صحيفة المثقف

عقيل العبود: مملكة السلطة

عقيل العبوداستحوذت على سريرته غريزة البحث عن المنصب، أحس بقوة غريبة تستميل مداركه، تجبره على التخلي عن كل ما يمت بصلة إلى معتقداته القديمة.

أصابه الفزع، تصبب عرقًا، صار مكبلًا بقيود أفكاره المستفزة، أخذته خطواته صوب عالم لا صلة له بطبيعة المقام.

استحضر مع الزمان مملكة السلطة حين أُحيطَت سطوتها بهيمنة الأسلحة، وحراب البنادق، استقبلته مجاميع من الكائنات البشرية تختلف تمامًا عن الوجوه التي عرفها طوال حياته، شخصيات يبدو عليها الترف، وترتسم عليها ملامح التفاخر، والغرور، والتبجح. افترش السلاطين مائدتهم احتفاءً بالفوز، بينما التقطت الافعى فريستها عند غصن مورق من الشجرة الكائنة عند الزاوية المطلة على حدائق القصر.

أدجى الليل سدوله حتى بات أكثر نحساً حين اصطفت السحب تجرجر أخاديد انتشارها المثقلة بالبرد، وغابت النجوم. إنتهى إلى أنه صار قريبًا من منطقة الرهان، استأنفت الأمنيات تأثيراتها، لتشغل حيزًا أكبر من مزاجه المرتبك.

تواكبت أحلامه مثل ألوان قوس قزح، أصبح يمتلك مفتاح انتصاره المتحقق، لم يلتفت حين باغته مشهد جائع يلوذ عند منتصف الطريق بصحبة فراش بائس، ولم يعد كعادته يعبأ بتطلعاته القديمة.

شاغل فخامة مكتبه الكائن في منطقة محاطة بالحراسات فاتنة تم توظيفها، لإعداد قهوة الصباح، وباقي المرطبات المتعلقة بموائد الأطعمة، جرى تثبيت جهاز الحاسوب الذي وُضِعَ عند مكتبه الأنيق، مع باقات من الورد.

وعند مدخل غرفته أخذت الفتاة الشقراء ذات المحيا الداعر، والعينين الخضراوين، والشعر الكستنائي تصنيف الكتب التي تم إختيارها لتكملة شروط إطلالة مكتبه.

أُخبِرَ عن مرتبه الشهري الذي يفوق ما تقاضاه من رواتب طوال فترة حياته، بعشرة أضعاف، منذ تعيينه ككاتب في إحدى المدارس، بعد تخرجه من السادس الإعدادي في ثمانينيات القرن المنصرم.

جرى تسليمه بيتًا جاهزًا، ومن طراز بيوت أصحاب الفخامة، بعد أن غادر مسكته الذي أمضى به مع أخوته، وأخواته، وزوجته الأولى عشرات السنين، أُدرِجَت المخصصات المتعلقة بطاقم سيارات الحماية، مع نقاط الحراسة، وَحُدِدَ المرآب المناسب لها.

استعدت فضائيات الأحزاب، والكيانات الأخرى تباعًا لإجراء المقابلة المرتقبة معه. راح يتدرب على بعض الكلمات الخاصة باللياقة الإعلامية، لعله يصبح قادرًا على تجاوز إمكانياته القاصرة في التحدث.

أمسى أكثر حرصًا للنظر إلى مظهره الجديد، بما في ذلك حلاقة الرأس، والذقن، ولون الشعر، إضافة إلى البدلة الفاخرة.

نظر مرة ثانية، وثالثة، ورابعة إلى المرآة، اقترح وقتًا أطول لممارسة تمارينه الخاصة بإبراز الصدر، والعضلات.

تخلى تماما عن كل ما يمت بصلة بمفردات واقعه التي ارتبطت بحي منكود.

أدرجَ أرقامَ الهواتف المتعلقة بأسماء مجموعة من المسؤولين، قرر أن يطوق نفسه بخطة حماية صارمة، أنتابه شعور بالترفع، والغلبة، غدا مثل بالون ضخم، يجعل منه أكبر حجمًا.

ضاقت حدود المكان، باتت تتضاءل بالنسبه إليه، أُجهِضَت جميع المعاني السامية، والقيم النبيلة التي كان يتداولها في قلبه، ووجدانه، بعد أن أغارت عليها معادلات الأرقام العالية.

امتلأ حيز وجوده، ليشتمل جميع ما حصل إحرازه، باتت معادلات حساباته الرقمية أكثر ابتزازًا، أضحى يتطلع لامتلاك مساحات بعيدة، تفاقمت لغة التفاخر، لتتجاوز جميع الحدود التي ابتدأ منها أشكال حياته، بما في ذلك خارطة الوطن.

 

عقيل العبود

...........................

* أحداث النص من وحي الخيال، لكنها تكاد تتفق مع شخصيات ساسة في مقاطع كثيرة من حياتهم، والعراق هو الإنموذج المستوحى منه موضوع القصة.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم