفر، من أجل توحيد الكلمة والعبور بالسودان من هذا المنعطف الخطير الذي يمر به، واستكمالاً للثورة، وبناء الدولة السودانية على منهج يتوخى العدل والمساواة وينبذ الحرب والجهوية، كان الدكتور عبد الله حمدوك رقيقاً كأشد ما تكون الرقة مع المحامي عبد الواحد محمد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان بينما كان الأخير متجهماً عابس الوجه، وبعد اللقاء وبحسب بيان لحركة عبد الواحد محمد نور:” أكدت الحركة تمسكها بالتغيير الشامل والسلطة المدنية الكاملة وتصفية نظام المؤتمر الوطني وكافة مؤسساته ومحاكمة رموزه، وكما جددت الحركة عدم اعترافها بالإعلان الدستوري والاتفاق الثنائي بين “قحت والمجلس العسكري” ولا بالحكومة التي أنشئت علي أساسه”. كما نوه بيان الحركة أن الأستاذ عبد الواحد محمد نور التقى بالدكتور عبد الله حمدوك بصفته الشخصية وليس لاعتبار آخر، فالحركة لا تعترف كما أسلفنا بالاتفاق الثنائي الذي تمّ بين قوى الحرية والتغيير التي نجحت في إسقاط الطاغية البشير والتي تعرف اختصاراً “بقحت” وبين المجلس العسكري والذي بموجبه أصبح الدكتور عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء، وقد ذكر الأستاذ محمد عبد الرحمن الناطق الرسمي باسم حركة عبد الواحد محمد نور في لقاء مع صحيفة الانتباهة السودانية أنهم قد شرحوا عدم اعترافهم به كرئيس للوزراء لرفضهم للإعلان الدستوري جملة وتفصيلا وللاتفاق الذي تمّ بين “قحت” والمجلس العسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وذكر الناطق الرسمي بأنهم شرحوا للدكتور حمدوك موقفهم قبل وبعد لقائهم به” حتماً أن السيد عبد الله حمدوك قد التقى بعبد الواحد محمد نور وهو يتوقع أن يكون أشد الناس مودة وألفة وتصافيا، وأنه سوف يفكر ويقدر ويطيل معه التفكير والتقدير، ولكن الرجل لا يحسن شيئاً من كل هذا، كما أنه لا يذعن إلاّ للعجز الذي يتحلى به، ولا يتقن أن يؤثر الحيدة، بل يستأنف الخلاف ويمعن فيه، ويقف في كل الأمور موقف التحفظ الشديد.

ولكن ما هي حركة جيش تحرير السودان؟ ومتى أنشئت؟ وما هي الدوافع لقيامها؟ في بداية العام 2002م” تصاعدت مظاهر الصراع بين الفور والمحاميد في منطقة جبل مرة، وظهرت حالات نهب متبادلة بين الطرفين، وتطورت إلى تعد على القرى ومسارات الرعي، مما مهد لتكوين مليشيات مسلحة، أما الاستقطاب فقد بدأ تحت دعاوي المدافعة والحماية، وانتظمت المجموعات المسلحة من الفور في مجموعات، وظهرت هنا فكرة المعسكرات وتدريب أفرادها عسكرياً لتقوية فرسانها، بالمقابل سعت القبائل الرعوية في منطقة جبل مرة لتأمين نفسها وثرواتها بالتسلح، وفي منتصف نفس العام 2002م تصاعدت حدة المواجهات بين الفور وثلاثة من القبائل الرعوية العربية بمنطقة جبل مرة، مما أدى إلى حرق القرى ونهب المواشي وقتل الزعمات والقيادات، والتصدي للقوات النظامية التي تسعى لاحتواء الموقف وتدعيم الأمن والاستقرار، تصاعدت الصراعات وبدأ التمرد يلوح في الأفق عندما رفض أبناء الزغاوة مقررات صلح مع فرع أولاد زيد بسبب التلاعب في أموال الديات، ونتيجة لذلك اختطفت مجموعة أفراد من قبيلة الزغاوة عمدة القبيلة ولجأت به إلى جبل مرة بعد نهب العربات والأموال والأسلحة، ومن هنا أعلنت انضمامها لمليشيات الفور” تمرد دار قلا”. والتي نادت بالفصل التام بين الدين والدولة وبحق تقرير المصير لدارفور”. فأسفرت عن وجهها السياسي وتشكلت حركة تحرير السودان من قبائل الزغاوة والفور والمساليت والبرتي ومن بعض القبائل الأفريقية الأقل حجماً، وتزعم هذه الحركة المحامي عبد الواحد محمد نور من قبائل الفور، وأصبح مني أركو مناوي- المعلم في مدارس الأساس والمنتمي لحزب الأمة-أمينها العام وهو من قبيلة الزغاوة، وانحصرت مطالبها في البداية في وقف المليشيات العربية المسلحة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والمشاركة في السلطة، وعندما رفضت الحكومة التفاوض تحولت إلى حركة عسكرية واسعة”. إذن هذه هي ملابسات قيام حركة جيش تحرير السودان التي يتزعمها المحامي اليساري عبد الواحد محمد الذي ينتمي لتيار” الجبهة الديمقراطية” حينما كان طالباً في جامعة الخرطوم، والجبهة الديمقراطية هي عبارة عن تحالف استراتيجي ما بين الطلاب الديمقراطيين والشيوعيين يهتم بواقع الحركة الديمقراطية ومتغيراته، كما يهتم بقضايا المرأة السودانية والأقليات في السودان”. لقد أصاخ عبد الواحد محمد نور بسمعه لليسار واستهوته فلسفته، وسمح لمن يتعصب له ويؤثره بأن ينصحوا له ويشيروا عليه، وفي الحق أنه على النقيض من والده محمد أحمد النور عبد اللطيف رحمه الله الذي كان يقف شامخاً معتلياً منبر مسجد جماعة أنصار السنة المحمدية بمدينة زالنجي”.

وقبل أن نطوي ملف حركة جيش تحرير السودان وقائدها المولع بمخالفة الآراء، وفض الجموع كلما ائتلفت، يجب علينا أن نتحدث عن نائبه وقائده الميداني سليمان أركو مناوي الشهير ب” مني” والذي ضاق بعبد الواحد ذرعاً، وانضم إلى حكومة الخرطوم وشغل كبير مساعدي الرئيس السوداني عمر البشير رابع أكبر منصب في الرئاسة تقنيا بحسب الدستور ورئيس سلطة دارفور الإقليمية الانتقالية اشتهر كقائد ميداني وكانت له علاقات وثيقة بالنظام الإرتيري وله مساعي في قضية دارفور، أعلن عن اختفائه لفترة في 24 يونيو 2008 في دارفور ثم عاد إلى الحكومة المركزي”. ولكن حكومة المؤتمر الوطني استحالة أن تترك عنها جاهليتها الجهلاء، وضلالتها العمياء، فعمدت إلى نظام مقرر مكتوب تشغل به وقت مساعد رئيس الجمهورية ورئيس السلطة الإقليمية لدارفور، نظاماً يدفعه لأن يكون ثائرا ًكما كان، ونازعاً يده من كل طاعة، فقد أطاق مني أركو مناوي ما أطاق بولاد وخليل إبراهيم في صفوف المؤتمر الوطني وأشد مما أطاق الراحلان، فمني أركو مناوي الذي قاتل وناضل من أجل التهميش والإقصاء لم ينجو منه وهو جالس خلف مكتبه في القصر الجمهوري، لم يزاول مني أركو مناوي واجبه بصورة فعلية، ولم تسعى أن تنفذ الحكومة ما جاء في اتفاقية أبوجا والتي تنص خلاف تعيين مني مناوي كمساعد لرئيس الجمهورية ورئيساً للسلطة الإقليمية لدارفور هو إجراء استفتاء شعبي في موعد أقصاه يوليو/ تموز 2010 لتحديد ما إذا كانت دارفور ستصبح منطقة اتحادية مع إدارة منفردة، وهو ما لم يتحقق، فعاد مني أركو مناوي غاضباً إلى دارفور ومنها إلى مدينة جوبا في جنوب السودان، “بيد أن مراقبين يرون أن الخرطوم التي استدرجت مناوي لاتفاقية أبوجا، اكتفت بزخم الاتفاقية التي شهدتها أطراف دولية، وبالاختراق الذي أحدثته في حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، وكان مناوي قد انشق بجيشه عن الحركة الأم، ووقع اتفاقية أبوجا . وبالنظر إلى كاريزما الرجلين نور ومناوي، فإن الحكومة اختارت مناوي لأسباب تدخل في باب الخبرة السياسية والأيديولوجية، وحاربت نور، لكنها لم تدفع بما يرضي مناوي للبقاء داخل عباءتها، ويشار إلى أنه من بين ثلاث جماعات متمردة في دارفور شاركت في محادثات السلام في العاصمة النيجيرية أبوجا عام 2006 كانت حركة تحرير السودان الفصيل الوحيد الذي وقع اتفاق أبوجا مع الخرطوم”. إذاً الغاية التي

كانت تنشدها حكومة المؤتمر الوطني هي الفرقعة الإعلامية وإضعاف حركة تحرير السودان وتحويلها لطوائف متناحرة تكيد لبعضها البعض.

 

د. الطيب عبد الرازق النقر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم