صحيفة المثقف

منى زيتون: استخدام التبصير في المكائد!

منى زيتونمن قديم الزمان ولتخوف البشر مما هو قادم وغائب عنهم سعوا في محاولة فك رموز أشياء مختلفة لأجل استخدام تلك الرموز ذات الأشكال المتنوعة والمتعددة في استشراف الغيب والتبصر بالمستقبل؛ فيما عُرف باسم التبصير.

ومن طرق التبصير الشائعة لدينا في البلاد العربية قراءة رموز بقايا فنجان القهوة، وهي تحوير لطريقة صينية قديمة في التبصير، لا زالت تُستخدم في الصين وتُستخدم أيضًا في الدول الأوروبية؛ وهي قراءة الرموز التي ترسمها بقايا تفل الشاي الأخضر. وهذه الطريقة قائمة على الاعتقاد بأن ريقنا مكتوب عليه قدرنا وحوادث حياتنا القريبة؛ ومن ثم فمن يستخدمونها مؤمنون بأن رموزًا ‏ما يكتبها هذا الريق وهناك من يستطيع أن يقرأها.

وهناك من العرافات من تقرأن الأشكال التي يكونها الودع والأصداف البحرية، فتقذفنها على الأرض وتدعين دلالات لطريقة توزيعها، وهناك من يقرأون خط الرمل أو خط الملح، أو يكتبون رموزًا على بيضة ويدورنها بطريقة معينة ويقرأون من الزوايا التي تظهر! وغيرها من الطرق التي تستخدم لاستكشاف المستقبل القريب. بينما قراءة خطوط كف اليد هي طريقة تقوم على الاعتقاد بأن تاريخ أهم حوادث حياة الإنسان ككل مكتوب على كفي يديه، فيعطي القارئون بهذه الطريقة تنبؤات عامة عن حياة الإنسان.

وهناك من تقرأن رموز أوراق التاروت، وهي بطاقات مرسومة تتكون من 78 بطاقة والمكونة من جزئين؛ الجزء الأول منها هي الأوراق العظمى أو بطاقات السر الكبير، وعددها 22 بطاقة، وتتحدث عن مراحل حياة الإنسان الكبرى، وتبدأ بورقة الأحمق the fool الذي يبدأ رحلته في الحياة منفتحًا عليها آملًا فيها الخير دون تخوف مهما كانت المخاطر التي لا يشعر بها! وتُعطى الرقم (0)، وتنتهي بورقة العالم والتي تأخذ الرقم (21)، وتمثل اكتمال الرحلة، ويعتقد قراء التاروت أن أوراق السر الكبير تُعبر عن توصيف عام للمرحلة التي يمر الإنسان بها في حياته.

أما القسم الثاني من هذه البطاقات فهي بطاقات السر الأصغر، وعددها 56 بطاقة، وتتشكل من تفاعل العناصر والطباع الأربعة (النار، والتراب، والهواء، والماء) مع الأرقام العشرة، إضافة لطاقات الجنود والفرسان والملكات والملوك، وتعبر عن حوادث الحياة اليومية، وكما سبق وأوضحت في مقالات سابقة عن فلسفة الطباع الأربعة فإن النار تمثل الروح، فهي تتعلق بالجانب الروحي، ورمزها العصا، والتراب يمثل المادة، ويتعلق بالجانب المالي والصحي، ورمزه الدرهم، والسيف يمثل الهواء، ويتعلق بالجانب الفكري، ورمزه السيف، والماء يمثل العاطفة، فهو يتعلق بالجانب الانفعالي، ورمزه الكأس.

وعن نفسي فأنا أؤمن بعلم الفلك على أساس علمي، وبالمناسبة فهو ليس حظك اليوم وما على شاكلته، بل هو ‏علم كبير للغاية، استدل به العرب في الجاهلية على تغيرات المناخ، وكان للعرب في العصر العباسي إسهام كبير في تطوره وكانوا يعرفونه بعلم الهيئة، ووفقًا لنسبية أينشتين فالكون هو نسيج مترابط، ويقول قانون الجذب العام لنيوتن إن التجاذب والتأثير عام في ‏الكون، وهو بين أي جسمين ماديين يتناسب طرديًا مع كتلتيهما، وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما، ووفقًا لنسبية أينشتاين أيضًا فكل ما في الكون مادة أو طاقة، وكل الأجسام تنبعث منها طاقات، وهو ما شكل أساسًا لاكتشاف الطاقة النووية المختزنة في أنوية ذرات عناصر المواد المختلفة، ‏والأمر بحاجة لشرح يطول.

وأنا لم أقصد بفتح باب الحديث في هذا الموضوع أن أحاكم أحدًا؛ فكل إنسان حر فيما يعتقد، وإن كان غيره يعتقده حرامًا، والمهم ‏أن لا يؤذي أحدًا بأفعاله‎.‎ وإنما دافعي لفتح هذا الباب شيء آخر.

منذ سنوات وفي حوار مع بعض الصديقات من أهل الشام تطرق الحديث إلى انتشار التبصير بين علية القوم في بلادهن، إلى درجة أنه صار يستخدم كوسيلة أساسية في كيد النساء وفي تنفيس الأحقاد ومحاولة تغيير فكر ومسار البشر.

فإن كانت امرأة لا تريد لابنها أن يتزوج فتاة معينة، فما عليها إلا أن تعطي البصَّارة -سواء كانت قارئة الفنجان أو التاروت أو غيرهما- مالًا، وتطلب منها أن تخبره أن هذه الفتاة سيئة أو حتى أنها جيدة ولكن لا تناسبه ولن يتوافقا، أو غيرها من الأسباب.

وإن كانت زوجة أخ تريد أن توقع بين أخيها وزوجته تطلب من البصَّارة أن تخبره بكيت وكيت.

ويستخدم هذا التلاعب أيضًا في الترغيب؛ فربما أرادت فتاة أن تراها أم الشاب الذي تحبه فتاة مثالية، فتعطي البصَّارة مالًا لتقول لها ذلك.

ووصل الأمر حد الشئون السياسية، ويُحكى في لبنان أن أحدهم نزع فكرة تكوين حزب سياسي من رأسه بعد أن أعطي خصومه السياسيين مالًا للبصَّارة التي تقرأ له.

ومن خلال عملي في مجال الاستشارات الاجتماعية، فقد بدأت أشك بقوة في الآونة الأخيرة أن هذه العدوى قد وصلتنا في مصر بسبب قدوم نساء تعملن بالتبصير من سوريا تحديدًا بعد النكبة السورية؛ فمن خلال العديد من الحالات الاجتماعية أكاد أجزم بأن ألاعيب البصارات والحموات كانت سببًا في توقف الحال فلم يتم موضوع زواج أو عودة مطلقين، رغم رغبة كلا الطرفين في الآخر.

والخلاصة أن هناك من يؤذون الناس بأشكال مختلفة كالمكائد والوقيعة والسحر، وغيرها. وهؤلاء لا يمكن مساواتهم بالفئة الأولى ممن تحدثت عنهم في بداية المقال؛ ففرق كبير بين أن تطلب امرأة أو رجل من إحدى القارئات أن تقرأ الفنجان أو الودع أو التاروت أو غيره، وبين أن تطلب منها امرأة أن تخبر فلانة أو فلانًا بأن كذا كذا وكيت وكيت وكيت؛ لأجل الوقيعة أو حتى تحصيل المنفعة، والأدهى والأمر من هذا التلاعب هو السحر، وهو كفر بقدر الله ومحاولة تغييره، وقد سبق وتطرقت إليه في مقال آخر.

 

د. منى زيتون

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم