صحيفة المثقف

عقيل العبود: طقوس جنازة منفردة

عقيل العبودجَلَسَ قريباً إلى نافذة أفكاره المطلة على ضريح الإمام موسى بن جعفر الكاظم. وراحَ يستعرضُ سجايا معتقل ثائر، وإمام صابر، وعالم استطاع أن يمد جسور الصلة مع ربه، متحديًا سجون الطواغيت، وتلك حكاية يبثها الكثير على منابرهم تحت طائلة المنافع. ولما وجد نفسه بعيدًا عنهم استنكارا، صار يحاكي تفاصيل تجربته السابقة، قرر أن يعقد بروتوكولًا مع حدود نفسه، محاورًا بعض الأسئلة.

أسترسل مع أفكاره متمردًا، وقف أمام خطوط تتقاطع تمامًا مع حياتهم الباذخة، أدرك أن الدين معادلة تم استخدامها بفعل فاعل، لتمضي هكذا لحساب المترفين، والمنتفعين، وأن المناصرين ثلة اعتنقوا الفقر، والصبر، والاستقامة تلبية لحقيقة غائبة.

أجال بنظراته صوب المنارتين، والقباب الأربع، أقبلت فراخ الحمامات صوب أمهاتها، تردد صوتًا يحمل بين جوانحه نحيب جنازة أُقيمَ لها العزاء عند منتصف الليل في صحن الحضرة، بكت الدموع، مودعةً آخر لحظة من لحظات الموت.

اختطلت أصوات الزائرين مع سورة ياسين، أضحى التابوت أكثر صمتًا، استسلم الظلام إلى السكون، غدت نفسه تعانق بعض الطقوس، صار بعيدًا عن عالمه المسكون بمظاهر الزيف، والتدليس، تنافرت في عقله أسرار جديدة.. استعاد لغة حضوره وفقًا لعالمه البعيد، أتيح له أن بتجاوز آفاق وقاره عند منعطفات دروب غير سالكة.

أقيمت محكمة جهنم لتطهير الأرض من آفات الحروب، والكراهية، والخوف.. وأمست المنارات تستقطب الكون بحلة جديدة، استعاد المقدس معناه، واسترجعت القباب حقيقتها الأزلية.. ثم اتسعت السماء لتعانق الدنيا، أحس بنشوة أحاطت به لتحرره من أدران الأرض، وعدوان جبروتها المستبد، وبذلك أتيح له أن يستمع إلى صوت الحقيقة الغائبة بين دَهاليزِ الجبابرة طوال مدة من الزمان انقضت.

***

عقيل العبود

....................

* صورة لتمرد أحد المعنيين بالمنبر الحسيني، بعد أن أثبت حقيقة التناقض، والاختلاف بين المبادئ التي أراد لها أحرار الدين أن تسمو، وبين القوانين التي فرضها الطغاة، لكي تستبد على حساب الحقيقة.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم