صحيفة المثقف

علجية عيش: الأحزاب العتيقة تعيش مرحلة تشبه الاحتضار

علجية عيشتمر الأحزاب العتيقة في الجزائر بمرحلة تشبه الإحتضار بعد الخسارة التي لحقتها بها في الإنتخابات المحلية التي جرت في 27 نوفمبر 2021، في ظل مطالب بالتغيير الجذري والإبتعاد عن التسيير الفردي والقرارات الإرتجالية التي تتخذها السلطة وهذا من أجل تحقيق الديمقراطية التشاركية، وللحفاظ على مكانتها السياسية في الساحة تعوّل بعض الأحزاب على التحالفات خاصة تلك التي تحصلت على تعادل أو تقارب في الأصوات

عاش حزب جبهة القوى الإشتراكية لحظات تشبه "الإحتضار" بعدما فشل في كسب الرهان في الإنتخابات المحلية خاصة بعاصمة الشرق الجزائري (سيرتا) بحيث حصل على "صفر" مقعد في انتخابات المجلس الشعبي الولائي بعدما عزف عن الترشح في المجالس البلدية، فقد اثار قرار الأفافاس مشاركته في الإنتخابات المحلية من جديد استغراب الكثير من المتتبعين للشأن السياسي، على اعتبار أن الأفافاس أكثر الأحزاب تمسكا بمواقفه وهو الذي كان في عهد زعيمه الراحل حسين آيت أحمد أحد القادة التاريخيين لثورة الجزائرية صامدا أمام مناورات السلطة، وهو أقدم الأحزاب معارضة لها، وقال ملاحظون أن الأفافاس لم يعد ذلك الحزب ذو السمعة الجيده في عهد زعيمه المجاهد حسين آيت أحمد ومواقفه الجريئة باعتباره أكبر حزب سياسي معارض في الجزائر قبل وبعد الإستقلال.

 فقد كان الأفافاس FFS ايام الثورة ينشط في السرية حتى بعد الإسنقلال بسنة واجدة أعلن فيها خروجه من السرية و‘لان عن حسبه رسميا، واختار المعارضة بسبب الإنحرافات التي ةقعت في تلك الفترة، الأفافاس بعد رحيل زعيمه حسحمد الذي تبنى إيديولوجية يرى البعض وهم خصومه بالدرجة الأولى، أنها لا تتلاءم مع وضع البلاد وكان محاصرا من كل الجوانب بالرغم من أن بعض الأحزاب اختارت المعارضة، لا لشيئ إلا لأنه يمثل التيار الأمازيغي في البلاد على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وأحزاب أخرى تمثل الشيوعية في الجزائر وأخرى علمانية كحزب العمال فضلا عن التيار الإسلامي الذي عاش هو الآخر حصارا مشددا وحرب أهلية لستعمل السلاح والدبابة.

و الحديث عن حزب جبهة القوى الإشتراكية يعني الحديث عن تاريخ الجزائر الثوري والمراحل التي مرت بها الحركة الوطنية من أجل استقلال الجزائر بغض النظر عن الأخطاء والإنحرافات التي وقعت في تلك الفترة، فقد قادت جبهة القوى الإشتراكية خطوات جبارة كحزب معارض في الجزائر من أجل تجسيد مبادئها والدفاع عن إيديولوجيتها، ويعود الإعلان عن جبهة القوى الإشتراكية كحزب سياسي معارض في سبتمبر 1963، اي سنة واحدة بعد الإستقلال، حين عارض المجاهد حسين آيت أحمد سياسة أحمد بن بلة الشعبوية وحفاظ حكومته على البنية البيروقراطية الموروثة عن السلطة الإستعمارية، ومواجهة مجموعة لاكوست، في وقت كان المجلس الوطني التاسيسي يتجه نحو التعددية السياسية وفصل السلطات، وكان حسين آيت أحمد من بين المطالبين بهذا المجلس، فدخول حسين آيت أحمد المعارضة كان بهدف وضع حد للفوضى والقرارات الإرتجالية وإرساء قواعد الديمقراطية.

  هي نفس المطالب التي تبناها محمد بوضياف، ومحمد خيضر وفرحات عباس وغيرهم، ودون الدخول في التفاصيل حول مسيرة الأفافاس النضالية، خاصة ما تعلق بموقفه من قضية الإعتراف باللغة الأمازيغية التي لقيت معارضة قوية من طرف العديد من الشخصيات الوطنية على غرار أحمد محساس على اعتبار أن الظرف في تلك الفترة لم يكن مناسب لطرح المسألة البربرية، بعد فرار الزعيم حسين آيت أحمد إلى الخارج واصلت الجبهة نشاطها إلى غاية عودته إلى الجزائر في سنة 1990، حيث ظلت على مواقفها خاصة في أول انتخابات تشريعية تعددية في البلاد عام 1991 حيث كان الأفافاس بقيادة زعيمه حسين آيت أحمد أول حزب سياسي يعارض توقيف المسار الإنتخابي لأنه كان يؤمن بالإرادة الشعبية وحرية المواطن في اختيار من يمثله، إلا أن التيار الإستئصالي كان له بالمرصاد وانتهى الأمر بتوقيف المسار الإنتقالي، واعتبره الأفافاس انقلابا على الإرادة الشعهبية، فكان الحل هو لقاء روما من أجل التباحث لإيجاد حل سلمي للأزمة الجزائرية وتكريس المصالحة الوطنية، والخروج النهائي للجيش من الحياة السياسية.

ولما جاءت انتخابات ماي 2002 التشريعية أعلن الأفافاس عن "المقاطعة"، حسب التقارير فإن دعوة حسين آيت أحمد إلى المقاطعة لقيت صدى واسعا وسط الجماهير، إذ وصلت نسبة مقاطعة الإنتخابات التشريعية إلى 52 بالمائة وهذا بسبب إحساسهم بالظلم وغياب العدالة الإجتماعية، حسب المتتبعين للشأن السياسي، الخطأ التي وقعت فيه الأفافاس هو دخولها الإنتخبات المحلية في 10 أكتوبر 2002، لكن الواقع يعكس ما ذهبت إليه بعض للتحليلات، لأن الأفافاس الذي لم يتفق يوما مع الأفلان، وجد نفسه مجبرا على دخول المعترك بعد لقائه برئيس الجمهورية في لوزان بسويسرا وما تم بينهما من اتفاقات، وبالرغم من ذلك وجد نفسه محاصرا بعدما برزت حركة العروش التي تمثل المجتمع المدني وكانت ترى أنها ليست بديلا للأحزاب السياسية خاصة في منطقة القبائل.

الملاحظ أنه بعد رحيل زعيمها حسين آيت أحمد الذي وصفوه برجل المواقف والمبادئ، انحرفت الأفافاس عن الخط الذي رسمه لها مؤسسها الأول، واحتلها "دخلاء" لا يؤمنون بإيديولوجيتها التي قاومت من أجلها طوال سنوات ووجد بعض رجالها نفسهم على الهامش كالعسكري، لأن المسؤولية أوكلت لغير أبناء الأفافاس الحقيقيين الذين يؤمنون بإيديولوجية الحزب، أو بتعبير آخر أوكلت لخلاء على الأفافاس وصفهم البعض بالمراهقين السياسيين بدليل ما وقع في محليات 27 نوفمبر 2021 بعاصمة الشرق الجزائري عندما دخلت جبهة القوى الإشتراكية بقائمة مشتركة بينها وبين مناضلين منشقين عن حزب تجمع أمل الجزائر "تاج"، وآخرون كانوا في أحزاب أخرى كالأفلان، ربما لأنهم يجهلون مسار الجبهة النضالي ولا يملكون إيديولوجية معينة، مترشحون لهم "مطامع لا مطامح"، هدفهم الوحيد هو الحصول على مناصب داخل المجالس المحلية، حيث اتخذوها كتأشيرة عبور نحو البرلمان.

الشيئ نفسه ينطبق على حزب جبهة التحرير الوطني المعروف عنه بأنه حزب السلطة، ويمثل قاعدة الحخكم في الجزائر، فقد سجل خسارة كبيرة في محليات 27 نوفمبر 2021 سواء داخل البلديات أو المجلس الشعبي الولائي، وبالتالي وكما يقول ملاحظون بدأ الأفلان يفقد مصدافيته، وهذا الفقدان ليس بالجديد، فقد فقد حزب جبهة التحرير الوطني كما تقول العديد من الكتابات مصداقيته في ظل حكم الشاذلي بن جديد عندما انتفض الشعب الجزائري في أحداث 05 أكتوبر 1988، لكنه تمكن من الصمود في اول انتخابات تشريعية في 1991 التي أعادت له الإعتبار بحصوله على 16 مقعدا مقابل 188 صوتا تحصلت عليها جبهة الإنقاذ، وأعيد ترتيب البيت الأفلان بقيادة المرحوم المجاهد عبد الحميد مهري الذي سار على نهج الأفافاس من خلال معارضته توقيف المسار الإنتخابي واتهم قيادة الجيش بالإنقلاب على إرادة الشعب، شارك الأفلان بقيادة مهري لقاء روما الذي دعت إليه جمعية "سانت إيجيديو الكاتوليكية" في الفترة بين 21-22 نوفمبر 1994، السلطة اعتبرت لقاء ألأفلان في جاماع روما تمردا عليها ولابد من معاقبة أمينه العام فكانت المؤامرة الكبرى وهي الإطاحة بعبد الحميد مهري، بعدما اتهم بالخيانة ومورست ضده ضغوطات كبيرة وضيقوا عليه من كل الجوانب.

ودون الحديث عن الصراعات داخل الأفلان منذ الإطاحة بعبد الحميد مهري إلى غاية مجيئ ابو الفضل بعجي، فالأفلان اليوم وبعد الخسارة التي لحقت به في محليات 2021 هو الآن يعتمد على "التحالفات" مع التكتل الحر الذي احتل المراكز الأولى وتمثله وجوه أفلانية، تشير مصادر ان رئاسة بلدية قسنطينة ستؤول إلى مترشح محسوب على الأفلان وهو رئيس جمعية حيث ترشح هذا الأخير في التكتل الحر، بسبب صراعات داخل هياكل الحزب وبهذا بمكن القول أن الأفلان يعوّل على مناضليه الذين ترشحوا في القوائم الحرة واحتلوا المراكز الأولى في هذه الإنتخابات، بعدها يوقعون عقد المصالحة وتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية وكأن شيئا لم يحدث، هذه هي سياسية حزب جبهة التحرير الوطني وكباقي الأحزاب السياسية الأخرى التي تمارس سياسة المناورات، وكما يقال السياسة حرب والحرب حيلة أو خدعة والقانون لا يحمي المغفلين.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم