صحيفة المثقف

أيمن عيسى: نظرية الاقتراض اللغوى بين العربية والهندية

ايمن عيسىاللغة كائن حى ينمو ويحيا، ومن أهم وسائل نماء أى لغة تجرى على الألسن، نجد الاقتراض اللغوى، وهو ظاهرة صحية حيث تلجأ اللغة  إلى تزويد مفرداتها باستخدام بعض ألفاظ ومفردات من لغة أخرى بعد أن تخضعها لمجريات قواعدها اللسانية. ولا يمكن أن نجد لغة على الأرض إلا وقد أفادت من الاقتراض اللغوى، تأخذ من غيرها وتعطى أيضا، ولكن الذى لا يمكن أن نجده أن تكون لغة فى وضع الأخذ فقط، أو العطاء فقط، بل لابد من الأخذ والعطاء، التأثير والتأثر.

مفهوم الاقتراض اللغوى

مما سبق، يمكننا أن نعرف الاقتراض اللغوى بأنه: تداول ألفاظ بين لغة وأخرى بعد أن تجرى عليها قواعدها اللسانية. وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين، الأول: أن الأخذ ليس عيبا أو افتقارا لغويا، بل هو سُنة وضرورة لسانية بدونها تتوقف حياة اللغة بتوقف نموها. أما الأمر الآخر: فهو أنه لابد فى الاقتراض من إخضاع الكلمة المأخوذة إلى قواعد اللغة الآخذة، فبدون ذلك تخرج اللفظة المستخدمة عن سياق نظرية الاقتراض اللغوى.

ومثال ذلك الكثير من الكلمات الإنجليزية التى تستخدمها الألسن العربية فى حياتها اليومية، مثل: good،  no، yes، ok. وغيرها من الكلمات الأخرى التى تجرى على الألسن مع بقائها على حالها، فهذه الكلمات لا يمكن أن ننظر إليها على أنها من قبيل الاقتراض اللغوى أو ندرسها ضمن هذه النظرية، وإنما لها اتجاه آخر فى الدرس، يكون من قبيل شيوع الألفاظ الأجنبية على الألسن العربية.

الاقتراض اللغوى بين العربية والهندية

يعد الاقتراض اللغوى بين العربية والهندية من باكورة الاقتراض الذى مارسته العربية فى نشاطها اللغوى مع غيرها من اللغات. وبالدليل العلمى فإن الاقتراض اللغوى بين العربية والهندية يرجع إلى ما قبل الإسلام بفترة طويلة، وذلك منذ بدأت التجارة بين العرب والهنود، وقد حدثتنا المصادر القديمة عن هذه الرحلات التجارية. إذن بالأدلة المنهجية والتاريخية يثبت قصور الرأى القائل بأن الاقتراض اللغوى بين العربية والهندية قد بدأ مع انتشار الإسلام ودخوله الهند، فهذا خطأ بحثى خطير. أما الصواب العلمى فهو أن هذا الاقتراض بدأ منذ عصور وفترات سابقة، فكما ذكرنا أنه منذ بدأ النشاط التجارى بين البلدين، الهند وبلاد العرب.

وكان أول ذلك النشاط مع البحرين، ومن البحرين تفد البضائع الهندية إلى شبه الجزيرة العربية. وهناك فرق كبير بين التجارة العربية، والتجارة المكية، فرحلتا الشتاء والصيف اللتان حدثنا بهما القرآن الكريم، إنما هما رحلتا التجارة المكية التى تختص بمكة فقط، وليس الحديث عن التجارة العربية  على وجه العموم. وإنما الذى يمكن أن نقوله هو أن دخول الإسلام الهند قد زاد من زهاء ونماء الاقتراض، لكنه ليس البداية.

أثر الهندية فى العربية

ذهب نفر من الباحثين إلى أن الهندية أسبق فى التأثير فى العربية، فالهندية عندهم هى التى أقرضت أولا، ثم اقترضت بعد ذلك. وذلك فى رأيهم استنادا إلى شيوع الأسماء الهندية فى الأرض العربية عن طريق شيوع أسماء بعض النباتات والعطور والتوابل الهندية التى وفدت إلى الأرض العربية.

ولكننا لا نتفق مع هذا الرأى، ولا نقول أيضا إن العربية هى صاحبة  السبق. ولكننا نقول بالمواكبة، ففى نفس الفترة التى شاعت فيها أسماء البضائع الهندية فى الأرض العربية، فإنه حتما فى نفس الفترة قد شاعت أسماء البضائع العربية فى الأرض الهندية.

ومن الملاحظ أن الكلمات الهندية التى اقترضتها العربية ترجع فى أكثرها إلى أسماء بعض النباتات والعطور والتوابل التى لم يكن يعرفها العرب، هذه ملاحظة لسانية، لكنها ليست دليلا كما ذكرنا على الأسبقية، ومن تلك الكلمات نجد:

الهندية                           العربية

مِشك                             مِسك

كابور                            كافور

أود                      عود "نوع خشب عطرى"

داذى                   داذى "نوع من الخمر"

كرمج                  قرمز "لون"

رند                    رند "نبات طيب الرائحة"

أثر العربية فى الهندية

من الملاحظ أن العربية هى صاحبة السلطة فى الإقراض للهندية، فهى أقرضت أكثر مما اقترضت. كما أنه من الملاحظ أن الغلبة فى هذه الألفاظ التى أقرضتها العربية للهندية، إنما هى ألفاظ ذات مرجع دينى، وهذا مما يثبت الأثر البارز للإسلام فى نظرية الاقتراض اللغوى. كما أن نشأة الصحافة العربية فى الهند كان لها أيضا دور بارز فى إزكاء ونماء الاقتراض اللغوى.

فكانت أول صحيفة تصدر فى الهند باللغة العربية، ترجع إلى عام1871م، وكانت تسمى " النفع العظيم "، وأسسها الشيخ شمس الدين. ثم تلتها صحيفة  " البيان " عام 1902 م، ثم صدرت العديد من الصحف والمجلات الأخرى الناطقة باللغة العربية. ومن أبرز الكلمات التى أقرضتها العربية للهندية،  نجد:

العربية                             الهندية

خبر                                 خبر

جاسوس                            جاسوس

قانون                               قانون: وتعنى قانون، عدل، إنصاف

لكن                                 لكن

شيطان                             شيطان

إنسان                              إنسان

محب                               محب

الله                                  الله

كم الاستفهامية                     كِم

الدنيا                               دنيا، وتعنى الدنيا، العالم

محبوبة                            محبوبة

إمام                               إمام

شراب                            شراب، وتعنى: شراب، خمر

لا                                 لا

نصيب                           نصيب

خير                              خير

بَسْ                           بَسْ، بمعنى فقط.

وذلك بالإضافة إلى استخدام عدد من الأعلام العربية، مثل: محمد، أحمد، على، عائشة. ومن الملاحظ أيضا أنها أعلام ذات مرجع دينى.

ختاما

وختاما بعد ما تقدم عرضه، فإنا نرجو أن تكون الدراسة قد حققت هدفها فى الجانبين النظرى والتطبيقى، فيما يتعلق بنظرية الاقتراض اللغوى وتطبيقها بين العربية والهندية. كما نقرر فى الختام أن نظرية الاقتراض اللغوى لا تعرف التقيد بالجذر اللغوى الذى تنتمى إليه أى لغة، ومثال ذلك موضوعنا بين العربية والهندية، فالعربية تنتمى إلى مجموعة اللغات السامية، بينما تنتمى الهندية إلى مجموعة اللغات الهندو أوربية. فلم يمنع ذلك الحد الجذرى من التبادل اللغوى، فالاقتراض اللغوى لا يعرف مثل هذه الحدود.

 

د. أيمن عيسى - مصر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم